الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دليل الرجل الذكي إلى الشهرة والأضواء .. ( حصاد ما سبق ) – 8 -

عبدو أبو يامن

2008 / 9 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1- إذا اتفقنا على أن ( الحاجة إلى التقدير ) هي إحدى حاجات الإنسان الأساسية مثلها مثل الغذاء والماء والجنس والأمان فهل تصبح هذه الحاجة مبررا لكي يتم إشباعها بأية وسيلة وعلى أية طريقة؟
علينا أن نفرق هنا بين الحاجة وبين الوسيلة التي نتوسل بها لسد هذه الحاجة؛ فالغريزة الجنسية - مثلا - إحدى الحاجات الإنسانية التي لا يكاد يختلف عليها اثنان فهل في سبيل إشباعها نقوم بارتكاب الموبقات؟ وهل من أجلها نضرب بكل الأعراف والمواضعات الإنسانية والحضارية والذوقية عرض الحائط؟ إن هذا السلوك لا يكاد يوجد حتى في عالم الحيوان..
وإذا كان الضرر الذي ينشأ في مثل هذه السلوكيات التي تتم على المستوى المادي ( غذاء وماء وكساء وجنس ) كبيرا وخطيرا فإنه أضراره على المستوى المعنوي كارثية بكل معنى الكلمة؛ لأنه هنا يعمل على مستوى القيم والمبادئ والمثل التي تميز الإنسان وتمنحه الأفضلية والكرامة.
وحب الثناء والتقدير والإطراء والمديح بحق وبغير حق وأن يحمد الإنسان بما لم يفعل وأن يقول الناس لهؤلاء الفئة ( طلاب الشهرة ) بأنهم علماء وهم ليسوا كذلك وأدباء وهم أبعد من ذلك ومبدعون والإبداع منهم براء، ومفكرون وهم وعالم الفكر ليسوا سواء كل ذلك مشاهد وملاحظ ويكاد متكرر الحدوث كل يوم
وفي كل زمان ومكان حتى وصل الأمر ( بثمامة بن أشرس ) وهو علم من أعلام المعتزلة ا لكبار أن يقول في عبارة دالة : ( الشهرة بالشر خير من أن لا أعرف بخير ولا شر ) ؛ ومع أنه من دعاة العقل في كل شؤون حياته فأين عزب عنه عقله؟ إنها الغريزة أو الفطرة الإنسانية التي كثيرا ما تجور على أحكام العقل وتخرج عن طاعته!

2- إننا إذا ما حاولنا استنطاق المعاجم والقواميس اللغوية لنبحث أصل كلمة الشهرة لوجدنا عجبا؛ من ذلك : الشهرة : ظهور الشيء في شنعة ( عيب ) حتى يشهره الناس. والشهرة هي: الفضيحة. والشهرة : وضوح الأمر وقد شهره يشهره شهرا وشهرة فاشتهر وشهره ( بتشديد الهاء ) تشهيرا. والشهر هو: القمر سمي بذلك لشهرته وظهوره ( وهذا أصل مصطلح نجوم المجتمع كما أظن ) . وخرج شاهرا سيفه أي مبرزا له من غمده. وذكروا أن بعضهم كان يلبس ثوب شهرة يعرف به في الناس سواء أكان بالغ المدى في النفاسة أو الخساسة ، والأول يلبسه الغني تدليلا على غناه والثاني يلبسه الفقير ليدل على تقواه.
هل البقاء في الظلال والعتمة والظلام ما زال هو هو خوف البشرية الأساسي التي طالما عانت منه حين كانت تسكن في الكهوف والمغارات فهي الآن تعبر عن حاجة من حاجاتها الأساسية حين تحاول تلمس النور والضياء والشهرة والأضواء؟؟
إن محض الشهرة التي يتسابق الناس من أجلها ويختصمون ليست محمودة على كل حال؛ وهل هناك أشهر من طغاة التاريخ ومجرميه من نيرون وهولاكو وجنكيز خان إلى هتلر وموسوليني وستالين ؟
لقد لاحظ بعض الباحثين في علم الجريمة أن الضحايا على مر التاريخ تنسى أسماؤهم ويمحي ذكرهم بينما يخلد - ويا للمفارقة - ذكر المجرمين وتحفظ أسماؤهم وتبقى جرائمهم في ذاكرة البشرية الجماعي.

3- إننا إذا نظرنا إلى الشهرة في حقيقتها بعد أن ننحي عنها كميات الطلاء والمساحيق التي غمرتها به التكنولوجيا الإعلامية المعاصرة لوجدنا التاريخ يعيد نفسه كما يقال؛ أليست الشهرة في المحصلة النهائية مديحا يناله الممدوح بالباطل حينا وبالحق حينا آخر، فيا ترى فيما ذا تختلف عن المدح الذي يكيله الشاعر المنافق أو الكاتب المتزلف أو التابع الذليل لسيده؟
هل الفرق مثلا أن السيد وليكن خليفة أو أميرا أو وزيرا يسعى إليه الآخرون ببضاعتهم لينالوا الحظوة والمكانة والعطايا عنده، بينما طالب الشهرة هو من يسعى في الحصول عليها بأي ثمن؟ على ألا ننسى أن بعض ( ملاك الشهرة ) تسعى الشهرة إليه أو يسعى بها إليه الآخرون ممن وجدوا عنده ما يطلبون كأن يكون بوقا لأجنداتهم سياسية كانت أو ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية.

4- هل الشهرة هي جواز المرور إلى الخلود باعتبار ( الذكر للإنسان عمر ثان ) كما يقول شوقي؟ إن استقراء التاريخ يقول إن ذلك مخالف لمساره في أ كثر الأحيان، صحيح أن بعض الخالدين عاشوا الشهرة والأضواء إبان حياتهم، ولكن كثيرا من الخالدين ماتوا وهم مغمورون في غياهب النسيان ولم يعرف الناس قدرهم إلا بعد العقود والقرون؛ وذلك كما حصل لشاعر من أعظم شعراء العالم ( شكسبير ) حيث لم تتنبه البشرية إلا عظمته وخلوده إلا بعد مرور قرن على وفاته ومثله كثير..
ثم هل هناك تناقض بين الشهرة والخلود، أعني هل هناك فرق بين طبيعة كل منهما عن الأخرى؟
لا شك أن الساعي من أجل الشهرة - ولا تكون إلا إبان الحياة بالطبع - إنسان عملي براجماتي نفعي لا يعنيه إلا النتائج التي تتحقق على الأرض وأمام عينه، فما يهمه هو الآن وليس غد أو بعد غد، بينما الباحث عن الخلود من طبيعة أخرى؛ فهو مثالي حالم ينظر إلى أبعد مما بين أنفه.. ذاك يطرق إلى الأرض يحسب حساب الربح والخسارة ( علماني ) والآخر يتطلع إلى السماء ويحلم بعالم أفضل وغد أفضل ( روحاني )..
ومهما يكن من شيء فلا شك أن الإنسان وحتى المتطرف في علمانيته لا بد له من لحظات في حياته يتطلع فيها إلى السماء على الأقل ليحلم فيها بالمستقبل؛ وهل هناك إنسان على وجه الأرض بلا حلم أو أمل، إن هذا ضد طبائع الأشياء وخلاف السنن الكونية على ما أظن!
وختاما علينا أن نوضح أمرا حتى لا يساء فهمنا: هو أن الشهرة ليست موضع تهمة في كل الأحوال، فهناك فئات من البشر تجد لحسن حظها من القبول لدى الناس ما تحسد عليه وتكون في ذات الوقت أهلا لهذه الشهرة؛ بينما يقابلها فئة أخرى نالت شهرتها بطرق ملتوية وأساليب مشبوهة فهي التي نوجه إليها كلامنا، في زمن كثر فيه تناول الأشياء خطفا، وتم فيه تسليع وتسويق البشر والقيم والفكر كما تسوق الأشياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الروسي يؤدي اليمين الدستورية ويتعهد بوضع مصالح روسيا


.. مشاهد توثق لحظة إصابة صاروخ لمبنى بمستوطنة المطلة جنوب لبنان




.. 7 شهداء و14 مصابا في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية في حي الز


.. الأردن يحذر من تداعيات اقتحام إسرائيل لمدينة رفح




.. أمريكا تفتح تحقيقا مع شركة بوينغ بعد اتهامها بالتزوير