الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم إلى أين في المغرب؟ 3 – رؤية سكان العالم القروي للمدرسة

مصطفى لمودن

2008 / 9 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، للموسم الدراسي 2008/09، نشرع في إشراك القراء معنا حول هموم التربية والتعليم، أولا لنبسط أهم المشاكل، وبعد ذلك يمكن أن نقترح حلولا لها، في ظل وضع تعليمي متأزم باعتراف الجميع، سنسعى حسب المستطاع الوقوف على بعض التفاصيل الصغيرة، والتي قلما يتم الانتباه لها، ونخص بالأساس التعليم الابتدائي، قاطرة السلسلة وركنها الأساسي، كل ما له علاقة بهذا المستوى التعليمي، علما أننا راكمنا تجربة ميدانية وعملية في مهنة التربية والتعليم لما يقرب من ربع قرن من الزمن، وقد عايشنا بعض التجارب والتحولات، وشاهدنا نجاحات وإخفاقات، غير أن ملاحظات القراء عموما وانتقاداتهم وتوجيهاتهم تدعم كلما سنأتي على ذكره.
تعتبر المدرسة جسما جديدا وغريبا عن القرية، وتتفاوت درجة الترحيب بهذا الزائر الغريب من قرية إلى أخرى، حينما كانت المدرسة والتعليم عامة يقود إلى الترقي الاجتماعي، ويضمن تحسين مستوى الدخل المادي، ويجلب للأسرة حظوة ومكانة داخل المجتمع، حينها كانت هذه الأسر تنتظر قدوم المدرسة، ولا تتردد في الاستثمار في تعليم الأولاد أو بعضهم على الأقل، لكن لما تتضايق البلد من خرجيه الجامعيين رغم قلة عددهم بالمقارنة مع العدد الإجمال للسكان، وبالمقارنة مع الحاجيات الملحة التي يتطلبها النمو، والتي من المفترض أن يكون للمتعلمين المتخرجين من المعاهد والجامعات الدور الأساسي لتحقيق ذلك، لكن أمام عطالتهم وبطالتهم المستفحلة، خلف ذلك لدى عدد من الأسر انطباعا سيئا عن مصير الأولاد الذين يقضون جزءا من عمرهم في التحصيل والدراسة.
ناذرا ما أصبحت المدرسة مطلبا ملحا لسكان العالم القروي، فهي تأتي بعد توفير الحاجيات الضرورية الأخرى في نظرهم، مثل الماء والكهرباء والطريق والشغل وتوفير الدخل الكافي لتلبية مصاريف العيش... وتظهر المدرسة لدى بعضهم كيانا جديدا تابعا للمخزن (السلطة)، وكم من قرية بنيت المدرسة في جانب منها يتمنى بعض سكانها لو كانت المدرسة في القرية المجاورة لهم، ولو كلف ذلك أبناءهم مشاق التنقل اليومي! ففي ذهنهم أن المدرسة ستجلب لهم هما إضافيا، ومشاكل غير منتظرة تزيدهم هما هم في غنى عنها، كإطعام بعض الوافدين من مختلف الإدارات الذين يستعملون المدرسة في بعض الأحيان وضمان السخرة لهم، كالانتخابات وغيرها، وقد علمتهم التجارب أخذ الحيطة والحذر من كل ما يمت للسلطة بصلة، وفي مخيلتهم حصيلة سنوات القمع الطويلة التي عرفها المغرب، وقد كان لسكان العالم القروي نصيب من ذلك، و لا يستخلص كل مهتم وباحث مثل هذه الحقائق إلا بعد معاشرة السكان، واطمئنانهم له، أو أن تكون لهم بع علاقة قرابة، وهم حذرون جدا حتى من الحديث في مثل هذه المواضيع!
لكن للحقيقة فدرجة قبول المدرسة تتفاوت من منطقة إلى أخرى، فحسب تجربتنا في التعليم بالعالم القروي، وبرأي عدد من الزملاء ممن عملوا بمختلف المناطق القروية بالمغرب، هناك من يحرص على تعليم أبنائه، خاصة في المناطق التي لها تقاليد في التحصيل العلمي التقليدي، مثل منطقة سوس ومناطق بالصحراء وجبال الريف، ومناطق أخرى بدرجات متفاوتة... رغم أن هناك من يعتبر المدرسة منافسا شرسا يهدد صرح التعليم التقليدي سواء بالزاوية أو المسيد (ملحق بالمساجد لتعليم الدين واللغة).
من الأسر من يعتبر المدرسة أداة إضافية للإنفاق وتبذير المال وهدر الوقت، ليس فقط في شراء متطلبات الدراسة من كتب ودفاتر وأدوات، بل في تسلم الأبناء من قبلها، مما يحرم بعض الأسر من الاستفادة من عائدات تشغيلهم فيما يدر مداخيل إضافية، سواء لرعي المواشي أو غير ذلك، ومن هذه الأسر من يتضايق من متطلبات بعض رجال التعليم، خاصة المتواجدين في المناطق النائية، والذين قد تضطرهم ظروف العزلة إلى الاعتماد في جزء من معيشتهم على مساعادات عائلات التلاميذ.
يأخذ الآباء والأمهات أبناءهم إلى المدرسة خاصة في بداية الدخول المدرسي، وهم في تردد وحيرة، بين تحمل واجباتهم الأبوية كاملة وعدم حرمان أطفالهم من حقهم المشروع في التعلم، وبين إدخال هؤلاء الأطفال بإرادة الآباء أنفسهم في مسار طويل وشاق يجهل مآله، ولا أحد يعرف ما يخبؤه لهم المستقبل، تعليم بدون ضمانات في الترقي الاجتماعي وتحسين مستوى العيش، كما أن الوضعية المزرية التي تعرفها أغلب المدارس بالعالم القروي، يجعل عددا من السكان يعتقدون أن أمر هذا التعليم غير جدي، فكيف تبقى المدارس على هذا المستوى دون تدخل من قبل الجهات المعنية يتساءل عدد من الآباء مرارا، وقد تستفزهم بعض الصور التي تظهر في التلفزيون أثناء كل دخول مدرسي، تبين نوعا راقيا من المدارس، لا تشبه إطلاقا مدرستهم البئيسة والمخربة أحيانا، بينما تنعم بعض الإدارات الأخرى بكامل العناية والاهتمام، كمقر الجماعة القروية والقيادة وكل البنايات التي لها علاقة بالسلطة الحقيقية.
كما أكدنا في المواضيع السابقة، فقد اقتربت نسبيا المدارس من سكان العالم القروي، من حيث القرب الجغرافي وليس الوجداني العاطفي، وهو ما يحتم خلق المزيد من الثقة في التربية والتعليم، ولن يتأتى ذلك سوى على المدى المتوسط والبعيد، عندما سيرتفع الطلب على تشغيل المتخرجين، وذلك مرتبط بإحداث إصلاحات عميقة في التعليم عموما (وهو ما سنحاول مناقشته لاحقا)، وحصول طفرة اقتصادية لها شروطها هي الأخرى، تقدر على استيعاب الخريجين والعاطلين.
ضرورة إشراك الآباء في كل ما له علاقة بالمدرسة، ليس عن طريق جمعية الآباء فقط، والتي قد تنعدم بدورها لعدة أسباب، بل عبر إشراكهم مباشرة من خلال عقد اجتماعات مشتركة مع الإدارة ومجلس تدبير المؤسسة، وفي علاقة مباشرة مع أستاذة أو أستاذ المستوى، من خلال لقاء نصف سنوي، يتم الحديث فيه عن مشاكل الأطفال والعوائق الدراسية بحضور الآباء أو الأمهات أو أولياء الأمر، ورفع تقارير عن ذلك، تؤخذ بعين الاعتبار من قبل المسؤولين كل حسب اختصاصه.
القيام بحملات تحسيسية حول الفائدة من تعليم الأطفال، والتأثير الإيجابي الذي سيحصل على مستقبلهم وحياتهم، حتى لو لم يحصلوا على وظيفة في القطاع العام، مع ضرورة مساعدة الأسر المعوزة وما أكثرها بالعالم القروي، من أجل توفير متطلبات الدراسة، وتوفير المطاعم المدرسية في جميع المؤسسات بما فيها الفرعيات، وتحسين جودة الأكل المقدم.
تحسين جودة التعليم، والتركيز على ما ينفع الأطفال خاصة القراءة والكتابة وبعض المهارات الأخرى، وهو ما سنقف عنده مطولا فيما سيأتي من حلقات لاحقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت