الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور اللغة في تاريخ الأمة

صاحب الربيعي

2008 / 9 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن مفردات اللغة ليست رموزاً للتعبير عن الأشياء الحسية والمادية للبشر وحسب، بل مفاهيم تدلل على ماهية المادة. فالمفردة لاتعني شكل المادة وإنما مضمونها ووجودها، إرتباطها مع المحيط، علاقاتها الضدية، علاقاتها الحسية الملموسة التي توحي بمكونات الفكرة المراد تشكلها داخل العقل لتعريف المادة. تلك الرموز، الاحساسات، المفردات المتبادلة بين المادة والإنسان تشكل الوعي بماهية المادة، كذلك الأمر بين الذوات الحية فالمدلولات اللغوية المتداولة، محمولات حسية تعبر عن الحاجة، التواصل، الحب، العداء...وبالتالي فإنها تؤسس لفعل جسدي متزامن، معبر عن ماهية المفردة، فمفردة الحب تؤسس لدلالة أو فعل جسدي يعبر عن المودة مقابل دلالة أو فعل جسدي معاكس لمفردة العداء المعبرة عن الكراهية.
اللغة نتاج لتفاعل عناصر الأمة على امتداد التاريخ، لاتوجز الأفعال الجسدية والحسية وحسب، بل تختزن صورة الحدث، فالمفردة اللغوية المنطوقة لاتحتاج لفعل يعكس المعنى لأن مدركات الوعي تسبر ماهية المفردة لتعكس صورة الفعل في ذهنية المتلقي وبالتالي فإن لكل مفردة لغوية، ذاكرة تحفظ صور أفعالها لتعكس المعنى المحدد في إطار الفكرة. بمعنى أكثر دقة أن اللغة هي سلسلة مفردات ذات ذاكرة تحفظ تاريخ عناصر الأمة وبما أن الوعي الجمعي يدرك مفرداتها وماهيتها فإنها بالمحصلة تعمل كجسر، ذاكرة، خزان، سجل..ينقل أو يحفظ حراك الأجيال المتعاقبة لرسم المعالم التاريخية للأمة.
يقول (( الياس مرقص ))" إن اللغة أكثر بكثير من ذاكرة الأمة، إنها مادة بناء الفكر، واقعه المباشر، وسيلة إجتماع البشر، وسيلة لتعين وجودهم".
بالرغم من أهمية الرمز الصوتي للغة في عملية التواصل بين أبناء الأمة في سياقها الزمني، فإنها ليست إلا ذاكرة آنية غير قادرة على حفظ الفعل للمستقبل لا بسبب قيمة الفعل المتدنية وإنما لتدني حجم ذاكرة المفردة الصوتية. أما الذاكرة الفعلية للغة فإنها تكمن في الرمز المكتوب الحامل لمعنى الفعل وتوريثه عبر الأجيال، فذاكرة تاريخ الحضارات الغابرة وصلت عبر حامل اللغة المكتبوبة التي آرخت لأفعال الأمم السابقة وشخصت دورها الحضاري على بقعة جغرافية محددة. إن أختراع السومريين للكتابة أنقذ تاريخ الأمم السابقة من الأندثار وفتح أول سجل لتدوين أفعال ونتاج الأمم في المعمورة فالتطور اللغوي الراهن مدين بتطوره للسومريين الأوائل.
إن النطق اللغوي للإنسان الذي سبق الكتابة ليس سبيلاً نوعياً للتواصل بين البشر وحسب، بل رسم حداً فاصلاً بين الكائنات الحية الناطقة وغير الناطقة، أي ميز الإنسان عن الحيوان وجعل من ذاكرته اللغوية حافظة لتدوين تاريخه وتاريخ الكائنات الأخرى غير الناطقة. اللغة وماهية مفرداتها المتجددة الحاملة لذاكرة التاريخ والحاضر، ليست محمولاً لحراك الإنسان وحسب، بل لكل ما يتربط به أو يتعايش معه أو يشغله من رؤى وأفكار عن الطبيعة والكون.
يعتقد (( الياس مرقص ))" أن الإنسان حيوان تاريخي مع ذاكرة، تراكم، إدخار، فأخترع الكتابة أستغرق الآلاف من السنيين ومن ثم ظهرت الأبجدية الأوغاريتية...فينيقيا (بلاد كنعان) نشرت الأبجدية. الإغريق بحكم طبيعة لسانهم (لغتهم) أتموا الأختراع حيث فصلوا الوحدة الصوتية إلى أثنين، صائت وساكن ليس لأي منهما وجود منطوق أو مسموع بمفرده، فدفعوا التجريد إلى هذه النهاية".
إن الأمم الهامشية عبر التاريخ والحاضر، هي الأمم التي تعاني من ضعف محمول ذاكرة مفرداتها اللغوية، لغتها ليست حية وإنما مهجنة من لغات الأمم الحية التي لعبت (وتلعب) أدواراً في التاريخ والحاضر لرسم معالم المستقبل. لذلك لم يؤشر محمول اللغة دوراً للأمم الهامشية عبر التاريخ وإنما أشر تبعيتها لحضارات الأمم الحية أما نتيجة لهامشية فعلها وحراكها وعدم تركه لأثر ما في سياق حركة التاريخ وأما لعجزها عن خلق لغة خاصة بها لتكون محمولاً وذاكرة تسجل حراكها عناصرها عبر التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ