الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البقاء للأقوى يا كامل

سعدون محسن ضمد

2008 / 9 / 3
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


وداعاً يا كامل، ألف قبلة، الف تحية، الف انحناءة، أمام قامتك النبيلة.. فقط لأنك إنسان. لم يجذبني إليك المثقف فيك، لم يبهرني نص لك أو كلمة أو دراسة، بقدر ما هزتني إنسانيتك.
وأنت تعلم بأننا نستطيع أن نجد الشاعر أو الناثر أو المخترع أو الفنان أو أي مبدع آخر.. لكن من الصعب أن نقع على الإنسان. لا اريد أن أرثيك بهذا العمود، وحتى أنني لا أجيد الكتابة الرثائية.. لكنني اريد ان اذكِّرك كما أنني أذكر نفسي الآن بخسارتنا الفادحة وهزيمتنا المستمرة. نعم أيها النبيل.. الخسارة والهزيمة فقط. ولا تصدق أي كلام آخر يحدثك عن النصر يا كامل. أبداً النبيل لا ينتصر في هذا الوجود التعس، أنا متأكد بأنك لا تكترث للأحاديث التي تقول لك الآن بأن قاتلك خاسر بحياته وأنك رابح بمماتك. فهذا كلام فارغ يا صديقي وأعتقد أنك تتفق معي بهذا الرأي. ففي نهاية المطاف سيبقى هذا المسخ الذي قتلك، يتنفس، يفرح، يحب، يحتضن أطفاله يرعاهم ويبلغهم مأمنهم، يعود لزوجته مساء. وبالتأكيد سيظل يقتل الأنبل من بيننا، سيستمر بقتلنا، إلى أن ينتهي دوره هذا وتحدد له سلطاته العليا دوراً آخر، وعند ذاك سينزع عنه لثامه ويلقي سلاحه ويرتدي بدلته وربطة عنقه ويرشح نفسه للانتخابات. وبالتأكيد سيحدث الناس عن الحقوق والإنسانية والديمقراطية والقانون. وسيفوز، صدقني سيفوز بنهاية المطاف. المسخ ينتصر دائماً يا كامل ويخسر الإنسان.
اقرأ التاريخ على مهل وستجد بأن هذه المهزلة تتكرر بشكلٍ مخزٍ.
بالنسبة لي اجد ان الموضوع بهذا الشكل: فمن جهتك أنت.. حياتك انتهت، المشروع فيك تدمر، أصدقاؤك انهمروا بسبب مأساتك. عائلتك انهدمت لأن مصيبتهم بك أكبر من الصمود. أما بالنسبة لقاتلك، فماذا خسر؟ أنت بالذات تدرك بأنه لن يخسر شيئاً على الإطلاق. الحياة تجربة لا تتكرر، ألست من المبشرين بهذه الحكمة؟ إذن فلا عقاب ولا حساب ينتظره أو يقتص منه. بل حتى الموت سيساويه بك، فالموت كما تعلم، مغفل لدرجة أنه لا يفرق بين النبيل والوضيع.
قبل أيام كان أحد الأصدقاء يطالبني كما يطالب غيري بموقف حازم ينهي مهزلة التصفية هذه، فقلت له: ما الخيارات المتاحة أمام المثقف؟ ماذا يمكن للإنساني فينا أن يفعل؟ يحمل سلاحه ويحرث به مقابر جماعية جديدة؟ يبيع القلم ويشتري كاتم صوت؟ يرحل لدول الجوار من أجل أن يحصل على دورة تدريبية يتقن من خلالها تصفية أبناء بلده؟ يتحول من شعار المقاومة لشعار المساومة؟ ماذا على المثقف أن يفعل يا كامل، أخبرني أنت؟ ماذا كان أمامك غير هذا المصير، أقصد الخسارة، ليس أمامك غير أن تخسر وتخسر وتخسر. أنت حتى لم تتقن كيف تلعب بأدوات الربح التي كانت بمتناول يديك، بقيت كما أنت هدفاً مشرعاً لكل متصيِّد. هل ركَّبت صفارات الإنذار يوماً على سيارتك؟ هل رفعت أنفك على أحد ما من خلف مكتب فخم؟ هل هممت يوماً باختلاسٍ، تزيد به رصيدك؟
هل عرفت الآن لماذا احكم عليك بالخسارة يا صديقي.. لأن الجميع من حولك يفعلون ذلك، ولذلك يستطيعون البقاء. يحسنون استثمار قانون البقاء للأقوى، ولنعترف معاً بأنهم أصلح منّا لمقاومة الشر في العراق. فهم يعرفون لغة الشر ويحسنون استعمال أدواته ويطيقون العيش بدائرته. الشر لا يُقاوم بالكلمة يا كامل، ربما علينا أن نعترف بهذه الحقيقة. ربما علينا أن نقر بأننا حالمون أكثر مما ينبغي، ولذلك ننتهي بهذه السهولة ونغيب بلا ضجيج ومن دون ثأر.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال