الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العراقيون بين حلم التحلل وقيود التدين الخاطئة
اسعد الامارة
2008 / 9 / 5الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إذا كانت البيئة عامل قوي في تغيير سلوك أفراد المجتمع بسبب الحرارة أو البرودة الشديدتين أو الصحراء أو الريف أو الحضر أو الجبال فإن عامل التغير الداخلي في النفس اقوى بكثير من العوامل الخارجية رغم ان علماء النفس وجدوا في تفاعل العامل البيئي والوراثي مجتمعين معا أكثر تأثيرا وقوة في تشكيل السلوك الإنساني لا سيما ان السلوك عند الإنسان هو ظاهرة عامة تهدف إلى تحقيق رغبة ويصاحب هذه الرغبة انفعال هذا الانفعال سيتغير ويتبدل وربما ينحرف إذا لم تتحقق الرغبة .
ان الإنسان في أي مجتمع يتعامل بأسلوب يتعارف عليه المجتمع يسمى لغة هذا المجتمع وفي حالة انهيار اللغة لدى الفرد يقابله انهيار لغة المجتمع وحينئذ يكون اما نكوص الفرد إلى الأسلوب الحركي من الإشباع الذي يقابله نكوص المجتمع إلى الأسلوب الحركي ايضا في الكف والإحباط وإما التقهقر والاغتراب أو تغيير المكان .
ان الفرد العراقي عبر هذا التاريخ الطويل من العنف والصراعات شبه المستمرة اما خارجيا أو تطاحناً داخليا تآلف مع هذه المخرجات بشكل مرضي حتى بات يرى العنف سمة الوجود في العالم لا نقيضها في السلم والامان وهو تشخيص يكاد يكون إكلينيكيا للسمات السائدة في المجتمع العراقي ويرى (د. احمد فائق) أن العلاقة السوية بين الفرد والمجتمع تلك التي تقوم على التطور المعكوس لكليهما ، وان الأمراض النفسية الاجتماعية تظهر إذا ما اختل نظام التطور المعكوس ويضف (فائق) ان طبيعة الأمراض النفسية الاجتماعية هي اتجاه السلوك إلى الطرف الحركي
( استخدام القوة والعضلات والسلاح بدلا من لغة الحوار) بما يخلق أفعالا مرضية تدخل في اطار مفهوم العام للجريمة وهي ما يطلق عليها الأمراض النفسية الاجتماعية ولكن قبل الغور في الأمراض النفسية الاجتماعية علينا ان نفرق بين الأمراض النفسية والأمراض النفسية الاجتماعية.
المرض النفسي كما يراه اطباء النفس وعلماء النفس بأنه فشل الشخص في حل صراعاته مع الواقع والتجائه إلى أساليب غير توافقية للحصول على الإشباع او هو كما يقول(مصطفى زيور) ان المرض النفسي يؤثر في حياة الفرد العامة تأثيراً لا شك فيه ، فيضطرب تقديره لنفسه ، كما يضطرب تقديره للاخرين . ويرى ( د.احمد فائق) المرض النفسي الاجتماعي بانه شذوذ السلوك السوي عن المعيار القيمي قبل تفشي الظواهر المرضية في المجتمع ، لذا كثيرا ما يواجه مجتمع من المجتمعات فترة زمنية حرجة تزيد فيها أنواع معينة من الانحرافات النفسية مثال ذلك انتشار القتل العشوائي كما هو الحال في العراق أو انتشار تعاطي المخدرات بشكل واسع أو تداول انتشار العقاقير المخدرة بعد شدة الأزمات التي يمر بها المجتمع إبان فترة الحروب المتكررة أو الحصار الشامل وإزاء ذلك تنتشر الانحرافات والشذوذ الجنسي والدعوات إلى رفض كل القيود والقيم وهي دعوات انفعالية للتحلل من القوانين بغية التخلص من كابوس التسلط أيا كان نوعه ، وفي مجتمع مثل العراق استبدل النظام الدكتاتوري بنظام الدولة الدينية التي لم ولن تصلح أحوال المجتمع بعد التسلط الدكتاتوري لعدة سنوات فراح أفراد المجتمع يبحثون عن كل ما يبعدهم عن معاناتهم اليومية فأصبح انتشار الظواهر الشاذة في المجتمع العراقي وبائيا لا تحدده معايير المجتمع وقيمه لا الدينية ولا الثقافية ولا حتى الأعراف المعهودة بسبب تمزق هذه الروابط .
ان انتشار الإمراض والانحرافات النفسية في أي مجتمع يرتبط معدل انتشاره سواء بالزيادة أو بالنقصان بظرف اجتماعي معين يمر به البلد بحيث يكون هذا الارتباط مباشراً وذا صلة ما بأسبابه أي يرتبط في فترة معينة من تاريخ تطور وتغير البناء الاجتماعي بظرف اجتماعي ولكن إذا ما انتهت الظروف والملابسات الاجتماعية التي ساعدت على انتشاره أو إذا ما انتهت الظروف والملابسات الاجتماعية التي حدت من انتشاره يمكن ان تؤدي إلى تخفيفه أو ضموره . ولكن يبقى التساؤل الأهم : هل تتغير النفوس وتتبدل لتعود إلى سابق عهدها ؟ هذا ما لا يمكن الجزم به أو تأكيده لا سيما ان النفس الإنسانية من الصعب عليها ان تتنازل عن ما آلفته وهو ما يعرف بالتثبيت على مواقف الحياة المؤلمة التي مر بها الفرد لذا فإن تحول الزمان كفيل بتغيير الأشياء المادية ولكنه غير كفيل بتغيير الأشياء النفسية ، لأن البحث في الظاهرة يؤدي إلى علاجها وإيقاف تدهورها ، بينما في الفرد هو نشوء المرض النفسي ، ونشوء المرض النفسي لا يعني ان الجسد مريض بقدر ما هو تدهور في طريقة التفكير وقبول الاخر والاتفاق مع المجتمع في أسلوب عمله أو قيمه وهذا ما لا يمكن ان نجده في مريض النفس.
دخل العراقيين عالم الحرية بعد سنوات الاختناق والدكتاتورية ومصادرة حتى التفكير ببصيص من الحرية إلى عالم رحب وفضاءات متعددة من الاتصالات وشبكات الانترنيت ولكن القدر قادهم إلى تزامن وجود الدور الديني القديم في إدارة المجتمع بأساليب قديمة مألوفة لجأت للعنف في تنفيذ برامجها القسرية بغياب الدولة وبأذرع متعددة من الميليشيات أو التيارات أو الاتجاهات المتشددة وهذا ما سبب تخلل جديد في قيم المجتمع فلم يجد العراقيين منصرف لسلوكهم المكبوت عبر عقود التسلط والدكتاتورية الا وواجهوا تسلط بفرض قيم الدين السياسي التي تختلف كثيرا عن فحوى الدين الحقيقي ، لا سيما ان الدين حمال اوجه وتطبيقه يكاد لا يتفق عليه حتى اصحاب المذهب الواحد فكيف هو الحال مع الشعب العراقي الذي ذاق الامرين ( الدكتاتورية والدين السياسي الجديد) .
اعتاد العراقيون عبر التاريخ تقديس بلدهم فلم يهاجروا ولم يعرفوا طريق الهجرة كما هو الحال لدى اللبنانيين أو السوريين أو بلدان المغرب العربي ولكن اشتداد قسوة التسلط والدكتاتورية ومن ثم تبعها تسلط الميليشيات الدينية بكل تنوعاتها واختلافاتها المذهبية أو الفكرية التي أرعبت الجمع الأكبر من العراقيين واستطاعت ان تشتتهم في بلدان الجوار أو بعض البلدان الأوربية التي استقبلتهم ووجدوا فسحة لا بأس بها من الحرية وأن لم يكونوا آلفوها في العراق أو مارسوها كنشاط ضمن سياق المجتمع المدني وآلياته الا انهم راحوا يتخبطون تارة في كسر القيود والدعوة الى التحلل الكامل وبين العودة الى الدين وما حمل من ثنائية في التناقض ( الدين الحق والدين السياسي ) رغم ان الحرية بمفهومها العام بها من الغموض والإبهام وانعدام الحدود بما يكفي لأن تنشا توجهات جديدة مختلفة تضيف للهم العراقي القديم في الدكتاتورية وفي فرض التسلط الديني الحديث هماً جديدا فراح الجميع يبحث عن أساليب بديلة للتحلل من قيود التسلط السياسي او الديني وحتى القيمي ولكن الحرية الحقة ليست وهم الفوضى وليست حلم التحلل من كل قيد والرفض لكل شئ ، إنما هي مواجهة بالعقل وقبول وخضوع معاً خضوع لكل ما هو إنساني لا يسيس ولا ينظر للتاريخ نظرة (ليس في الإمكان أبدع مما كان) ، بل انه جدل علمي يؤدي إلى المعرفة ولكن بدون غياب العقل جدل يؤدي إلى التحكم والسيطرة والتغيير لا الثوري ولكن الهادئ في كل شئ بالمجتمع .
نحن جميعا نعلم تماما ان الحرية لا تتخلق إلا بفضل حرية أخرى ، تلك الحرية التي لا ننتظر ان تمنح من جهة دينية كانت أو سياسية بقدر ما حرية إرادة ومواجهة لإقناع الطرف الآخر فإذا استسلم الطرف الاخر تعطلت المواجهة واختفى الاختيار المسؤول ، هذه الحقيقة البديهية التي غابت عن أذهان الملايين من العراقيين وسط فوضى التسلط وفرض الرأي قسرياً وتصفية المخالف للرأي حيث نشأ الصراع بغرض التقاتل وليس كما هو معروف لدى ثقافات الشعوب الأخرى التي قطعت شوطا طويلا في مسار الديمقراطية حيث كانت ترى الصراع هو تواصل لا تقاتل ، الصراع هو قانون الوجود الإنساني بأسره وهو محرك لكل ما هو إنساني ولا يقصد به التقاتل بل التواجد معا ، التواصل حول الإرادات والاعتراف المتبادل وقول (د.فرج احمد فرج) نحن لا نوجد إلا من خلال ما ننسب إليه ، من خلال آخر، اسم الأب ، اسم الوطن ، أسم العقيدة ، أسم المذهب أو الدين ، أسم المهنة أو الوظيفة ، اسم الابن ، لذا فالعراقيين تعارفوا عبر الأزمات أكثر مما تعارفوا عبر الأفراح وهم كثيرا ما فرقتهم الأفراح ولكن جمعتهم الأحزان والنوائب وهن كثر على العراقيين منذ ان وضعت اولى قوانين البشرية في هذا الكون وقلبوا الدنيا رأساً على عقب ، فهل يفعلوها ويقلبوا الدنيا عقب على رأس.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما الذي تخطط له حملة ترامب؟ تغييرات متواصلة في برنامج ليلة ا
.. عشية الانتخابات الأمريكية.. داعمون لفلسطين في بوسطن يدعون لو
.. هل يمكن فهم النمط الذي يستخدمه حزب الله في استهداف إسرائيل؟
.. ترمب: لم تكن إسرائيل لتتعرض لهجوم السابع من أكتوبر لو كنت رئ
.. عمليات البحث تتواصل في إسبانيا بعد فيضانات كارثية وأمطار في