الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل باستطاعة أحد اجتثاث السياسة من الحياة؟!.

سلمان بارودو

2008 / 9 / 6
المجتمع المدني


إن السياسة فاعلية في خدمة الجماعة، فأنها كذلك في خدمة الإنسان، والسياسة ليست الغاية النهائية للتطلعات الإنسانية، من هذا الفهم يؤكد أفلاطون بأن الولاء السياسي هو جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، ويعرف السياسة على أنها فن تربية الأفراد، وبدون السياسة لا وجود للمجتمع ولا للدولة الناجحة. وهي أيضا لا تتمتع من هذه الناحية بأي امتياز بالنسبة للفعاليات الأخرى، اقتصادية كانت أم فنية ، أخلاقية أو علمية، بل ترتبط فيها بالعكس، بعلاقة ثابتة وتفاعيل مستمر، وهي ملازمة لعملية الإنتاج الاجتماعي التي تحدد على نحو واضح مواقع الأفراد والفئات والطبقات الاجتماعية وأدوارهم وأساليب مشاركتهم في الحياة العامة.
وهي أيضاً أي السياسة ظاهر مرتبطة بالإنسان وتستمر معه منذ نشأته وحتى وفاته، من هذا المعنى يصف الفيلسوف أرسطو الإنسان بأنه "حيوان سياسي" ويعرف السياسة على أنها علم السلوك الجماعي, لذلك علينا أن نقر وبدون أدنى شك بأن السياسة هي علم وفن وإدارة وتعامل مع الآخر المختلف, فحينما يعلن رجل سياسي عزمه على مقاومة الظلم والفساد ينبغي أن نصدقه ونثق به ولو لم ينجح كلياً أو جزئياً في برنامجه, لأن النفور من السياسي يعني عدم الثقة بالمستقبل ولا بالإنسان, انه ازدراء للإنسانية, لذلك ان نضال السياسي محفوف دائماً بالمخاطر والصعوبات, ودائماً في مواجهة الأخطار التي تواجهه وتواجه المجتمع.
وهنا يجب أن نتوقف بعض الشيء عند مفهوم السياسة كصفة، لا شك أن كل فعل سياسي ينطلق من تصورات معينة عند فاعله، فهو فعل إرادي له هدف يستند إلى رؤية بشأن أهمية الهدف أياً كان، غير أن السياسة الواقعية لا تعتمد على هذا وحده، فالفعل السياسي فعل مركب، ينطوي على تقدير الظروف المواتية وغير المواتية، والتحالفات الممكنة، والخصوم الذين يمكن تحييدهم، ولهذا فالسياسة ليست وصفة، وإنما هي أقرب لتوجه عام نحو أهداف معينة مرتبطة بطبيعة النظام السياسي المعني، ووضعه داخل خريطة سياسية عامة ومتغيرات اجتماعية.
وبالطبع يتضمن كل مجتمع مفكرين سياسيين ملتزمين بتنظيمات سياسية، يقومون ببلورة التوجهات وصياغتها في أفكار عامة، والدفاع عنها، كما يوجد مفكرون خارجها تكون رؤيتهم عادة نقدية للوضع القائم بمجمله.
لأنه ما من تنظيم أو مؤسسة كاملة حتى ولا هي مسيرة في طريق الكمال ولا بد لأفضل المؤسسات من أن يعتريها التلف والتدني, إلا انه يجب الوثوق بالرجل السياسي شرطية ألا يكون مؤرخاً, لان القيام بعمل يستهدف خدمة الجماعة يعني تجاوز الحاضرة لمواجهة الدوام والبقاء.
إن المراقب للوضع والأحداث السياسية بشكل عام يلاحظ بأنه هناك ركود وسكون نتيجة الوضع الاقتصادي المزري بشكل عام واتساع دائرة الفقر والفساد المستشري بشكل مخيف ومرعب في كافة مفاصل الإدارات والمؤسسات, ولعل أخطر أنواع الفساد هو فساد التربية والتعليم، (يوم اجتاح نابليون ألمانيا، كان فيختة الفيلسوف الألماني الشهير يقول: لقد خسرنا كل شيء، ولكن تبقى لنا التربية).
إن اغلب السياسات اليوم تنطلق من مقولة ((لا توجد قيم دائمة, ولا صداقات دائمة، وإنما هناك مصالح دائمة)) لذلك لا بد من التأكيد, بأن كل عمل سياسي يراهن على الخوف, ويعبث بالمصالح, ولكنه أيضاً خدمة شرف وتبعث على التفاني والإخلاص، فالمصلحة في نظر هذه السياسة هي الأصل، فعلى المصالح تلتقي الدول ومن أجلها تتصارع، ولعل من أهم ما يميز السياسة أنها صراع دائم بين المصالح المتضاربة، وبمعنى آخر إذا لم يكن هناك اختلاف فلن تكون هناك سياسة، ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن السياسة هي علم وفن التعامل مع الاختلافات بالأساليب التي تحقق الأهداف المنشودة.
إذ إن حقل السياسة وميدانها أو موضوعها هو حياة الناس وإدارة شؤون المجتمع من أجل تحقيق الاستقرار والأمن في كافة المجالات التي ينشدها الإنسان وعلى مختلف الأصعدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والعملية, ومن ثم تحقيق الرفاهية للمجتمع.
ولذلك فان فن التحليل السياسي بشكل عام لا يختلف من حيث المبدأ النظري عن أي علم تحليلي آخر, فكما يقوم الطبيب بتحليل المرض وذلك من خلال التشخيص وسؤال المريض عما يشكو منه من أعراض جانبية ثم يقول بفحصه بمختلف الوسائل التكنولوجية الحديثة المتوفرة, ومن ثم يختار الدواء المناسب أو ربما القريب لذلك المرض في محاولة منه لتخفيف الألم أو تسكينه, فكذلك المحلل السياسي الناضج الذي يقوم بنفس التشخيص, ولكن بطريقة مهنية خاصة تكمن في مجال اختصاصه السياسي وذلك بدارسة الظواهر السياسية المعنية وتحليلها, لتحقيق الترابط ضمن رؤية معينة وصولا لرأي أو نتيجة.
إن النزاعات والمجادلات والحوارات واللقاءات والتسويات والمصالحات تحكمها مشكلة مرعبة تزري بجميع المشكلات الأخرى، وهي مشكلة لا يحلها إلا القرار السياسي وحده وان كانت من صنع العلم والتقنية، إن السلاح النووي هو الآن من القوة بحيث يستطيع تدمير العالم والقضاء على الإنسانية، فإذا كانت السياسة هي الشر حقاً فلماذا وضعنا هذه الأداة بين يديها؟ لا شيء أكثر من ذلك يستطيع أن يشعرنا بوزن السياسي وتأثيره في مصير كوكبنا الأرضي، حتى ولو تهيأ لملاحي الفضاء غزو الكواكب الأخرى، إن هذه الكارثة المحتملة الوقوع لا تطرح مسألة الحرب والسلام بقدر ما تطرح الضرورة لإيجاد حل داخل السياسي نفسه، لأنه لا شيء يدلنا أفضل من ذلك على أن السلام لن يكون سوى مسألة سياسية محضة.
إذاً، بد من الإسراع بتوفير العقول المثقفة والمدربة على استخلاص ووضع التحليلات المناسبة والدراسات المعنية بكل ما من شانه توفير الأسس الصحيحة والعلمية لاتخاذ القرارات السياسية السليمة، وخصوصا في ظل المتغيرات الدولية الراهنة, والتي بات العالم من خلالها حقل صغير يتأثر بكل شاردة وواردة, وإلا فان النهاية ستكون عالم من الفوضى لا يدرك فيه الاستقرار والأمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري


.. عائلات الأسرى تقول إن على إسرائيل أن تختار إما عملية رفح أو




.. بعد توقف القتال.. سلطات أم درمان تشرع بترتيبات عودة النازحين


.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما




.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب