الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة بين أوهام إيران الخمينية وفشل ويأس الإسلاموية السنية

نجيب غلاب

2008 / 9 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل عدة أيام أكد قيادي في مؤسسة رسمية إيرانية تنفذ إرادة ولي الفقيه الحاكم الفعلي لإيران أن “الأزمة المقبلة التي ستصيب الخليج الفارسي بالشلل قريبا تتعلق بشرعية الأنظمة الملكية والتقليدية التي لن يكون بإمكانها البقاء في ظل الأوضاع الحالية”. وهذا الكلام الذي تناقلته وكالات الأنباء على لسان منوشهر محمدي مساعد وزير الخارجية لشئون الأبحاث خطير جدا ومستفز جدا وواضح جدا، فقد قيل في مكان علمي وأمام نخبة فكرية واعية تسهم وتنور صانعي الاستراتيجيات من ملالي الحكم، بما يعني أن تلك الكلمات ليست للاستهلاك الجماهيري كتصريحات نجاد في محو إسرائيل من الخارطة أو كلام عابر قيل في لحظة غضب، بل كلام صريح فصيح لا يحتمل أي تأويل.
ومشكلة الخطاب الثوري الإيراني أن لديه تصور ان الجمهورية الإسلامية من ناحية فعلية تضطلع بدور مصيري إقليميا ودوليا، ومن ناحية أخرى يعتقد أن إيران وحدها تقف في وجه الهيمنة الغربية وأن إيران هي الدولة المعبرة عن شعوب المنطقة لذا فمن حقها أن أن تعمل على تغيير المنطقة بدعم شعوبها في مقاومة الغرب ومقاومة الحكام وكل من يتوافق مع الغرب حتى وأن خدم ذلك مصالح الشعوب، والإيديولوجيا الخمينية بفعل أوهامها ترى أنها تملك الحق والعدل لذا فهي الأجدر بتحدد مصالح المنطقة وبرسم علاقات دولها مع الآخرين.
والخطاب مهموم في حقيقية الأمر بمصالح إيران القومية ولديه تصور أن رحيل الغرب من المنطقة سيجعل دولة ولي الفقيه هي البديل وهذا كفيل بوصول إيران إلى مرحلة القوة القادرة على فرض مصالحها على العالم، فالهيمنة على المنطقة حسب تصورات صانعي الخطاب تعني السيطرة على العالم اجمع، والمشكلة المعيقة للهيمنة الإيرانية كما يطرح الخطاب هي الغرب المسيطر على المنطقة، ولأن خروجه مسألة مستحيلة لإيران في الظرف الراهن حتى في حالة إمتلاك إيران للسلاح النووي بل أن إمتلاك السلاح النووي سيجعل المنطقة أكثر أرتهانا للغرب خوفا من إيران، والسلاح النووي سيكون قوة رادعة لحماية نظام الملالي ومنح إيران قوة في فرض مصالحها بالتوافق مع الغرب، لذا فإن عقائد الخطاب تؤكد على شعوب المنطقة وضرورة تحريكها في مقاومة شاملة باعتباره الحل الأقوى لاخراج الغرب من المنظقة.
ومشكلة الخطاب وسذاجته أن لديه عقيدة سياسية جازمة تؤكد أن الأنظمة العربية خصوصا في الجزيرة العربية ومصر تمثل قوى استكبارية وهي أنظمة غير شرعية وأنها متناقضة مع مصالح الشعوب وهذه الأنظمة هي الحليف الذي يُمكّن الاستكبار الغربي من الهيمنة على المنطقة، وعليه فتلك الأنظمة هي العائق الجوهري أمام الهيمنة الإيرانية، ويعمل الخطاب على مخاطبة غرائز الجماهير بشكل واضح وهذا الخطاب مدعوم بحركة فكرية وسياسية منظمة ودقيقة.
وصانعو الاستراتيجية الإيرانية يعتقدون أن بناء قوى دينية تابعة لها أو متوافقة معها حتى وإن كانت سنية في الدول العربية مسألة مهمة، وهذه الحركات لها وظائف كثيرة خادمة لأمن إيران القومي وتحقيق غيبيات الإيديولوجية الخمينية، إلا أن أهمها في الحالات الطارئة المهددة لأمن إيران هو قيادة حرب عصابات طويلة والعمل خلال الصراع على تحفيز الشعوب في الانتفاض على الحكام ومواجهة السيطرة الغربية، وهذا حسب أوهام النزعة الخمينية الثورية المتطرفة كفيل بحماية الثورة وتحقيق النصر على الغرب وفرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة.
وهذا الكلام قد يمثل خيالاً مبالغاً فيه وهو في حقيقته أوهام إيديولوجية وقد تكون تلك الأماني والمعتقدات هي المدخل لنهاية حكم الملالي في طهران، إلا أن ذلك لا يعني أن لا نقرأ الواقع كما هو، حتى نكون قادرين على كبح جماح الخيال المتطرف للنخبة الدينية المتطرفة في إيران.
من الواضح أن إيران قد حققت اختراقاً قوياً للأمن العربي في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية، لديها شبكة دقيقة ومنظمة في الدول العربية بعضها سري وبعضها علني واضح، وهذه العلاقات الواسعة بنتها إيران من بداية الثورة حتى اللحظة، وأخطر هذه الارتباطات ليس مع الدول بل مع الجماعات المختلفة في المجتمع العربي خصوصا مع القوى الإسلاموية ليس الشيعية فحسب بل إن إيران استطاعت بناء علاقات قوية وعميقة مع تيارات إسلاموية ثورية سنية متقاربة معها في قضايا كثيرة، كمواجهة إسرائيل وتحويل القضية الفلسطينية إلى دليل على فشل المشاريع العربية القومية والوطنية والليبرالية ودليل على عجز الحكام العرب في مواجهة عدوهم الأول، كما أن إيران والثورية الإسلاموية السنية على اتفاق إلى حد التطابق أن مواجهة الغرب وإسقاط الأنظمة العربية والنخب المرتبطة بالحكام هي الطريق الأسلم لتحقيق النصر على الغرب.
كما أن لدى الخمينية والاسلاموية العربية توافق في معالجة أغلب القضايا المختلفة التي تواجه المجتمعات العربية نتيجة طبيعية للمنطلقات الفكرية المؤسسة للإيديولوجية الإسلاموية الشيعية والسنية فكلاهما متطابقتان في فهمهما للواقع المحيط بأبعاده المادية والمعنوية، وتعتمدان على آليات فكرية وعقدية متقاربة، فالمرشد العام للإخوان المسلمين في مصر مثلا لا يختلف كثيرا عن زعيم حزب الله حسن نصرالله، أبرز أتباع إيران في المنطقة، ولو حكم الأخوان مصر فلن يختلفوا عن ملالى طهران من حيث طبيعة الخطاب العام وآليات الفهم وطريقة التعامل مع القضايا المختلفة، والعقائد المؤسسة للفعل، وفي الراهن سيجد المتابع لاستراتيجية الإسلاموية الإخوانية في أغلب الدول العربية أنها متقاربة مع أتباع إيران ومع استراتيجية إيران الإقليمية والعالمية.
وإذا كان التشابه في فهم العالم وآليات التفكير سبباً للتقارب، فإن هناك مسألة أخرى عمقت من تقارب الإسلاموية السنية مع إيران، فمن الواضح أن مشكلة الحركات الثورية في الدول العربية في صراعها الداخلي، وجموح رغبتها في السيطرة على الثروة والسلطة وعجزها من تحقيق أهدافها جعلها مصابة بيأس خصوصا بعد أن ضعفت قوتها لصالح قوى جديدة عصرية منطلقة من حاجة المجتمع ومتطلباته ومنطلقة من فهم منفتح للدين أي أن القوى الجديدة تتبنى العصر دون ان تتجاوز المجتمع وعقيدته.
كما أن التبشير الدائم من قبل الأسلاموية العربية بالنصر وقرب هزيمة الغرب عبر خطاب وسلوك مقاوم للعصر عمق من تخلف الدول العربية وأضعف موقفها وحدّ من توسعها في حركة الحياة المنتجة وجعلها تواجدها ينحصر في الفئات الأكثر تخلفا عن العصر وتفاعلاته وتحولاته والدول التي حكمتها الاسلاموية هي الأشد تخلفا وتعاني من مشاكل داخلية لا حصر لها، وما يعمق من يأس الأسلاموية العربية إن الغرب يتقدم وتقوى سيطرته على العالم الإسلامي وتهيمن تقنيته وثقافته على العالم، والإشكالية الكبرى التي تعمق من يأس الاسلاموية أن هناك وعي يتشكل في أوساط الناس يؤكد أن خطاب الغسلاموي المتحدي للعصر والفوضوي في مواجهة تحديات المجتمع والدولة هو أكثر المبررات المستخدمة لفرض الهيمنة الغربية، وأكثر الحواجز الحاجبة للعقل من أبداع الحلول الواقعية لمواجهة مشاكل الواقع الداخلي والخارجي.
هذه الأزمة المركبة والعميقة التي تعاني منها الإسلاموية السنية الثورية عمقت من إعجابها بالثورة الإيرانية وقد استطاعت إيران بخطاب إعلامي قوي ومحترف وبالمال المتدفق من زكاة الخُمس ومن ميزانية الدولة أن تعيد صياغة صورتها في المنطقة وتفرض نموذجها العام على الأصولية الشيعية والسنية. أمن الواضح أن أزمة الاسلاموية وفاعلية إيران في المنطقة جعل التجربة الثورية الخمينية تمثل لدى أغلب الإسلامويات السنية نموذجاً مثالياً خصوصا في قدرته على تعبئة الناس ونجاحه في دفعهم لمواجهة نظام الشاه وإسقاطه، ومن ثم مواجهة العالم لتحقيق نموذجها الثوري، وكثير منهم يرى أن الثورة الإيرانية تجربة قابلة للاستنساخ ولا مانع من طلب المساعدة من الملالي وخبراء ثورتهم .
والمتابع للإسلاموية السنية في الدول العربية سيجد أن النموذج الثوري الإيراني حتى لدى من يكفر الشيعة يحرك في خيالها أحلام تكرار الثورة في عالم العرب، وفي لحظات الغضب تظهر جلية لدى بعض القيادات المتحمسة من خلال الحديث عن تفجير الثورات الشعبية، ويظهر تأثرها ونزوعها المتوافق مع طهران بوضوح في سعيها لتهيئة الشعوب للثورة من خلال خطابها المعادي للغرب وثقافته ومنتجاته الفكرية في كل شاردة وواردة، ويظهر أيضا في خطابهم الدائم والملح على تشويه وتدمير صورة الحكام العرب والنخب الوطنية الحديثة المتبنية للعصر والتي تمثل في خطابهم صورة مطابقة للعدو الغربي.
تصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني هي أعلى تجليات أوهام الاستراتيجية الإيرانية المبنية في جوهرها على أوهام إيديولوجية، وبروزها بهذه الفجاجة هو نتيجة قناعة المتطرفين في طهران أن وجود إيران الفاعل في العراق وبلاد الشام ونتيجة توافقها مع القوى القوموية العربية المتبنية لاستراتيجية معادية للغرب، ونتيجة تماهي الإسلاموية الثورية مع خطابها وتعاظم تحالفاتها الخفية معها، جعلها ترى أن هناك إمكانية لتفجير حروب داخلية في الدول العربية يلتحم فيها القوموي مع الشيعي الخميني والسني الثوري لمواجهة الأنظمة العربية والنخب الحديثة من خلال حرب عصابات واسعة النطاق، باسم مواجهة الغرب وإسرائيل والمخفي وراء تلك الأوهام هو وهم السيطرة الإيرانية على المنطقة ووصولها إلى العالمية وتهيئة العالم لخروج الإمام الغائب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah


.. المقاومة الإسلامية في العراق تدخل مسيرات جديدة تمتاز بالتقني




.. صباح العربية | في مصر.. وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنائز