الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الغباء شرط لازم للتدين؟!

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2008 / 9 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شعرت بالأسى العميق، وبغثيان أيضا، وأنا أسمع مكبر الصوت الخاص بالمسجد القريب مني، وهو ينقل لي صوت رجل قطع صلاة التراويح الرمضانية التي يبثها ميكروفون المسجد، يتلو على المصلين، وعلي أهالي الدائرة التي يغطيها صوت المكبر الهادر، حديثا منقولا عن النبي محمد هذا نصه:
"روي عن علي رضي الله عنه ، بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا بين الأنصار والمهاجرين ، أتى إليه جماعة من اليهود ، فقالوا له : يا محمد إنا نسألك عن كلمات أعطاهن الله تعالى لموسى بن عمران لا يعطيها إلا لنبي مرسل أو لملك مقرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سلوا. فقالوا: يا محمد أخبرنا عن هذه الصلوات الخمس التي افترضها الله على أمتك؟ فقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: صلاة الفجر، فإن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني الشيطان ويسجد لها كل كافر من دون الله. قالوا : صدقت يا محمد .."
وعندما حاولت استقصاء صحة الحديث، وقعت على رأي يشكك فيه.. فقلت في نفسي: الحمد لله.. إن الحديث الذي أقلقني مشكوك فيه.. وهكذا يكون النبي محمد بريئا من السقوط في هفوة "علمية" فاضحة.. وإني ومن كل قلبي، أود أن يكون النبي بريئا عن أية سقطة علمية!
لكن ما أقلقني مجددا أن المشكك في صحة الحديث السابق، وهو متدين أيضا - كما يكشف عن ذلك أسلوبه الذي يدافع فيه عن النبي محمد - استند إلى حديث آخر، يستمد قوته من وروده في صحيح مسلم، يقول الحديث هذا:
"عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلاةِ قَالَ صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ" .
هكذا، نعود إلى المشكلة من جديد: النبي محمد يؤكد أن الشمس "تطلع بين قرني شيطان".. ويقول هذا على خلفية التسليم بأن ما قاله هو "كلمات أعطاهن الله تعالى لموسى بن عمران لا يعطيها إلا لنبي مرسل أو لملك مقرب".. إلى هنا، ويجوز لنا أن نسجل موقفا في صالح النبي محمد، يستند إلى ما يقبله العقلاء المتنورون في عصرنا، من أن النبي كان يرتكز فيما يرى، إلى منظومة عصره المعرفية، وأنه، في هذه الواقعة، حيث يحاور فيها يهودا، لهم معتقدهم الموروث من إيمانهم بتراث النبي موسى، كان يتطلع إلى كسبهم لصالح دعوته، من خلال كسب ودهم، من خلال مشاركتهم فيما يعتقدون من مفاهيم، تسمح بقبول فكرة أن "الشمس تطلع بين قرني شيطان".. وهكذا، إن صح حديث صحيح مسلم، نكون قد وجدنا عذرا مقبولا للنبي محمد، وهو يقول كلاما لا يقبله علمنا المعاصر الذي لم يعد فيه مكان مطلقا، للقول أن الشمس "تطلع" أو تغرب".. فالشمس موجودة حاضرة طوال الليل والنهار، وشروقها أوغروبها نسبة لهذا المكان أو ذاك، لا يعني شروقها على الأرض أو غروبها عنها مطلقا..
هكذا، نستطيع أن نتفهم ما قاله حديث النبي المحكوم بمعرفة حقبة زمانية قديمة.. ولكن، كيف نتفهم أن يقوم فينا، والآن، متدينون لا يزالون يرددون حديثا يقر، وبقطعية لا تقبل التشكيك، أن الشمس "تطلع" و "تغرب".. وكيف؟
"بين قرني شيطان"؟!
نلاحظ أيضا، أن حديث صحيح مسلم، يورد عن النبي قوله أن "الكفار" يسجدون للشمس حين طلوعها وحين غروبها بين قرني شيطان.. ووردت "الكفار" بصيغة نفهم منها أن جميع الكفار يفعلون ذلك. فهل لو طبقنا هذا التقرير، على جميع كفار العالم، فهل تكون النتيجة لصالح ما ورد في حديث صحيح مسلم؟! الجواب الواضح، هو أننا نعرف، معرفة مؤكدة، أن كفار العالم لا يسجدون كلهم، حين طلوع الشمس أو حين غروبها.. ربما كان هناك أتباع طوائف دينية (كافرة) تفعل ذلك، لكنهم بالتأكيد، ليسوا هم كل كفار العالم.
رحماك ربي.. هل الغباء شرط لازم للتدين؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل


.. 52-An-Nisa




.. 53-An-Nisa