الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلال الحنفي ..ذاكرة بغداد التراثية

مازن لطيف علي

2008 / 9 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شكل جلال الحنفي البغدادي ظاهرة فريدة في سيرته ومواهبه وطبيعته الشعبية وحتى شطحاته ونوادره، وعد خلال تلك الرحلة الطويلة مع العمر ومناخات العراق ومعاصرته لحقبه أن يكون شاهدا على القرن العشرين، ليدون الكثير عن خواطر ومعلومات وقراءات وبحوث موسوعية تركت بصماتها وستمكث من علامات الرجل والحقبة والوعي العراقي.
ولد جلال الحنفي البغدادي في بغداد عام 1912 ودرس في مدارسها و لازم الشيخ امجد الزهاوي والعديد من العلماء ، ثم تسنى له أن يسافر الى القاهرة حيث قضى عاماً واحداً في جامع الازهر بعدها عاد آيبا الى بغداد عام 1940 .أسبغ عليه لقب الشيخ العلامة الموسوعي الاب انستاس ماري الكرملي سنة 1933 حينما كان يقوم بعمله اليومي المعتاد كإمام لجامع الخلفاء،

وهو من أقدم ما مكث من مساجد بغداد العباسية. وقام بتدريس اللغة العربية في معهد اللغات الأجنبية في بكين وشنغهاي في الصين في 1966، وتزوج من سيدة صينية كانت أم لذريته. وكان له رؤية للحياة اكتشفها منذ طفولته يلخصها ببيت لابي نواس، يقول فيه: (ما ارتد طرف امرئ بلذته إلا وشيء يموت من جسده)
ونقل عنه الباحث حميد المطبعي قوله :(الحياة مدرسة تدرس الاحياء وقائع الحياة باسلوب النظرية الصينية"تعلم السباحة في السباحة"). و ذكره الموسوعي هادي العلوي الذي ربطته صداقة وذكريات معه بان الحنفي مثقف علماني في العمق متعدد الكفاءات من فقه وادب و فلسفة و ثقافة حديثة ، وهو من عشاق بغداد والهائمين بها .
وغير مساهماته العامة فأنه تميز بغزارة منتجه التدويني ومنها كتبه: معاني القران،مقدمات الجنوح في الاحداث ، بقايا ديوان ، التشريع الاسلامي :تاريخه وفلسفته ، الصناعات والحرف البغدادية ، الامثال البغدادية ، معجم اللغة العامية ، معجم اللغة العامية الكويتية والتونسية واليمنية، مبغى البصرة ، العروض ، المقام العراقي ، الرصافي في اوجه وحضيضه، وغيرها . وما ميز تلك الأسفار تنوعها، فنجد كتباً في التاريخ واخرى في الموروث الشعبي وفي الشعر وفي الفقه.
ومن مناقبه الفنية أنه درس علم التجويد في معهد الفنون الموسيقية في بغداد،وتسنى له أن يجرى تصحيحات كثيرة في علم العروض لينتشر في مؤلف.وأوجد نماذج للعروض فالرجز مثلا هو 8 بحور جعلها الحنفي 50 بحرا وأخترع بها أوزان جديدة،وغيرها من العلوم مما يؤكد وسع أفقه الموسوعي وذوقه الفني المهذب ..
وفي سياق المنتج فقد ترك مخطوطاته جليلة تنتظر من يأخذ بيدها وينشرها ، و منها وليس للحصر الاجزاء الباقية من معجمه "معجم اللغة العامية البغدادية " و المعجم يقع في 7 اجزاء وسبق ان طبعت 3 أجزاء منه في حياته ، وبقيت الأجزاء الأخرى جاهزة للطبع،وعساها أن تمكث بيد أمينة ،ويقودنا السياق إلى التساؤل عن مصير كتابه "الكنايات البغدادية البذيئة " الذي أرسله في حياته إلى أحد دور النشر في المانيا ولايزال مصيره مجهول.
لم يفارق جامع الخلاني فترة طويلة حيث كان يذهب اليه مشياً على الاقدام يومياً الى يوم وفاته .وحدث ان أقمنا له قبل وفاته بأشهر أمسية وتكريم اقامها التجمع الثقافي في شارع المتنبي وسر الحنفي بحضورها وقدم لنا محاضرة عن الحضارة الاسلامية دهش الحاضرين لموسوعة وذاكرته المتوقدة، و اقترحت على زملائي في التجمع الثقافي في شارع المتنبي ان نهدي له كتاب "الشخصية المحمدية "لمعروف الرصافي " وهو كتاب اثار مشكلة في بداية اربعينيات القرن العشرين وطبع عام 2002واخبرتهم ان لهذا الكتاب ذكرى لشيخنا الحنفي بعد انتهاء الامسية سلمت له الهدية و أخبرته أن الهدية الموجودة في الظرف هو كتاب الشخصية المحمدية فقال نصاً"طبعه الملاعين"وقال أنا كنت من محاربي هذا الكتاب في وقتها.
في الرابع من آذار عام 2006 فقدت الثقافة العراقية إحدى أعلامها المخضرمين المعمرين بعد وفاته زار ت عائلته قبره بمناسبة اربيعينية الحنفي فوجدت من عبث بقبره وكتب عليه "لا امام الا الشافعي ".وهكذا حال الثقافة العراقية ورموزها، فلا تكريم لأحياء مبدعين ولا حرمة وراحة لدفين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن