الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام المفجوع لا يعول عليه يا صائب

سعدون محسن ضمد

2008 / 9 / 11
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


بعد سماعي لنبأ اغتيال النبيل كامل شياع وتجاوزي لصدمة هذا النبأ قررت أن لا أرثيه، إيماناً مني بأن الرثاء سيكرس شعوري بالهزيمة التي منيت بها بسبب تلك الفاجعة.. خاصَّة وأنني سأكتب كما المفجوع في حال رثيت هذا الرجل.. ساهذي فقط. على هذا الأساس مر يوم ويومان وظهرت ردود أفعال الكتاب وكنت أتابع بصمت. أقرأ فقط.. إلى أن جاء موعد إرسال عمودي الأسبوعي إلى جريدة الصباح ولم استطع الكتابة. ومر الموعد، وتأخرت يوم، ثم جاء اليوم الثاني على تأخري، ومضى مساء ذلك اليوم وأنا عاجز عن كتابة أي شيء، ثم تبخر ثلثا الليل وأنا حائر، فلا أنا قادر على الكتابة عن كامل، ولا أنا قادر على تجاهل موضوعه والكتابة ببلادة عن أي فاجعة أخرى من فجائع العراق الكثيرة.
بعد أن تجاوزت الساعة الثالثة صباحاً عرفت بأنني عاجز عن كتابة عمودي يتجاهل فقدان كامل شياع. لذلك كتبت عمودي المعنون (البقاء للأقوى يا كامل)، هذا العمود أثار بعض ردود الأفعال وكان من أهمها المقال الذي نشره الصديق العزيز والمثقف العراقي المثابر صائب خليل، على موقع الحوار المتمدن بعنوان (أيهما الأقوى يا سعدون، النمر أم الإنسان؟). وأنا الآن أكتب هذه الكلمات في محاولة للإجابة على سؤال صائب:
سؤالك مهم يا صديقي، لكن أي قوة تريد أن تنسبها لنا، وأي مقارنة بيينا وبين أولئك الوحوش تريد من خلالها أن تحاصر هواجس الهزيمة عندي. الكلاب الذين نالو من كامل يتمتعون الآن بالحرية ومسلحون بشكل جيد ومدعومون من جهات شتى وهم فوق ذلك يتخفون بأزياء الملائكة، ولا أحد يستطيع أن يتعرف عليهم. ونحن الذين نقف بمواجهتهم، أقصد ثلة المثقفين الذين يؤمنون بضرورة الصمود والتصدي والوقوف بوجه جميع أنواع الوحشية والتخلف، هؤلاء يا صائب عزّل مكشوفو الصدور. لا يدعمهم أي أحد ولا يقف بصفهم وبصورة علنية غير المعدمين والضعفاء. وهم فوق هذا وذاك لا يمتلكون أي ضمانة اجتماعية يخلفونها لأولادهم في حال تم اغتيالهم. فأغلب الذين أتحدث عنهم محرومون من هذه الضمانات. المثقف العراقي يقاتل بظهر مكشوف يا صائب فكيف لا يُقتل وهو مهزوم.. عندما تُقتل غدراً بسبب تفانيك من أجل وطنك، ويمنع أطفالك من خيرات هذا الوطن ويتشردون بين أزقته فأنت مهزوم بدل المرة الواحدة ألف مرة، وسواء اعترفت أم لم تعترف.
هناك هاجس يعيشه كل مثقف عراقي جاد وثابت على مبادئه، هذا الهاجس يثور في وعيه كلما تطلع بعيني طفل من أطفاله، أو تطلع بعيني زوجته وهي تعاتبه صامته بعد قرائتها لمقال من مقالاته (الساخنة) المنشورة هنا أو هناك. مثل هذا الهاجس هو الذي دفعني للتساؤل عن حقيقة الهزيمة والانتصار، هذا الهاجس تجاهله الشهيد كامل شياع، ويقوم بتجاهله الآن ثلة كبيرة من مثقفي العراق وعموم رجاله، وهؤلاء الرجال أقوياء يا صائب وهم يتجاهلون هواجس الموت.. لكنهم من جهة أخرى ضعفاء ليس بسبب الرصاص الذي يهددهم فقط بل والتشرد الذي ينتظر ذويهم من بعدهم.
أهم مثقفي العراق الآن لا يمتلكون أبسط مقومات الحماية. أهم مثقفي العراق الآن لديهم عوائل كبيرة ولن يتركو في حال تم اغتيالهم لهذه العوائل أي ضمانات يا صائب، القضية تتعلق بالأبناء والزوجات والأمهات والآباء. العراق يستحق التضحية بالأرواح نعم، لكن من للأطفال من بعد رحيل آبائهم الأبطال؟
ثم هناك ثيمة أكثر أهمية بموضوع الانتصار والهزيمة، أقصد تلك التي تتعلق بتمكن الأشرار دائماً من استثمار تضحيات الأخيار لحساب مصالحهم الشريرة، وهذا أكثر ما يثيرني بموضوع التضحية.
ساضرب لك مثال محزن يا صديقي:
عندما ثار محمد(ص) يدعو للإسلام، من الذي تصدى له؟ رجالات قريش طبعاً. وكان على رأسهم أبو سفيان.. حسناً لماذا فعلوا ذلك؟ الجواب بالتأكيد لأنهم مجموعة من الوحوش التي ترفض أن يقف أي أحد بوجه استغلالها للناس. جيد، وعندما نجحت دعوة محمد وتحول الإسلام إلى إمبراطورية، هل استطاع أحد أن يمنع أولئك الوحوش وعلى رأسهم أبو سفيان نفسه من التهام هذا الإسلام وتحويله لوسيلة يعيدون من خلالها استغلال الناس وبشكل أكثر بشاعة. هل كانت دولة بني أمية أو دولة بني العباس أو الدولة العثمانية انتصار لمحمد أم هزيمة له؟ بالنسبة لي فإن الأشرار انتصروا مرتين، مرة لأنهم حطمو الإسلام، ومرة لأنهم حولوه لاستثمار ناجح وشرير.
هذا ما قلته لكامل. قلت له: في نهاية المطاف سيقف نفس الذي سدد الرصاصة لقلبك، سيقف فوق منصة الخطابات السياسية ليحدث الناس بأحاديثك بعد أن يسرقها طبعاً، لا لتعم خيراتها على الجميع بل ليستغلها من أجل تحقيق مصالحه ومصالح أسياده.
ستسألني حتماً: هل تدعو مثقفي العراق للانسحاب من ميدان الصراع يا سعدون، وسأجيبك لا بالتأكيد خاصّة وأن المعركة بدأت تنحسم لصالحنا.. لصالح العراق. لكن يحق لنا يا صائب أن نهذي قليلاً، أن نشتكي، ففي نهاية المطاف نحن بشر يا صديقي. بشر محاصرون بأرض معركة مخيفة، بشر لديهم زوجات وأطفال وأحلام ورغبات، وهم مهددون من كل الجهات. يحق لي أن أفلسف مفهومي القوة والضعف، ومفهومي الهزيمة والنصر. يحق لي أن أكتب مقال أحذر فيه أصدقائي الذين أحبهم وأعتقد بأنهم على موعدين قريبين الأول مع رصاصات الغدر، والثاني مع التشرد والضياع.
وفي النهاية أريد أن أعود بك لنقطة البداية، أريد أن أقول لك: دع عنك كل هذا الذي قرأته، فأنا مفجوع يا صائب، وكلام المفجوع لا يعول عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟


.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح




.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا


.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ




.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم