الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا غابت ثقافة السلوك؟

كريم الهزاع

2008 / 9 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس لدينا مؤسسات. مفهوم الدولة والفرد غير مطروح على أرض الواقع. نعم كل هذا غير موجود في وطننا العربي. القانون غير مفعّل والدساتير ديكورات. الحرية وهم، وإلا ماذا نسمي تصنيف الإنسان إلى أكثر من عشرين فئة مثلاً؟ لماذا يكون مصير الإنسان بيدِ السلطة السياسية (الدينية) الاجتماعية؟ لماذا لا نقتنع بأن الثقافة سلوك حضاري أكثر منها فعلا استهلاكيا أو نصوصا مبعثرة هنا وهناك.

في العالم العربي نحمل ذاكرة شفاهية وليس ذاكرة تدوينية. بمعنى آخر، يجب أن يتمَ تحويل النص التدويني إلى فعل وسلوك، وهذا غير موجود على أرض الواقع العربي. وفيما يخص المثقف، يبقى المثقف يعاني من حالةِ اغتراب وسط مجتمعه.. وأيضاً تمارس ضده حالات من الاستعبادِ والاستبعادِ والمذهل جداً يمارسها أوصياء من مدعي الثقافة، بحيث يُستبعد من جميع الأنشطة الثقافية الموجودة في البلد.. إلى جانب أن «النويقد» لا يتناول نصوص هؤلاء المبدعين، لأن هذه النوعية من النقود (جمع نقد) هي عارية حتى من سراويلها الداخلية.

هذا الذي أتحدث عنه ليس عبارة عن تهويمات من خيالي، ولكنه حدث ويحدث مع مثقفين في عالمنا العربي.. طيب.. ماذا فعل المثقف إزاء هكذا استعباد واستبعاد؟ انتقل من ثقافة الورق إلى الفضاء السيبرنطيقي.. الإنترنت، حيث إن المشهد الثقافي العربي على الإنترنت أكثر فعالية، أكثر استقلالية وحرية، لا يصادر الآخر وبإمكان الآخر أن يطرحَ ذاته بطريقة أو بأخرى من خلال المواقع الكثيرة على الإنترنت أو بشكل منفرد عبر موقع شخصي أو مدونة.. وهناك أرشيف من النصوصِ بمتناولِ الجميع..

أعود وأركز على أن المشهدَ الثقافي على الانترنت كسر الاقليمية والانتظار الطويل، طرح ثقافة ألوان الطيف، ابتعد إلى حدٍ ما عن التصنيفِ والتشنجِ وسيكون الرهان مستقبلا على مثل هذه التجربة. لذا أقول للرقابات العربية المتواصلة على الإنترنت: ارفعوا أيديكم، يجب أن نوفر للكتّاب الذين يعيشون تحت سطوة الأنظمة الشمولية -على الأقل- إمكانية أن يخبروا العالم، من خلال عملهم أو نقدهم، بالحقيقة عن هذه الأنظمة. إن جوهر أن أكون كاتبا مهتما بإبداع أعمال فنية -الفن بشكله الشمولي- إنما هو نوع من التمرد على الحكومة الشمولية، لأن الموقف الوسطي -موافق أو غير موافق- إنما هو الموقف المثالي الذي تتبناه تلك الأنظمة الدكتاتورية، بينما صرخة حادة مثل «لا»، مؤكد أنها ستكون بمثابة طلقة إن لم تصب فسـ«تدوش». لذا يجب أن نوفر لهؤلاء الكتاب الذين يعيشون بيننا فرصة أن يخبروننا بالحقيقة عن أنفسهم بوصفهم أناسا يصدقون أنفسهم ليكونوا أحرارا، بالإضافة إلى توفير أشكال متعددة للوصول إلى المعرفة، وكذلك توفير أنواع متعددة من المعرفة، ومن الأصوات والفضاءات، بوصفها سبيلا للتوصل المتعدد، والتعبير، والمعرفة الذاتية، ما يفتت المبدأ الجوهري للسيطرة، والذي يميل إلى الاندماج والتوحيد. وبشكل أكثر عمومية، أصبح سؤال «السلوك الإنساني» أكثر تعقيدا الآن، لأن الحدود القديمة (الأيديولوجية، السياسية، الاقتصادية، الجغرافية)، قد تغيرت وتحولت، وتفتـّتت، مستثيرة تيارات وتيارات مضادة.. أعداد كبيرة من الفارين بلا توقف يظهرون ويختفون مثل القوميات القديمة، وأساليب ووسائل جديدة للتفكير، وآلات جديدة لكل أنواع المطالبة الصاخبة وللانضمام إلى بحر العولمة، والمتمثل في هذه الشبكة الشاسعة من الاتصالات اللحظية.

وبالطبع كل هذه الأشكال والوسائل السابقة تقف مضادة تماما للقوة الجادة للسيطرة. ومن أصغر إلى أعظم هيئة مسيطرة تعمل باستمرار على تركيز المعرفة في خط مفرد شامل، ثم إرسالها بعد ذلك بواسطة وسائل الإعلام في اتجاه مفرد بعينه. ولكل هذه الأسباب، أؤمن بضرورة وجود فضاءات جديدة للاتصال، إيجاد البدائل من الحوار والاختلاف، بمعنى آخر فضاء متسع لكل الآراء المختلفة. لكنني أؤمن كذلك أنه لهذه الأسباب نفسها، سيستمر الجدل ويمتد إلى استخدامات وسائل الإعلام، وأشكال التمثيل وصدقية المؤسسات الممثلة. وبوصفنا كتّابا فكل الخطاب يهمنا. ويشمل ذلك كل كلمة تظهر وتختفي، تبقى وتذهب، وكذلك الظل الذي يصاحب كل كلمة، غير المعبر عنها، أو غير المقولة، الآخر يهمنا. وإنتاج الخطاب هو هدفنا الأول وليكن هناك المزيد من الفرص للتعبير، ومزيد من البدائل للخطاب أو مزيد من الخطابات البديلة.

هذه هي الاستراتيجية، يجب أن نؤمن أنها أكثر الوسائل المؤثرة في مقاومة «الحقيقة» الشمولية للسلطة (مجردة وتنويمية)، وذلك بمواجهتها بالحقيقة الواقعية، تلك الحقيقة التي لا يمكن أن تكون شيئا مفردا، بل هي موجودة في أشكال دائمة التغير، وفي ذلك يكمن جمالها في قلب كل رجل أو امرأة. وهكذا فإن أفضل وسيلة لتحطيم لحظة بلحظة، كلمة بكلمة، التجانس المضلل للهيمنة، إنما تكون بالإبداع اللامحدود للكلمات المكتوبة، والتي ستتحول فيما بعد إلى فعل ثم إلى سلوك ينفع البشرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمكة الجنائية الدولية : ما مصير مذكرات التوقيف ؟ • فرانس 24


.. ما خطط جنازة رئيسي ومن قد يتولى السلطة في إيران؟.. مراسل CNN




.. قتلى وجرحى بحادث سقوط حافلة في نهر النيل بمصر | #مراسلو_سكاي


.. قبل الحادث بأشهر.. ليلى عبد اللطيف تثير الجدل بسبب تنبؤ عن س




.. نتنياهو وكريم خان.. تصعيد وتهديد! | #التاسعة