الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضمور قيم الحداثة ومناهج التعليم

صادق الطريحي

2008 / 9 / 11
التربية والتعليم والبحث العلمي



يقوم المنهج التعليمي بمفهومه التربوي الحديث على الأسس الآتية:
• الأهداف
• المحتوى
• طرائق التدريس
• التقويم
إذ تعد هذه العناصر مكونا واحدا لا يمكن الفصل بينها ، سواء عند بناء المنهج أم في تطويره أو إصلاحه. وتعد عمليات التطوير والإصلاح والتغيير عمليات طبيعية، تنجز في فترات متباينة في المجتمعات جميعا، كنتيجة للتغيرات المعرفية والاجتماعية والاقتصادية أو السياسية، غير أنها تحدث في العراق والبلدان العربية نتيجة للتغيرات السياسية فقط ، باستثناءات جدّ قليلة (دعوة طه حسين لشمول المجتمع كله في المدارس) مثلا، وهو الأمر الذي يقلل من مصداقية هذه التغييرات نظريا على الأقل. ومع ذلك فقد نجحت اليابان أيما نجاح بعد تغيير مناهجها عقب الحرب الثانية. وفي مجتمع بطرياركي مثل المجتمع العربي يُمتهن فيه الطفل والمرأة والمتعلم ، لا يمكن فيه قبول تغييرات أساسية على المنهج لأن أهدافه مستمدة من وعي السلطة الحاكمة ، مما أدى إلى دخول التربية العربية في أزمات متعددة، بحث الدكتور محمد جواد رضا سبعا منها في (أزمات الحقيقة والحرية في التربية العربية المعاصرة) بحيث دخلت التربية العربية القرن الحادي والعشرين ومناهجها التعليمية متخمة بطرائق التلقين والحفظ، وتعاني ضمورا شديدا في أشكال التقويم ، وأساليب التدريس المبنية على الحوار والمناقشة والتعاون. وجاء في تقرير الأمم المتحدة عن التنمية الانسانية العربية (2002) أن ثلاث سمات أساسية تغلب على ناتج التعليم في البلدان العربية: هي تدني المحصول المعرفي، وضعف القدرات التحليلية والابتكارية ، واطراد التدهور فيهما. وكمثال بسيط على التجديد في العراق، نأخذ محاولة الأستاذ الدكتور عبد الجبار توفيق البياتي، عندما أصبح وزيرا للتعليم العالي في العراق نهاية تسعينيات القرن الماضي، إذ أدخل نظام الاختبارات المركزية المقننة في الجامعات العراقية، وهو عمل علمي جبار ، جاء كرد على التدهور العلمي ، وعدم اكتمال مفردات المحتوى، وعمليات بيع الأسئلة الامتحانية ... وقد قوبل هذا التجديد برد فعل قوي، ومعارضة شديدة، إلى أن أعفي الدكتور البياتي من منصبه! وقد يعود سبب فشل هذه المحاولة إلى أنها كانت تغييرا في عنصر واحد من عناصر المنهج التي يجب أن تتغير بنسب متفاوتة.
ولعل من أسباب فشل المناهج عندنا، هو عدم وجود منظمة فنية تابعة للدولة وليس للحكومة، كأن تسمى (المنظمة العراقية للتربية والمناهج) ذات وظيفة استشارية رقابية، تعنى بمتابعة المناهج في العالم المتمدن، وتضمين ما تراه مناسبا من البحوث والتجارب التي تجري داخل القطر من قبل طلبة الماجستير والدكتوراه في المناهج وطرائق التدريس.
ومن الأسباب المادية لفشل المناهج في العراق، هو عدم التكافؤ بين أعداد الطلبة وبين الأجهزة المختبرية أو وسائل الإيضاح. أو عدم التكافؤ بين طرائق التدريس الحديثة، مثل العصف الذهني أو الندوة، وبين شكل وتصميم غرفة الدرس التي يكون فيها المعلم منسقا ومشرفا على الدرس لا أكثر.
ومن الأسباب الأخرى لفشل المناهج عندنا، هي قوة التفريق بين العلم والأدب، بين التكنولوجيا والثقافة، بين الفيزياء واللغة ... أي أن ثمة جدرانا من الكونكريت تفصل بين نصفي المخ الأيمن والأيسر، مما أدى إلى وجود ثنائية معرفية ـ تربوية تفتت العقل العربي الموزع أصلا بين السلفية والتفكير بلغة غيره! ولا وجود لمثل هذه الثنائية في الغرب، فمثلا قدم جومسكي نظريته اللغوية في النحو التوليدي ، وهو يعمل في معهد ماسوشيتس التكنلوجي! وهناك بحوث عن الجمال في الرياضيات، وبحوث اللسانيات النظرية عندهم هي النظير اللامادي للسانيات العصبية، فهل يمكننا مثلا تدريس اللسانيات لطلبة الطب؟
وتفتقر المناهج في البلدان العربية إلى مجالات تؤكد أهمية العدل، الحب، الحرية، الكرامة، الشعور بالجمال، الإحساس بظروف الآخرين، الثقة بالنفس، الابداع والابتكار، اللايقين، التعدد والاختلاف، لغة الفن التجريدي، أو أن الحقيقة هي محض خطأ... أي أن المناهج تميل إلى قيم الثبات، مبتعدة ما تستطيع عن قيم التحول في عالم مابرح يغير كل شيء، بوصف التغير صفة من صفات العالم.
وتفتقر المناهج العربية إلى قوة نقد حقيقية، وإلى استراتيجيات بعيدة المدى، وإلى متابعة دقيقة للتخطيط التربوي، فليس لدينا مثل هذا التقرير المدوي (أمة في خطر) الذي أصدرته لجنة في الكونكرس الأمريكي، تصف فيه حال التربية والتعليم في أمريكا بعد أن حصل الطلبة الأمريكان على المرتبة السادسة في أحد الاختبارات المقننة!
ويبدو لي أن تأثير القرابة أو العشيرة قد وصل إلى حد حرج، حتى أثر في المحتوى العلمي للمنهج!! فأبعده عن الموضوعية، لنأخذ مثلا بسيطا وهو كتاب (النقد الأدبي الحديث) الذي أعده الدكتور فائق مصطفى والدكتور عبد الإله الصائغ، وهو يدرس لطلبة الصف المنتهي في قسم اللغة العربية لكليات التربية في العراق، وفيه قصيدة قصيرة لشاعر شاب هو عدنان الصائغ، ولو طرحنا جانبا سوء الظن، وهو أثر قرابة عدنان الصائغ بـ الدكتور عبد الإله الصائغ في اختيار هذا النص، فإننا ـ نقديا ـ لا نستطيع أن نغض النظر عن إن هذه القصيدة ما هي إلا تكرار واضح باللفظ والمعنى ( ليس تناصا ) لقصيدة الشاعر سركون بولص(حادث في قرية جبلية)!!! نأمل أن يكون المنهج التربوي العراقي أكثر رصانة وأرحب صدرا لتقبل النقد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة التبادل.. بين تهديد إسقاط الحكومة واعتبارات اليمين الإس


.. مصر تنفي اعتزامها بناء حاجز جديد على الحدود مع قطاع غزة




.. كلاب تطارد مستوطنا في القدس


.. لماذا يقلق زيلنسكي من فوز ترمب بالرئاسة؟




.. بعد 50 يوما من المدة الانتقالية.. كيف ستكون المرحلةُ المقبلة