الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح السياسي والمجتمع المدني...هل من دور حقيقي ؟

دياري صالح مجيد

2008 / 9 / 13
المجتمع المدني


لقد ساهمت أحداث الحادي عشر من أيلول مساهمة فاعلة في تغير الموقف الأمريكي من النظم السياسية وتطورات الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط الحيوية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية على كافة الصعد حتى إنها تحولت من الدعم المطلق لنظم دكتاتورية إلى الاهتمام بضغوط الداخل الشعبية على هذه النظم وما ترافق مع هذا الدعم، الذي لايتعدى أن يكون معنوياً في بعض الأحيان، من بروز لنجم المجتمع المدني ومنظماته بقوة واضحة دفعته إلى سطح العوالم السياسية بعد أن كان هو الآخر محكوماً عليه بالسجن المؤبد منذ أزمنة بعيدة.
أجبرت أحداث 11/أيلول أمريكا أن تعيد النظر في علاقاتها مع دول الشرق الأوسط في ضوء إدراكها إلى ارتفاع المقت لها من قبل شعوب هذه المنطقة إلى قمته فهي تنظر إلى الإدارة الأمريكية وبالذات إدارة بوش الابن على انها تعبر عن حالة من التورط الكبير في التسبب بانتكاسات كبيرة في النظم الاجتماعية والسياسية لدى العديد من الدول العربية والإسلامية التي ينظر لقادتها من قبل أبناء هذه الشعوب على انهم مدعومون بمؤازرة الغرب وبالذات أمريكا سواء أكان ذلك في السرّاء أم الضرّاء طالما هم يخدمون مصالح أمريكا في بلدانهم وفي الأقاليم التي يشغلونها.
لقد تصاعدت حدة النقمة الجماهيرية هذه في ظل تراجع دور الدولة القومية في منطقتنا عن أداء وظيفتها وعن توفير السلع الاستراتيجية المناط بها توفيرها للشعوب أمام تراجع الحريات وتصاعد حدة الاعتقالات وعسكرة الدول بكل مؤسساتها ودوائرها. وهو ماقاد إلى ضغوطات داخلية يرى البعض أنها عبرت عن نفسها بارتفاع حدة المد الأصولي داخل هذه المجتمعات من جهة وإلى تنامي أعداد المتأثرين بهذا المد من جهة أخرى إلى الحد الذي جعل الإدارة الأمريكية تنظر بعين الريبة حتى إلى برامج الثقافة العربية والإسلامية لدورها في شحن أذهان الآخرين بالكراهية والمقت لسياسات أمريكا.
إزاء تلك الأحداث الدموية في 11/أيلول والإدراك لطبيعة الرؤية الداخلية للشرق الأوسط بدأت الإدارة الأمريكية بتحويل جزء من سياستها من دعم الحكومات التي كانت في السابق حليفة قوية بغض النظر عن سياستها القمعية للداخل , نحو التوغل أكثر في عمق تلك السياسة في محاولة لتغيير الأمزجة وإعطاء فرصة لتعديل الأوضاع نسبياً بما ينعكس على تنامي ولو شيء يسير من التعاطف مع الإدارة الأمريكية وتحقيق مزيداً من المقت لحركات الإسلام السياسي ذات العداء والازدراء للإدارة الأمريكية في المنطقة.
في هذا الصدد برزت إلى الوجود العديد من دعوات الإصلاح السياسي التي بعث لأجلها مسؤولين رفيعي المستوى من قبل الإدارة الأمريكية لحث الحكومات على إعطاء مزيد من الحرية في إقامة منظمات المجتمع المدني، الحرية الصحافية والإعلامية، الاهتمام بحقوق المرأة والطفل، إجراء إصلاحات في مناهج التعليم وأخيراً وليس آخراً إجراء تعديلات دستورية بحسب مايحقق طموحات هذه الإدارة.
جاءت الاستجابة متباينة لهذه الدعوات التي يريد البعض أن يصور من خلالها ان كل مايتعلق بشؤون منظمات المجتمع المدني إنما هو مجرد صنيعة إمبريالية وأداة بيد القوى الخارجية التي تريد استخدامها لفرض نموذج العلمنة على حساب نموذج الإسلام السياسي، وبذا توجهت أقلام العديد من المحسوبين على النظم السياسية إلى التجريح والتشكيك بوطنية وانتماء من يدعون إلى قيام أي دور لمنظمات المجتمع المدني في عالم السياسة أو غيره حتى وصل الأمر بالبعض باتهام البعض من هذه المنظمات، من التي تتمكن من تحقيق أهداف حقيقية في تنوير المجتمع وتعبئته ثقافياً وسياسياً لتصحيح مسار العلاقة بين السلطة والفرد، بأنها عميلة وتهدد الأمن القومي للبلاد على اعتبار أن تمويلها خارجي وأنها تهدف إلى تحقيق طموحات هذا الممول الخارجي والإضرار بأمن الدولة ومواطنيها.
إن عمل منظمات المجتمع المدني أقدم بكثير من إمكانية التشكيك به بهذه الطريقة رغم عدم إمكانية نفي وجود البعض منها وفقاً لهذه الصيغة الخبيثة المدعومة خارجياً لتحقيق انتكاسات داخلية لكن المؤشر الذي يمكننا أن نعتمد عليه (ولو مبدئياً) في الحكم على عملها هو طبيعة هذا العمل، طبيعة الأهداف، التوجهات، الشخصيات ومن ثم الطموحات المستقبلية لها، هل هي طموحات سلطوية أم طموحات مجتمعية؟
في ضوء إدراك الحكومات المتسلطة على رقاب الشعوب منذ فترة طويلة من الزمن لدور منظمات المجتمع المدني في إمكانية إيقاظ المجتمع من سباته أو تحفيز ثورته الصامتة حيال ظلم واستبداد مثل هذه الحكومات، فقد بدأت العديد منها باتباع تكتيكات جديدة تقوم في أساسها على الاستمرار بعملية المخادعة التي اتقنت ممارستها وأصبحت متفننة في أداء أدوارها بشكل كبير. ومن بين هذه التكتيكات تأسيس منظمات مجتمع مدني على مقاسات هذه الحكومات وتوجهاتها وهي بذلك تحقق فوائد لا تحصى فهي من جهة تضمن ولاء هذه المنظمات ومن جهة أخرى تخادع المجتمع الدولي بأنها ماضية في طريق الإصلاح، أو انها تفسح المجال قليلاً لشيء من الحريات السياسية ضمن مايعرف بالديمقراطية الانتخابية التي تتيح من خلالها للجماعات الإسلامية إمكانية الوصول الظاهري إلى سدة الحكم، لتقول للغرب الداعي لفكرة الإصلاح السياسي وقيام منظمات المجتمع المدني أن سياستك هذه ستقود إلى المزيد من التطرف، والخيار الأفضل هو بقاؤنا في السلطة لأننا الأقدر على مواجهة التطرف الأصولي وتيارات الإسلام السياسي المتشددة، وبذلك دخلنا كشعوب إلى مرحلة جديدة من المخاض مابين هاتين القوتين الغاشمتين وهي قوة الداخل الحاكمة المتسلطة وقوة الخارج المتحيزة المتفرجة، مع بقاء المجتمع المتمدن وتيارات الإسلام الاعتدالية بعيدة تمام البعد عن هذه المعادلة لأن الجميع يدرك أنها إذا ما دخلت إليها فستقلبها لصالح الشعوب وليس الحكام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون


.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر




.. كل يوم - خالد أبو بكر: الغذاء ينفد والوقود يتضاءل -المجاعة س


.. المثلية الجنسية ما زالت من التابوهات في كرة القدم الألمانية




.. مظاهرات حاشدة في مدينة طرابلس اللبنانية دعماً للاجئين السوري