الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آريون وساميون..لغات أم أقوم -الجزء الأخير

علي ثويني

2008 / 9 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سجال بشأن الفكر القومي
من سوء طالعنا بأن شطط الفكر القومي الألماني قد وطأ عالمنا و تقمصه الأتراك أولا وتأسست له جمعيات بدأت في سالونيك بؤرة (الدونمة) والماسونية كما هي تجمعات (الاتحاد والترقي) و(تركيا الفتاة)،التي قامت بانقلاب المشروطيه(الدستور) عام 1908 على السلطان عبدالحميد الذي لا يختلف مع أي طاغية بشئ حينما أستثمر الخلافة والشرع الديني. ثم انتقلت عدواه إلى العرب ثم الأكراد في العراق،وأكتسبه مسيحيوا الشرق قبل مسلميهم بما يتعلق بالفوارق الدينية مع الأتراك والتشابه اللغوي مع المحيط الإجتماعي العربي،وهو ما شكل نقطة إتفاق مع هذا الفكر، ودعاهم الأمر في بعض حيثياته ومن قبل بعض النخب كما في لبنان التنصل من تراثهم الآرامي والمسيحي المحلي لحساب آصرة "دينية" مع الغرب "المسيحي".وعلى اي حال فأن جل التجمعات السياسية التي نشأت في المشرق كان ورائها عناصر من الفئات الأقلية في المجتمع، ثم أستقطبت الجموع تباعا.
ربما يكون هذا قد أثر سلبا في مفاهيم العامة التي أمسى لديها شعور بأن المسيحية أتت من روما وأثينا وليس من بين لحم وأن توما اللآرامي الذي نشر البشارة في العراق والهند هو توماس اليوناني أولا، وهكذا تقاذفت هؤلاء مصالح الحكومات المتعاقبة، حتى أن صدام أستجدى بمسيحيينا الغرب من خلال طارق عزير إبان حربه ضد إيران، ثم نكل بهم في التسعينات إبان الحصار الغربي، مما جعل الرعاع تمقتهم مما دفعهم للهجرة الجماعية.
لقد أمسى التوجه (القومي) على المنهج الألماني مقترن بمفهوم "الحداثة"،وصنف نفسه "علمانيا" دون فهم دقيق وصريح لهذا المفهوم، والذي مازال يكتنفه الغموض في الفهم والإفهام والجدوى ،و قاده شخوص تحيطهم المثالب وتكتنفهم المآرب. وجل من تبنى الطروحات القومية العربية أو الكردية أو التركية لم يكن من أصول تلك الأقوام البته، فأتاتورك ألباني وعفلق يهودي روماني وقبله ساطع الحصري تركي . وشكل ذلك التوجه الفكري العام للسلطة التي حكمت العراق ثمانية عقود منذ تأسيس الدولة العراقية على يد فيصل الأول عام 1921 حتى سقوط بغداد على يد الأمريكان عام 2003 ،وسار على هداها الأكراد منذ أواسط أربعينات القرن العشرين،بالرغم من أن الملا مصطفى البرزاني إيراني الأصل وكان وزير دفاع جمهورية مهاباد في إيران، وأن جلال الطلباني عربي الأصل،كما هو مدون في التكية الطالبانية في كركوك.بيد أن الظاهرة القومية المتعصبة قد أضمحلت عند التركمان بما وسم بـ (الحركة الطورانية) ولم تشكل تيارا مهما أثر على مسار الأحداق ،بقدر ما جعلهم في مطحنة قومية بين دعاة العروبة والكرودة على حد سواء،ودفعوا ومازالوا الثمن غاليا ولاسيما من قبل المتعصبين الأكراد.
لقد أريد للعراق في خضم تلك الخلطة والمبهم من المفاهيم أن يكون ساحة صراع بين "الساميين" العرب واليافثيين الفرس،ومادام النصاب قائما بين قومين يقطنون هضاب جافة ويتطلعون بشغف نحو الوادي الأخضر دون أي صلة بالأعراق واللغات، فأن الأمر مستمر دون أي غطاء عقلي.وعلى ضوئها كان النصف الأول من عمر الدولة العراقية (1921-1963)،قد سار على هدى قومي عروبي ،رومانسي وساذج ، باستثناء أربعة أعوام ونصف من حكم المرحوم عبدالكريم قاسم.و تسنى لذلك التوجه أن يهاجن بين الفكر القومي التركي مع العروبي، فأمسى بوتقةً تجسدت فيها روح البداوة التي تحملها الأرومتين من أصولها الرعوية. أما النصف الثاني(1963-2003) فكان بعثي عروبي شمولي ،كرس الطغيان والقسر والفرز والإذلال بحجة تحقيق أحلام الأمة التي لا تتجسد إلا بالقوة كما في وحدة إيطاليا على يد (غاريبالدي) والألمانية على يد (بسمارك). وبالنتيجة تداعت تلك التوجهات أن تشيع الكراهية "القومية" وتكرس الفرقة بين الأعراق والأصول ، وتعمم الرذيلة وتجسد نزعة التوجس والكيد وتحل منهج التقارير الحزبية والتجسس وتحكم مسبقا على ما تضمره النفوس والسرائر.
وبالرغم من أن الغاية كانت نصرة"الألسنة" القومية،و العربية حصرا، فأننا وجدنا بالنتيجة وبعد إنقشاع الغمة القومية العروبية البعثية، تخلف في مسار اللغة العربية في العراق،وشيوع الجهل ، وتشدق ساذج بـ (محو الأمية) ،و الحقيقة أنهم (محو) فقط، ومكثت الأمية الثقافية قائمة بل أنهم حاولوا محو الوعي العراقي،وأصبح المواطن لا يحمل "لسان صدق"، بسبب الخشية على المصير المجهول، وضاعت منه روح المبادرة والاعتداد بالنفس.
ومن المضحك المبكي أن من أنقلب على المرحوم (عبدالكريم قاسم)،وأدّعى الأعذار القومية،وأبدى خشيته على مصير "اللسان العربي"، لم يكن يوما أحسن نطقا للعربية من الزعيم عبدالكريم ، الذي فاق الجميع اهتماما وعناية وتكلما بلغة الضاد، ويتذكر الجميع كيف كان يرتجل خطبه بلسان عربي قويم . ونعلم جميعا أن عبدالسلام عارف كان سوقيا بعيدا عن أي لغة مثقفة وأخوه عبدالرحمن دمية وقنطرة ولم ينبس بكلمة نسمعها في المنصب أو خارجه،وأحمد حسن البكر أبتلى به مصححو خطبه،وهنا ننقل شهادة الفنان (حمودي الحارثي) الذي أخرج بعضها في التلفزيون. أما صدام فلم نفهم منه موضوعا ولا خطاباً،ولم نعهده متكلماً للعربية الفصحى ( ).
لقد تغير مفهوم الدولة عند الغرب عدة مرات في القرون الأخيرة , وكان يتغير دائما حسب مصالحهم، فمرة نجدهم يقولون دولة واحدة ولغة واحدة , ومرة نجدهم يربطون الدولة بالمذهب الديني , ومرة بالجغرافيا .. الخ . وقد كتب وليام جونز William Jones في القرن الثامن عشر: ( لغة واحدة تعني شعب واحد )، لكنه عاد وغير رأيه وقال هو ورهطه (على الشعوب التي للغاتها نفس الجذور أن تخضع لنفس الدولة ) وهذا يعني أن الشعوب الهندو أوروبية مثل سكان الهند وإيران .. الخ يجب عليها أن تتحد مع انكلترا .
ومن التجارب القريبة نتذكر كيف لعبت المصالح في التوجهات السياسية وأنطلت وساقت في حيثياتها العلم والثقافة. فقد كان أهل رومانيا يتباكون على (مولدافيا) ايام الشيوعية، وبأنها أرضهم التي سلبها الروس الذين يكرهونهم في السليقة. وبالرغم من أن مولدافيا (مولدوفا) لم تكن يوما تابعة لرومانيا الحالية التي تأسست بشكلها الراهن بعد الحرب العالمية الأولى ، لكن من المنصف الإقرار بأن الرومان والمولدافيين ينتمون الى ثقافة لغوية مشتركة. لكن البكاء والعويل على ضياع مولدافيا تحول الى ضغائن بعدما أنفرجت الأمور وسقط الأتحاد السوفيتي وتخلصت رومانيا من ربقة الشيوعية والتبعية لموسكو، فقلبوا ظهر المجن وتنكروا لأخوانهم المولدافيين، حتى وسموهم (روس) هذه المرة، بعدما أمسوا يشكلون عالة على كاهلهم، وهم يتطلعون للإنضمام لأوربا. والحال عينه حدث مع إسبانيا حينما كانت تتغني بالعنصر اللاتيني وتقصد به أمريكا اللاتينية التي تجمعهما اللغة، لكنها وبعد أن "نفقت" عليها أوربا وأمست في بحبوحة، تنكرت للاصل المشترك والغزل السابق مع أمريكا اللاتينية،وبدا إعلامها يروج لأسبانيا (الأوربية) وليس (اللاتينية).وهكذا تسخر النظريات العلمية في مآرب السياسة ومصالحها الضيقة.
ومن المؤلم أن الشيوعيين العراقيين لم ينتقدوا جيفكوف الذي منع حتى طهور الأتراك في بلغاريا، أو شاوشيسكو الذي ظلم القوميات وأزدراها في رومانيا الفسيفسائية ولم يعترف بوجود غجر مثلا، لكنهم ثبتوا نصاب دستوري لحق تقرير المصير للفئات العراقية ولاسيما للأكرد دون غيرهم،ونعزيه الى الهيمنة الكردية على سلطة القرار في والقيادة في الحزب.ومن المضحك المبكي أن العناصر التي كانت شيوعية أممية يوما وهزجت يوما(لاتسألني عن عنواني، لي كل العالم عنوان) فأنها امست اليوم ملتبسة ومروجة للقومية وساكته على شيوع الطائفية في العراق.
نستغرب اليوم تهاتفت النخب ولاسيما لدينا بعدما تقمصهم توجه دعي (عروبي)، عن أصل الساميين من الجزيرة بالرغم من أن ثمة العشرات من النظريات التي ترجح أصولهم الشتى، وإذ ينتابنا العجب من إصرار أصحابها على أصل يمتد ما لايقل عن إثنى عشر ألف سنة خلت مع عدم وجود الدليل المكتوب وجزيل العاديات المتروكة، بالوقت الذي يختلف الناس بأحداث تاريخية حدثت بالأمس القريب ومازال من عاصرها حي يرزق، فكيف لنا أن نقر ونثبت ما درس وباد .أليس في أحجية كهذه تدعونا أن نشكك في النتائج اليوم حينما يطرد الفلسطينيين من أرضهم على يد الإسرائيليين داعيهم العودة للجزيرة العربية التي أتوا منها، والأمر نفسه تقمصه غلات القوى القومية الفارسية والكردية التي تريد من أهل العراق الناطقين بالعربية العودة إلى نجد والجزيرة من اين أتوا مع الفتح الإسلامي، وكأن العراق كان أرضا خالية قبله،أو لاوجود لكل الثقافات التي مكثت وبنت على أرضه ، قبل سومر و بعدها الذي يمتد آلاف السنين هي في عداد النسيان من طرفهم .
ونستغرب كذلك تهافت المثقفين الأكراد اليوم على الأصل الآري للأكراد جنس ولغة، بالوقت الذي يؤكدون على الفوارق الجوهرية بين اللغتين الفارسية والكردية، ولا نعلم أي كردية منها يقصدون،هل اللغة المعيارية (السورانية) التي تختلف عن اللغة الكرمانجية التي يتكلمها أكراد تركيا وسوريا.وإذا كان اللغة الكردية ويلحقها الجنس بحسب النظرية الآرية تختلف عن جارتها الفارسية فكيف لها أن تشابه الألمانية التي تقع في نائي الأرض عنها.
لقد أستند الكتاب الأكراد على بحوث مكتوبة من الغربيين عموما والروس حصرا عنهم ولم يتورعوا في دراسة الأمر عن كثب والتحري عن الحقيقة العلمية المجردة، حيث يوردون نص كتبه الميجر (أدموندس) الأخصائي في تأريخ الكرد في مقالة له نشرت في مجلة (جمعية آسيا الوسطى) - العدد (11) قال فيها: (أصبح من الوضوح بمكان أن اللغة الكردية، ليست عبارة عن لهجة فارسية محرفة مضطربة، بل إنها لغة آرية نقية معروفة لها مميزاتها الخاصة وتطوراتها القديمة)( ).لكننا لم نجد دراسة من واحد منهم يؤكد ذلك على المحك، فامسوا سلفيين دون وعي وألغوا نفحاته لديهم،وتشبثوا بما أنتجه الغرب، وهو طامة العلم والوعي.وعلمنا أن من كتب قواعد اللغة الكردية في ثلاثينات القرن العشرين هو ضابط أنكليزي ،وهذه مؤاخذة على تقاعسهم وينم عن ذيلية ودونية.
ونجد جلهم يذهبون الى أن دراسة أصل اللغة الكوردية، يجب مراجعة أقدم المؤلفات المكتوبة باللغات الإيرانية، ولعل أقدم هذه المؤلفات، هو كتاب آفستا (كتاب الديانة الزرادشتية)، والذي كتب في حوالي القرن السابع قبل الميلاد. وهذا ما وضعنا بحيرة من أمرنا فأما إيرانيين وأما أكراد وأما آريين.والأكثر غرابة أنهم ينسبون لغتهم الى هذا التأريخ القديم ، وأجزم أن لاتوجد لغة في الدنيا مكثت كما هي منذ هذا التأريخ إلا ما ندر أو إلا اللهم من جراء وقوعها في اقاصي الأرض وبعزلة تامة عن البشر وليس شمال العراق الواقع في بؤرة مطحنة التأريخ وحركة الأحداث وتنقل الشعوب والثقافات.وثة نظرية تؤكد أن لا توجد لغة تحتفظ بنفسها بعد ستة قرون/ ونعلم أن الغربيين أنفسهم لديهم معاجم سنوية أو دورية (newlogy) يضيقون اليها الكلمات المستجدة في اللغة،ولايدعون ثبوتا للغاتهم كما أصحابنا المتعصبين.
ومن الغريب كذلك بأن الخلط"المثقف" ينتقل من اللغة للعرق، حيث ينسبون الأكراد الى الميديين ويختارون آراء مناسبة ومعاضدة للتوجه. فإذا كانت اللغة والجنس الميدي قد أختفى من الوجود،وأن لغتهم دغمت في لغات أخرى حيث يذكر (مينورسكي). ويؤكد الأمر (احسان نوري) بأن: (أن الألفاظ والكلمات الميدية قد اختلطت بالكلمات والألفاظ الطورانية والسامية من جهة، ومرت عليها عصور مختلفة أحدثت فيها تغييرات كبيرة) ، فكيف مكثت الكردية إذا وهي لغة غير مكتوبة ولا تحملها أسفار مقدسة في الماضي،بما يحفظ لها أصلها وتطورها كما حدث مع لغات الشرق إبتداءا من السومرية،ولانريد أن نثير ان الميديين لم يسكنوا العراق ولم ينتسبوا إليه فكيف يمكن أن نوائم إنتماء أكرادنا للعراق اليوم،ولانريد أن نكرر ونعكس ما يتقولون به من لزوم عودة(العرب) الى جزيرتهم، فليرجعوا هم كذلك الى (ميديتهم) الأولى.ثم ينسبون أنفسهم الى الساسانيين، وهم متأخرين بالتأريخ وكانوا دولة أكثر مما هي عرق أو لغة، أما لغة الدولة الساسانية فهي الآرامية باتفاق الجميع و(ديوان) الساساني هي من مصدر(دون) الآرامي، ومكثت اللغة الفارسية في الكتب المقدسة للمزدكية حصرا أو منطوقة عن العامة. وهكذا فأن الأمر يتعلق بالبحث عن سلطة بائدة لتبرير سلطنهم الطالعة اليوم، على أساس الأثر الرجعي،ولا يتعلق الأمر بلغة أو أرومة أو عرق.
نقر في الختام بأن اللغات انبثقت من مكان واحد مثلما هي أسطورة برج بابل، فثمة تداخل جوهري بين اللغات (الحامية والسامية واليافثية) بحسب تقاسيمهم في الصلب.ويمكن أن يكون الشرق ولاسيما لعراق الأكثر وضوحا في ذلك كونه دون لغاته بشكل ريادي والأهم من ذلك أن ذلك الشرق كان دائما مترع بنفحات الروح والجنح نحو التسامح والرغبة في التوفيقية على حساب الصراعات سواء كانت قومية أو طبقية بحسب ما وردنا من الغرب ، والقبول والتهاجن وإمتزاج أمشاج البشر دون فرق أو تمييز. وإذ ندعوا الجموع الواعية هنا الى الوسطية في الأحكام وعدم التعصب والتشبث بفكرة تكشف في حيثياتها مآرب ملتوية مكشوفة للبيب،ولاسيما أننا لم نتفق ونثبت على التاريخ الذي حدث بالأمس فكيف نقر بثبوته في الدهور الموغلة بالقدم،والعملية برمتها إجتهاد يعاضد حركة الفكر والحوارات الإيجابية بين الفرقاء،وليس دعاوى للإستحواذ كما يحدث اليوم على يد المتعصبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش