الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرباويون

حاتم عبد الواحد

2008 / 9 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا تبرز دمامل الاحتقان بين العرب واليهود قبل الاسلام ، وتتوضح معالمها بارزة بعد نزول الايات القرانية التي تحرض على كراهيتهم ونبذهم وقتلهم اذا اصبحوا عصا في دولاب الدعوة ، واحسب ان انقلابا ثقافيا يقلب محاور العلاقة بين طرفين لايمكن ان يتم بفترة زمنية تقارب عشرين عاما ، ما لم يكن هناك احساس بالدونية او الفوقية لدى احد اطراف هذه العلاقة .
فاهل يثرب الذين اصبحوا انصار الرسول لم تكن علاقتهم بيهود مدينتهم غير علاقة تجارة يتحالفون من خلالها على ديمومة حياتهم ، وربما اوغرت قلوب العرب ان شركاءهم اليهود اهل كتاب وهم اميون ، ولكن هذا لم يمنع المصاهرة والتشاور والتحالف بين الطرفين حتى عام الهجرة ، حيث بدأت تبرز الاضغان الطائفية والعرقية بين الطرفين والتي ادت الى فساد ذلك التوادد والتراحم الذي كان يسود تلك المدينة القاحلة التي لم يبقها حية الا التسامح الذي سبق الاسلام ، ان هذه المقدمة المبتسرة قد تتيح للباحثين مدخلا ظل مبهما لقرون طويلة بسبب الغشاوة التي يفرضها المقدس الوراثي دون افساح المجال للعقل لكي يفرز الخط الفاصل بين المنطق والهذيان ، فالتاريخ الاسلامي مشوه التفاصيل وتحشو متونه املاءات صاحب السيف ويغيب عن سطوره صوت العقل المحايد
، حتى ان مؤلفي خرافة المهدي يستعدون المسيحيين على اليهود في سطور خرافتهم الابدية ويقولون ان المسيح سيقاتل الى جانب المهدي ضد الاعور الدجال وما اكثر العور في هذا الزمن الاعور ، علما ان اليهودية والنصرانية والمندائية الحرانية هي ديانات سبقت الاسلام بقرون ، وعدا النصرانية فان الديانتين الاخريين غير تبشريتين ، فما الذي دعا الاسلام الى كراهية اليهود ومهادنة الصابئة وتملق المسيحيين حتى اننا نرى كثيرا من القبائل العربية النصرانية قد دخلت الاسلام نتيجة ذلك التملق ولا نلحظ مثل هذا الاقبال من قبل حرانيي الجزيرة ويهودها ، واظن ان باحثي التاريخ المنصفيين معنيون بدراسة اسباب الكراهية وتبيان مدياتها واسبقيتها ،قبل نزول ايات القران الداعية لذلك وبعدها ، وانا لا اشك في منطق المنافسة التجارية التي كانت محتدمة بين قبائل الجزيرة العربية وصحرائها ، فمن يسيطر على مكة تكن له الكلمة الفصل لانها مركز وبؤرة التجارة التي كان عصبها الطريق الرابط بين الشام واليمن ، ولانها مدينة الالهة الصحراويين ، ومما لا يغيب عن الحدث ان اليهود في اليمن والجزيرة والشام كانوا هم اهل التجارة وهم اصحاب رؤوس الاموال لذلك نشأت فكرة كراهيتهم من مبدأ السيطرة على السوق بمفهوم اليوم .
وربما لعبت الذاكرة البعيدة دورا مهما في تلك الكراهية ، فسكان الجزيرة هم بالاصل من رعايا ممالك بابل المنفيين في الصحراء لما ارتكبوه من شنائع في الحواضر العراقية التي يحكمها القانون ، وربما لازمت هؤلاء المنفيين فكرة المنتصر والمهزوم فتعامل العرب مع اليهود على انهم ابناء المنتصرين واليهود ابناء السبايا ؟
ولانني لا اريد الاحتكام الى متون التاريخ العربي لانها متون محشوة بالالغام العرقية والفخر الزائف والشجاعة الثعلبية فانني ادعو الى ربط الحوادث التي يسوقها لنا دعاة كراهية اليهود بالحوادث التي بدأها الاسلام ضدهم اولا ، وسوف يتبين لنا حجم الاكاذيب التي يراد لها ان تكون اساسا ثقافيا لبناء اعوج يجاهد من اجل البقاء بدعامات هشه .
ان كل الحوادث الهوجاء التي تنخر المنطقة العربية منذ اكثر من الف عام مؤسسة على فكرة واحدة تريد تغليب المنطق الاسلامي على غيره ، وكأن الاقوام التي نشأت في هذه المنطقة دخيلة او غازية او طارئة ، في حين ان الاسلام وثقافته هو الطاريء والغازي والدخيل ، واسوء ما اقترفه الاسلام هو ذلك المحق المخيف للمورث الثقافي العراقي وحصره بين مسميين لاثالث لهما ، فمن تمسك بجذوره ورفض الانزياح عنها هو كافر ومن داهن وبدل جلدة وجهه فهو مؤمن ، وكأنه اراد ان يقول ان المنقلبين على اديانهم وعقائدهم هم الاولى بالاحترام من الثابتين عليها ، ويشتمني كثير من المصابين بذهان العقيدة بانني من المتصهينين وهي لعمري شتيمة متحضرة ، فما العيب ان ندعو الى ان تتمسك الناس بما تراه حقا ابلجا ونريدهم ان يروه طريقا اعوجا ؟
ان الاية 120 من سورة البقرة تقول " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " ولكن الاسلام ايضا لن يرضى عن اليهود والنصارى الا اذا اتبعوه ، فلماذا نعيب الاخرين بعيوبنا ؟
وما حصل في البرلمان الطائفي من اجل رفع الحصانة عن السيد مثال الالوسي لم يكن قرارا سياسيا سياديا بل كان فتوى دينية مررت من تحت الجبة الاسلامية لكي تبقى الذاكرة العراقية متورمة باحقاد الساطين عليها ، ومكشوفة امام الجراثيم الوافدة من كل الاتجاهات ، اضافة الى تذويب الخصوصية في آنية اللطامين والذباحين ومروجي العهر المقدس ، فلو كان الحسين قد تزوج يهودية ولم يتزوج فارسية فهل كانت زيارة مثال الالوسي لاسرائيل تواجه بكل ما واجهته من مبالغات شوهاء ، ان المشكلة ليست بالزيارة وانما بالفكرة التي حملتها ، فالاتصال المباشر العلني مع من يكفره الاسلام هو ثورة على نمط ثقافي ظل سائدا لالف واربعمائة سنة ، ولقد دفع العراقيون منذ العقد الثاني الهجري انهارا من الدم من اجل اعلاء فكرة الاسلام تارة ومن اجل مقاومتها تارة اخرى ، وفقدوا ملايين البشر والاف الحواضر فمن سيسدد فاتورة تلك الدماء ، ولماذا لا يعتقون من افكار الصحراء الوافدة عليهم لا سيما وان كل مكونات حياتهم تشير الى انتماء حضاري لا يمت بصلة للاسلام ؟
ان قرار البرلمان كان بالحقيقة يهدف الى رفع الحصانة عن العقل العراقي وليس عن مثال الالوسي ، ومن المخجل ان ترد في حيثيات القرار ان سبب رفع الحصانة هو التخابر مع دولة عدوة ، وكأن ايران والسعودية والكويت والاردن دولا صديقة ، فبترول الجنوب لم تسرقه اسرائيل ولا نخل البصرة الذي تراجعت اعداده من بضعة ملايين الى بضعة الاف قد حرقته قنابل شامير ، ومن يفجرون اجسادهم في شوارع المدن العراقية لم ياتوا من تل ابيب قط .
وما دام الحسين نور الهدى فلتذهب الكهرباء الى الحجيم ، ولتستمر الخمس ملايين مولدة بتلويث سماء بغداد ، وليمت الناس بالكوليرا لانهم فاسقون لا يتبعون تعاليم الروزخون الايراني ، ولتترمل كل العراقيات فالمرجعية مستعدة لتوفير ازواج متعتهن .
اما كان الاجدر بالبرلمان ان يناقش بنفس السعار الذي ناقش به زيارة السيد الالوسي قضايا الموت المجاني الذي اصبح سمة ملازمة لحياة العراقيين ، فاربعة ملايين نازح في المنافي لا يحق لهم التصويت في الانتحابات المقبلة ولا من سبب منطقي يبرر هذه الفتوى ، ومئات الالاف من العوائل مشردة داخل وطنها ولا احد يسال عن مصيرها ، ملفات اكثر من نصف مليون مغدور ما زالت مسجلة باسم مجهول ولم يكشف النقاب عن وجوه القتلة ، وملايين الاطفال اليتامى والمشردين والمتسربين من المدارس والمدمنين على المخدرات قد اصبحوا فريسة سهلة لعصابات الدعارة والتهريب والقتل ولا احد من اعضاء البرلمان قد ضربته حمى الوطنية التي رايناها في طافحة على السن الكذابين .
ما بدأه مثال الالوسي لا بد ان يستمر ، وعلى المثقفين العراقيين ايجاد صيغة للتواصل مع كل الناس ايا كانت دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم من اجل تعقيم تاريخنا النتن من سفالات المتاجرين بالدين ومن اجل بناء عقل عراقي قادر على الحوار والاقناع دون التفريط بالخصوصية العراقية ، وسوف يعلم معممو حسينية المشهداني شكل البرلمان العراقي الصحيح عندما تغير اولى الطائرات الاسرائيلية على اوكار غربان طهران ، فالعراقي لا تخدعه وعودهم الخرافية المقدسة ، سيصفق العراقيون لكل قذيفة تنزل على العمائم التي تفرعنت على ابناء ابراهيم السومري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب