الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يقين الأحمق

سعدون محسن ضمد

2008 / 9 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أحب الكتابة عن الوعي وآلياته وأدواته وكيف يعمل على إنتاج المعرفة، ومرد هذا الحب هو حاجتي للثأر من اليقين الشرقي الذي أنامنا دهوراً طويلة وجعلنا نستقيل من وظيفة التعلم التي تتأسس على حكمة الشك. فنحن لا نشك بأي شيء لأن جميع معارفنا يقينية.
في الشرق مات الشك يوم أُجيب بطريقة أو بأخرى على جميع الأسئلة الكبرى في الوجود. فنحن نعرف (على وجه اليقين) كيف خُلق الكون، ولماذا خُلق وكم استغرقت عملية بنائه ومتى سينتهي زمن هذا الكون ليتحول الوجود من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة. فاذا كنّا نعرف هذه الحقائق ألا يحق لنا أن ننام هانئين مطمئنين بينما يفني الآخرون أعمارهم وهم يتقافزون لاهثين بين المختبرات في محاولة للحصول على أجوبة نحن نعتبرها من المسلمات أو (البديهيات) ربما.
على هذا الأساس أعتقد بأن تهديم اليقين فعل حضاري معرفي جدير بالاهتمام، فالأمة التي ليست لديها علامات استفهام ليس لديها عقل، لأن المهمة الأساسية للعقل هي الإجابة على الأسئلة، وعندما لا تكون هناك أسئلة بحاجة إلى الإجابة يسكن العقل ثم يتعفن فيموت.
المقصود بتهديم اليقين؛ هو تهديم المناهج (السطحية) في المعرفة والتي يُعتقد خطأ أنها قادرة على إنتاج اليقين. وقد تناول هذا الموضوع وأبدع فيه المفكر العراقي الكبير محمد باقر الصدر عندما أدخل حساب الاحتمال للدراسات الأصولية مقرراً أن الإنسان يستطيع فقط أن يزيد من احتمالات صدق المعرفة، لكنه أبداً لا يستطيع أن يتوصل لليقين التام بها؛ أي اليقين الموضوعي. أما اليقين الذي تعتقد عقولنا أنها وصلته فيعتبره يقيناً ذاتياً (وهمياً بالأحرى). مؤكداً ان العقل البشري وعندما تزداد عنده احتمالات الصدق وتصل مثلاً لـ(85%) فإنه يقوم بإلغاء نسبة الشك المتبقية أي الـ(15%) ويعتبر نفسه بالتالي واقفاً على عتبات اليقين. لكن هذا اليقين يظل ذاتياً أي من عنديات الإنسان؛ لأن نسبة الشك المتبقية تبقى موجودة وإن تجاهلها الإنسان.
خلال الأيام الماضية تناقلت وسائل الإعلام أخباراً كثيرة عن مشروع (المعجل التصادمي) الذي يحاول العلماء من خلاله خلق ظروف تجريبية تشبه لحد بعيد أول لحظة بعمر الكون. والغرض من المشروع هو تسجيل النتائج التي ستحدث وتجعلنا نعرف بصورة أكثر دقة كيف حدث الانفجار الكبير وتكون الكون. صحيح ان نظرية الانفجار الكبير تحدثت منذ زمن عن كيفية نشوء الكون. إلا أنها تبقى عرضة للشك ولا يمكن الركون إليها دون أن يجرى اختبار صحتها. اللطيف في الموضوع أن هذا الخبر نشر على موقع الجزيرة الالكتروني، مرفقاً طبعاً بمقطع فيديو يشرح كيفية عمل المعجل ومدى أهميته. والمفاجأة تكمن بتعليقات القراء العرب على الخبر، فهي تعليقات تكشف عن خطورة مرض اليقين الذي وصلنا إليه، أحد القراء كتب معلقاً: "سبحان الله كل هذا الجهد ليعلموا كيف خلق الكون؟، المسلم المؤمن يعلم بهذا السر الخطير من 1400 سنة... مساكين كفروا بالله فأعمى أبصارهم". تخيلوا المشروع كلف المركز الأوروبي للأبحاث الأوروبية ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون دولار، فضلاً عن عشرين سنة من البحث وسبع سنوات من العمل فقط من أجل معرفة سلوك الجزيئات عندما تتصادم بسرعات هائلة. ثم يأتي أحمق ما، من جهة متعفنة في الأرض ليستهزئ بهم قائلاً: أنا أعرف النتائج التي تبحثون عنها منذ (1400) سنة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس