الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدين في واد وشبابنا في واد آخر

توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)

2008 / 9 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس من الصعب أن ترصد في هذه الايام الرمضانية الغالبية من الشباب العراقي يجاهرون بافطارهم العلني وهم يجوبون الشوارع والطرقات او في ممرات الجامعة التي فتحت ابوابها لامتحانات الدور الثاني لهذا العام.
ولااعتقد ان حرارة الطقس التي بدأت بها أيام الشهر المبارك هي السبب وراء عزوف هؤلاء الشباب عن طقوس رمضان ومظاهره التعبدية وانما تشكل هذه الملاحظة لقطة أحادية من لقطات ظاهرة عزوف الشباب عن التدين بشكل عام وتراجع مكانته في نفوس هؤلاء الشباب( حسب وجهة نظري) وقد لاتكون الظاهرة عراقية فقط بل تمتد الى العالمين العربي والغربي من حولنا بما تكشفه وتدلل عليه ذلك التأثر بالموديلات الشبابية التي تظهر نماذجها عبر مسلسلات مدبلجة من العالم الاخر او بما تظهره نزعات التمرد في سلوكيات الشباب عبر الشبكة العنكبوتية او ما يرصده الاعلام في قنواته من مظاهر وتجسيدات هذا التمرد العلني على الاعراف والثقافات التقليدية الموروثة ومنها الدين وطرق التلقي في تربيته البيتية والمدرسية معا.
احاول هنا تشخيص بعض مظاهر هذه الظاهرة ضمن ما يسمح به الحيز الصغير (وهي رؤية شخصية تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ او التوهم):
اولا: أهتزاز الموقع التقليدي للدين وطقوسه في نفوس الشباب وغياب الواعز الديني والابتعاد عن مظاهر طقوسه المعروفة التي تجعل من الدين واحدا من العناصر المؤثرة في مسارات الحياة واتجاهاتها العقائدية والسلوكية سلبا او ايجابا.
ثانيا: انفتاح العالم على بعضه بشكل مباغت على شاشات كمبيوترية بحجم اليد يرى الشباب من خلالها بعضهم البعض عبر مرايا موضوعة في اركان غابة تقنية تشمل الكون كله بما يتيح لهم رؤية المسافة التي تفصل بعضهم عن البعض في مديات التقدم او التخلف الامتيازات او الحرمان الفعالية والتاثير او البطالة والعدمية ومن السهولة ان يرى شبابنا هذه الفاصلة الحضارية بينهم وبين شباب العالم المتمدن وهم يرابطون في مواقع الخيبة والتهميش والحرمان وعدم الاهتمام من الحلقات الاجتماعية التي تبتدئ بالاسرة وتنتهي عند مؤسسات الدولة.
ثالثا: الفشل الذريع في اساليب التربية الدينية المنهجية وطريقة عرض المأثورات الدينية التي تدعي احتكار الحقيقة لنفسها دون غيرها من العقائد والاديان الاخرى.
وكذلك فشل فريق الدعاة الجدد في فضائيات دينية لم تفلح بمهمتها التربوية وجذب قطاعات كبيرة من الشباب الى قيم التسامح والتعايش واحترام الاخر المختلف وكلها قيم بات شبابنا يتحسرعليها وهو يرى نماذجها التطبيقية في عالم اخر ولذا انصرف الشباب عن هذه القنوات الى قنوات اخرى تقدم له فرجة درامية ممتعة او ايقاعات راقصة تقترب من هواجسه الداخلية وتتناغم مع رغباته دون نصائح فارغة او مواعظ جافة.
رابعا: والاخطر من ذلك كله ما يراه الشباب بحساسيتهم وفطرتهم وبكارة تجاربهم من قرف ازاء التناقض الصارخ والازدواجية المقززة في الافعال والاقوال لبعض رجالات الدين ورموزه ودعاته،حيث يمارس هذا البعض (الذي نتحفظ على نسبته ومدى تاثيره الاجتماعي) هنا ازدواجية في ما يدعو اليه من قيم الرحمة والتسامح التي تحض عليها جميع الاديان والحث على الاقتداء بسلوك الانبياء وحواريهم ولكنهم يهربون فتواهم التي تشرعن القتل ومصادرة الاخرين من خلف ابواب المساجد او المنابر التي يعتلونها.
يعلنون الزهد والترفع عن ملذات الحياة ويسكنون الفلل الفاخرة ويزيدون من ارصدتهم في البنوك (الاجنبية الكافرة).
يكفرون بالسياسة ولايمانعون من الحصول عن طريقها لمغانم شخصية ومكاسب مادية .
هذه المظاهر والاسباب وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره هنا تعززها حساسية الشباب وبراءة مشاعره وتوقه الكبير وحماسه لكشف الحقائق والسير في مسالكها الوعرة كلها جعلت من الهوة مابين شبابنا والتدين وطقوسه تتسع وتكبر لحدود اللامبالاة والاهمال والجحود احيانا.
وان صحت هذه الفروض او تطابقت مع الواقع فان العلاقة المتوترة مابين الدين والشباب يمكن ان تنعكس فورا على ارض الحياة والواقع سلبا او ايجابا وخاصة في وطن تتعايش على ارضه ديانات ومعتقدات ومذاهب متعددة ومختلفة في اصولها ومرجعياتها.
والمسؤولية تقتضي من دعاة الاديان ومعلمي التربية الدينية ودعاة الفضائيات اشاعة خطاب القاسم المشترك لجميع الديانات في التسامح والمحبة والغفران وقبول الاخر وتقديم الدين بماثوراته ونماذجه وقصصه بقدر من التطابق مع حركة العصر ومنطقه الحديث ليسهم الدين مع بقية العناصر والمؤثرات الاجتماعية والسياسية في انتشال الشباب من مواقع العدمية والعطالة واحتمالات الاحتواء الجنوني لفرق الموت والارهاب وثقافات التدمير والتفخيخ الى مواقع الفعالية والمشاركة الوطنية الحقيقية في بناء الوطن وكيان الدولة.التي يشكلون عمودها الاساس ومحورها الاهم والفعال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah