الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاكر النابلسي و مغازلة الأصولية!

نذير الماجد

2008 / 9 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


طالعتنا المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية في الأيام الأخيرة بمجموعة من الفتاوى العنترية التي كشفت أكثر من أي وقت مضى عن الذهنية الاستئصالية العنيفة التي تربض خلف كل ما هو أصولي، ولا يحتاج أحد لمزيد من الحذق والنباهة لكي يكتشف من جديد هذا الورم العضال المستشري في جسد مجتمعنا البائس الذي أسمه الأصولية مهما ارتدت من أقنعة تلون طابعها دون أن يحدث أدنى تغيير في جوهرها وكهنها، فالأصولية واحدة مهما كانت التسميات ولكن مع هذا ثمة فارق في قابليتها على الإقصاء وفي حدة النرجسية والكراهية بين وجوهها المتعددة والمتلونة بكل ألوان الطيف المذهبي أو الديني أو الأيديولوجي.

الأصولية حين تكشر عن أنيابها لا تبالي بعقل أو منطق أو حكمة أو دبلوماسية بل تصبح هي الجنون والحماقة بعينها، إنها تفضح نفسها باستمرار دون أن تشعر بمعرة، فتقدم لمناوئيها خدمة الانكشاف والمهانة دون أن أي جهد يبذله المناوئ والذي عادة ما يكون أحد ضحايا هذا النهم والشبق والميل الشديد لإسالة الدماء..

الأصولي لا يعرف أنصاف الحلول ولا يوجد في قاموسه أي مفردة فيها روح التوافق أو التسامح، فإما أن نقبل بمعتقداته جميعها وإلا فالفيصل هو السيف، إذ ليس له إلا امتشاق الحسام واستخدام التهديد والوعيد لغة وحيدة للتواصل، إنه باختصار لا ينتقم من خصومه الفكريين بالفكر والكلمة بل بحد السيف والرصاص والأحزمة الناسفة!

كل الأصوليات لها نفس هذه الخصائص، بيد أن الأصولية التي تحتكر السلطة ليست هي نفسها التي لم تذق طعم الحكم في أغلب مراحل تاريخها، لكن الروح الجامحة والممتلئة بشهوة الافتراس هي نفسها في كلتا الحالتين، لهذا فالاستثناء الوحيد المنبوذ للديمقراطية هو في وصولها للسلطة عبر صناديق الاقتراع عندئذ تصبح الديمقراطية الوجه الآخر للاستبداد والرجعية.

في البداية كانت قنبلة الشيخ صالح الللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية التي تدعو بشكل أو بآحر ومهما حاول أن يتملص منها لاحقا إلى قتل ملاك الفضائيات التي تنشر الرذيلة حسب معتقده، ثم طلع علينا السلفي المتشدد الخشن ابن جبرين المعروف بطلعاته البطولية في مواقفه الدينية الاقصائية والتحريضية ضد هذه الجهة أو ذلك المذهب، طلع علينا هذه المرة بفتوى جديدة من طراز تلك الفتاوى التي تحث على القتل وتدعو إليه، هاجم الكتاب والمثقفين ودعا إلى جلدهم "أو رجمهم" لتطاولهم على العلماء، هذا يعني أن كل من تسول له نفسه أن ينبس ببنت شفة منتقدا أحد دعاة الكهنوت الديني أيا كان مقامه يجب أن يعاقب ويزجر حتى يصمت ويكم فمه ويحقن عقله بحقنة مخدرة ذات مفعول أزلي!، أي أنه يقول بعبارة واضحة لا لبس فيها: صه أيها المتطاول على أسيادك وأولياء نعمتك رضي الله عنهم وأرضاهم.

ثم أضاف بكل رعونة: "إن انتقاد العلماء يجب أن يكون من مشايخهم وزملائهم من أهل العلم أما الصحفيين فيجب "الأخذ على ايديهم". ثم دخل على الخط عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان مساندا أياه وهو الذي أفتى سابقا بقتل السحرة الذين يلوثون شاشات التلفزة في هذه القناة أو تلك، ما هذه الحمى المستعرة في التحريض على القتل والعنف، حتى الفئران لم تسلم منهم، فمن الطريف حقا أن ينالها شيء من هذه الفتاوى المحمومة المهتاجة لتحقيق أقل قدر ممكن من العدالة بين بني البشر والحيوان، لتحضر هنا جمعيات الرفق بحقوق الحيوان!!! أما الإنسان فمن ذا الذي يسأل عنه في هذا الزمن الرديء؟!

كنت محظوظا للغاية حين تناهي إلى ناظري على الشريط الإخباري في إحدى الشبكات المحلية خبر هذه الفتوى العجيبة المميزة التي نطق بها الشيخ محمد المنجد ودعا فيها إلى قتل جميع الفئران حتى الورقية منها كميكي ماوس وجيري بصفتها جنود إبليس، أنا عن نفسي لن يعتريني الخجل لو قلت أنني متابع جيد لأفلام ميكي ماوس وتوم أند جيري!! لأنهما ممتعان للغاية فماذا أفعل مع طفلي الصغير يا فضيلة الشيخ؟!

يقول الخبر إن هذه الفتوى أثارت موجة واسعة من السخرية في وسائل الإعلام الغربية، فبالله عليكم من الملام في ذلك؟ ألا يحق لهم أن يسخروا، ولعل هذه الفتوى العجائبية والمضحكة هي التي ستفسر هذا النهم الشديد في القتل واستهداف الصحفيين باعتبارهم فئرانا وجنودا لإبليس الرجيم، أقول ربما، فمن يدري؟

في هذا المناخ المشحون بهذه الفتاوى التي تتطاير علينا نشر الكاتب الأردني شاكر النابلسي في صحيفة الوطن السعودية في عدد سابق مقالا لا يقل إثارة للدهشة يحمل عنوان له مدلول واسع وفضفاض: "في الفكر الديني السعودي الجديد" والعنوان يكفي لبيان ما يرمي إليه الكاتب، فقد أشار إلى انبعاث فكر ديني جديد في السعودية، يمثل فيه نجل الشيخ عبد العزيز بن باز المفتي السابق للمملكة "العلامة الفارقة" على حد وصفه، وقد دعا في ثنايا مقاله إلى تبني هذا الاتجاه ومتابعته ورصده وتشجيعه من قبل المثقفين والباحثين العرب وأشار إلى وجود وقائع وحيثيات أخرى تفتح بابا للتفاؤل في المشهد السعودي، لأننا نشهد بحق نهضة أدبية وثقافية استطاعت أن تخرق التابو في المجتمع السعودي، إلى هنا ونحن لا نجد شيئا نختلف فيه مع الأستاذ النابلسي فهناك بلا شك تيارات ليبرالية دينية أو علمانية واسعة بدأت تتنشر وتعلن عن نفسها بعد أن نفضت عن نفسها غبار الأصولية وتراكماتها في مجتمع لازال مثقل ومتشبع بها إلى حد النخاع، فليست كل الصورة أصولية في السعودية، بل هناك أجزاء من الصورة واعدة تحمل على الإعجاب والافتخار والإشادة هذا مما لا شك فيه، ولكن ما دعاني للتوقف في مقال الأستاذ النابلسي، هو عباراته التي يبدو لي من خلالها مجاملا بل ومتملقا من جهة ومتحاملا من جهة أخرى، فكان يصف وسائل الإعلام العالمية في ردود أفعالها الأخيرة إزاء جملة من الفتاوى المثيرة للقلق والاشمئزاز بالمغرضة والمتربصة والمتنصتة والواقفة على أبواب هؤلاء الشيوخ الذين هم على ما يبدو في نظره مسالمين على قدر كبير من الألفة والدعة!

العجيب أن يصدر هذا الكلام من أشد الكتاب مناوئة للفكر الأصولي، إلا إذا كانت الأصولية بنسختها السعودية شيء آخر مستثنى تماما، فالنابلسي لم يفتأ يهاجم المتزمتين والاسلامويين هنا أو هناك، من هذه الطائفة أو تلك، وكل ذلك بلغة حادة حاسمة لا تقبل التراجع حرفا واحدا، فإذا به هنا يصبح حمل وديع يقدم ورقة التوت لمشايخ التكفير ويرتاب من ردود الأفعال العالمية الطبيعية التي يجب أن تكون، وكأنه وقع فريسة لثقافة المؤامرة التي تجتاح ثقافتنا وتفتك بنا وتجعلنا ننظر بعيون أصابها الحول للذات وللآخر، فمن الذي أشاع القتل ونشر الإرهاب وساعد على الكراهية وعمق الشرخ بين مجتمعاتنا والمجتمعات الأخرى؟ أليست هذه نتيجة أعمالنا يا سيدي الكاتب؟ لماذا نتعامى عن حقيقة مفادها أن وطننا الحبيب أصبح مباءة للتكفير والفتاوى التكفيرية؟ هل الآخرون هم من كتب مناهج التعليم التي تظطلع بمهام صناعة الشخصية والقناعات والأفكار؟ المشكلة أن هذه الفتاوى لم تصدر من واعظ أو داعية مغمور متحمس أو رجل دين يقبع في مغارات تورابورا أو غيرها، إن فتوى قتل ملاك الفضائيات لم تصدر من ملتحٍ غيور في القصيم أو الرياض أو الدمام، هذه الفتوى صدرت من رئيس مجلس القضاء الأعلى وهذا لعمري يكفي لتبرير هذا الامتعاض والاندهاش الشديد الذي لم يتفهمه الكاتب.

نعم هناك إرادة للإصلاح لكنها ليست جادة بما يكفي للجم هذه الفتاوى الساقطة والتي تشوه هذا الوطن الجميل، وهو وطن قادر على لجمها لو أراد، بما لديه من نخب مثقفة وحرة وحريصة على مصلحته وسمعته وليس كما يفعل بعض المثقفين الليبراليين الممالئين للسلفية فقط لأنها سائدة في الوسط الاجتماعي، الإصلاح الجدي لا يجامل ولا يقدم صكوك تزكية مغشوشة على حساب سمعة الوطن والمواطن السعودي الذي تلوثت سمعته وأصبح معرة أينما ذهب!

ولعل في صدور هذه الفتاوى من قمة الهرم القضائي ما يؤكد ضرورة الإصلاح الجذري الذي لا يكتفي لتهدئة الخاطر بإحداث بعض الرتوش هنا أو هناك بل لابد من التصدي لعمق المشكلة وملامسة جميع أبعادها، وفي تصوري أن إصلاحا مرجوا كهذا سيحتم المطالبة بقضاء مدني وتعليم مدني وصحافة مدنية ومجتمع مدني وإلا فالأصولية لن تترك شيئا أخضرا إلا أحرقته.. وإني والله لأمقت الأصولية سنيةً كانت أم شيعية!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال