الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى استشهاد أبي اليتامى والمساكين

رابحة الزيرة

2008 / 9 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دأَبنا على الاعتقاد بأن التعبير عن الحزن لفقد حبيب لا يكون إلا بطول البكاء، ولبس السواد، ونصب المآتم أو مجالس التأبين لذكر مآثر الفقيد والتذكير بمناقبه وخاصة إذا كان الفقيد رمزاً دينياً أو قائداً سياسياً، ولا يهم بعد ذلك إلى أي مدى خالفنا نهج من نصبنا له مأتماً، وبكينا عليه طويلاً، وهل كنّا له زيناً أو صرنا عليه شيناً، المهم أن نفرغ ما في جوفنا من جائشات النفس، ونقنع ضمائرنا بأننا قد قمنا بواجب الولاء .. بالبكاء.

في ذكرى استشهاد الإمام علي (ع) لا نستنكر على من يريد أن يحيي هذه الذكرى بكيفما يشاء من طقوس أو شعائر، وقد لا يعير خطباء المنابر أهمية لمن يدعوهم أن يحترموا عقول المستمعين ولا يكرّروا على مسامعهم ما هو محفوظ من سيرته أو تفاصيل استشهاده مما قد يضرّهم سماعه اليوم أكثر مما يفيدهم إذا وُظّف توظيفاً طائفياً مسيئاً، ولكن أمانة حمل القلم تحتم على حامليه أن يُعطى القلم والكلمة حقهما.

لعلّ من أهم الأسئلة التي تُطرح في هذه المناسبة على أبناء الأمة بجميع طوائفها - لأن علياً (ع) كان خليفة للمسلمين عامة قبل أن يكون إماماً للشيعة خاصة - هل أنّ قيم العدالة الاجتماعية التي أسّسها الإمام علي (ع) وحافظ عليها رغم ما عصف بالإسلام والأمة بعد رحيل رسول الله (ص) من فتن، وحروب داخلية، كحرصه على بيت مال المسلمين، وحبه لليتامى وإيلائهم عناية خاصة، واعتنائه بالفقراء والمساكين خاصة حيث كان يكرّر "أنا أبو اليتامى والمساكين، وزوج الأرامل، وأنا ملجأ كل ضعيف، ومأمن كل خائف"، وشدّته على عمّاله وولاته، وحزمه وصرامته في الحق حتى أُثر عنه أنه قال: "لم يدع لي الحقّ من صديق"، هل هذه القيم حاضرة في حياتنا نطبّقها أينما ذهبنا – بحسب ما يتطلّبه الموقف – أم أن الإمام (ع) تحوّل إلى أسطورة رمزية لا يسعنا إلاّ ذكر خصاله الحميدة والتغنّي بها (في كل عام مرّة أو مرّتين) دون محاولة الاقتداء به بحجة أنه كان شخصية فريدة من نوعها، فمن منّا يقدر أن يكون علويّاً؟

ولعمري إن هذا الادّعاء هو عين الخذلان والتخلي عن المسئولية أمام من ندّعي أنّا نتّبع ونمثّل، وهو ما أوقعنا في فخّ الازدواجية حين نمتدح عدالة الإمام علي (ع)، وإنصافه لمخالفيه، ونكرانه لذاته، وزهده، وشجاعته، ومروءته، نمتدحها على المنابر وفي المجالس ثم نمارس نقيض ذلك تماماً في واقعنا ومجتمعاتنا، فنظلم من نختلف معهم، ونفجر في الخصومة، ثم ننتصر لذواتنا، لنجعل الإسلام فداء لأصنامنا البشرية، فصرنا شيناً وعاراً على من نحبّ، واعتمدنا طريق الدعوة بالصراخ والسبّ والشتم في حين أنه نهانا عن ذلك حين قال: "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم".

علي (ع) كان يستنكر على نفسه "أن يبيت مبطاناً وحوله بطون غرثى وأكباد حرّى ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع"، علي (ع) كان يعنّف أصحابه إذا انشغلوا بخلافات الماضي على حساب قضايا الحاضر المصيرية. قيل أن رجلاً من بني أسد سأل الإمام (ع) عن أحداث السقيفة وهو مشغول بحروبه مع الخوارج فردّ عليه بحزم: "يا أخا بني أسد، إنك لقلق الوضين ، ترسل في غير سدد"!

سُئل رئيس دار للأيتام في احتفال أقيم لهم في (يوم اليتيم) عن أمنيته فقال أنه يتمنّى أن يأتي يومٌ لا يجد يتيماً في هذه الدار ليحتفل معه بيوم اليتيم (أي أن يحصل جميع الأيتام على من يكفلهم ولا يحتاجون إلى دار تأويهم).

فأيهما أفرح لأمير المؤمنين علي (ع) أن نفتح داراً لرعاية الأيتام (كل الأيتام بغض النظر عن دينهم ومذهبهم فعليّ (ع) كان يرعى شخصياً أيتام وأرامل من حاربوه في صفّين والجمل)، أم نكتفي بإقامة عشرات بل مئات المجالس سنوياً للتحدّث عن حبّه للأيتام وحبّهم له وبكائهم على فقدانه، وهل الخطيب الذي يعتلي المنبر ساعة أو ساعتين ليلة وفاة الإمام (ع) ليقرأ مدحاً فيه ويُبكي الناس على وفاته أقرب منه منزلاً أو كافل الأيتام ذاك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah