الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرعُ ٱللّه وصيّة لعيش ديمقراطىّ

سمير إبراهيم خليل حسن

2008 / 9 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جميع أعمالى يحكمها عمل ٱلعقل بين ما جآء فى ٱلقرءان من بيان عن ٱلخلق وعدّته وٱلفاعلين عليها وبين ما تبيّنه أعمال ٱلناظرين ٱلقارئة لتلك ٱلعدّة وٱلفاعلين عليها من غيبها عن بصر ٱلعين. وقلت وما زلت أقول أنّ ٱلكتاب ٱلذى حمل ٱسم "ٱلقرءان" يبيّن من ٱلاسم وحده أنّه صناعة عليمٍ يعلم ما فى ٱلسّمٰوٰت وما فى ٱلأرض. وهو ليس شعر شاعر ولا قول كاهن ولا مجنونٍ. بل هو قرءان يبيّن كلَّ شىءٍ ويبيّن أنّ ٱلذى قرأه بكلِّ شىءٍ عليم. وقد بيّنت سبيلى إلى هذا ٱلقول فى جميع أعمالى كتبا ومقالات.
لقد تناولت فى بعض أعمالى مفهوم ٱلشرع وما يؤسس عليه من سلطة فى مجتمعات ٱلناس. وما يبيّنه ٱلقرءان عن شرع ٱللّه فى قوله ٱلمحكم هو وصيّة تهدى ٱلناس فلا يعثرون فى عيشهم إن أخذوا بها.
وأقول بما يبيّنه محكم قول ٱلقرءان أنّ ٱلإيمان لونان:
إيمان يقوم على ظنِّ مشركٍ وهو حال أكثر ٱلمؤمنين فى ٱلأرض:
"وما يؤمن أكثرهم بٱللَّه إلاّ وهم مشركون" 106 يوسف.
وإيمان يقوم على علمٍ ويقين يقرِّب صاحبه من ٱلموصى وٱلوصيّة وهو حال ٱلقليل من ٱلناس:
"ثُلَََّة مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ(13) وقليل مِّنَ ٱلأَخِرِينَ(14)" ٱلواقعة
وهذا ٱلإيمان لا يدركه قلب ٱلمرء من دون سير فى ٱلأرض ونظر وعلم وتقوى من فعل ٱللغو وٱلباطل. وهؤلآء يعلمون بنبإ ٱلكتاب ويعلمون بٱستقراره. وإن عَلِموۤا أنّ ٱلنّبأَ لم يستقرّ أخرجوۤا أموالهم وأنفقوها علىۤ إقامة محراب جديد ليكون وسيلتهم فى متابعة ٱلنظر ومتابعة ٱلصلوة وٱلبحث عن ٱستقرارٍ للنّبإ (ٱلمثل عليه فيمآ أُنفق علىۤ إقامة ٱلمحراب ٱلفيزيآئىّ ٱلكبير على ٱلأرض ٱلأوروبيّة من أجل ٱلبحث عن ٱلفاعل ٱلتاسع عشر "بوزون هيكز" وٱلبحث عن جواب على ٱلسؤال "كيف بدأ ٱلخلق؟"). وبعلم هؤلآء بٱستقرار ٱلنبإ ٱلمتعلّق بعدّة تسوية ٱلحقِّ وبٱلفاعلين عليها يقوى سعيهم ويتعاظم عملهم ويزيد إنفاقهم على ٱستقرار غيره من ٱلأنبآء.
وقليل من هؤلآء ٱلمؤمنين هم ٱلذين يهتدون إلى مسألة ٱلعقل بين ما قرأوه وبيّنوه من ٱلحقِّ وبين بيان قرءان ٱللّه. وبٱلعقل بينهما يصدقون ٱلبيانين فتدرك قلوبهم ٱلإيمان وٱلإسلام للّه ربِّ ٱلعالمين فيسلمون لما شرعه ٱللّه:
"شَرَعَ لكم مِّن ٱلدِّين ما وصَّىٰ بهِ نوحًا وٱلَّذىۤ أوحينآ إليكَ ومآ وصَّينا بهِِ إبرٰهيمَ وموُسَىٰ وعيسىٰۤ أن أقيموا ٱلدِّين ولا تَتَفرَّقوا فيهِ كَبُرَ على ٱلمُشركينَ ما تدعوهم إليهِ ٱللَّهُ يجتبىۤ إليه مَن يشآءُ ويهدىۤ إليه مَن يُنيبُ" 13 ٱلشُّورىٰ.
ما شرَعَه ٱللّه مِنَ ٱلدِّين للناس هو وصيّة ٱلخالق لنفسٍ صنعها ونفخ فيها من روحه ليكون ما تعمله فى عيشها لا يخالف منهاج ٱلروح. فمَن يعمل بٱلوصيّة يزكّى نفسه ويتقى ما يدسّيها. ومن لا يعمل بٱلوصيّة تفجر نفسه ويخيب عيشه (ٱلمثل على ذلك فىۤ أشراط صانع مناهج ٱلكومبيوتر على مَن يريد ٱستعمالها).
لقد بدأ إعلان ٱلوصيّة مع نوح وٱستمرّ ٱلإعلان حتى كمل ٱلدين فى رسالة ٱللّه "ٱلقرءان" ٱلتى حملها وبلّغها للناس رسوله محمد. وبكمال ٱلإعلان تنشأ مسئولية على ٱلناس كأفراد ومجتمعات فى ٱلأخذ بٱلوصيّة ٱلمعلنة "لآ إكراه فى ٱلدين" ٱلتى يعززها قول محكم فى ٱلرسالة ٱلمكمّلة:
"وقُلِ ٱلحَقُّ مِن رَّبِّكُم فَمَن شَآءَ فَليُؤمِن ومَن شَآءَ فَليَكفُر" 29 ٱلكهف.
أو ٱلإعراض عنها وٱلعمل على منهاج ٱلروح من دونها فتكثر أخطآء ٱلمنهاج ويخرب فتقع ٱلنفس فى منهاج ٱلفجور وتخيب.
وما يبيّنه محكم قول ٱلرسالة من شرع موصى به يدركه جميع ٱلناس على ٱختلاف درجات علمهم. وٱلوصيّة بما فيها من تعريف تهدى ٱلناس على ٱختلاف مواقفهم ومفاهيمهم وتوزّعهم ٱلقومىّ وٱلطآئفىّ إلى كيف يعيشون فى ٱجتماعهم:
"إنَّ ٱلَّذِينَ ءامنُوا وٱلَّذِينَ هَادوا وٱلصَّٰبِئِينَ وٱلنَّصَٰرَىٰ وٱلمَجُوسَ وٱلَّذينَ أَشرَكُوۤا إِنَّ ٱللَّهَ يَفصِلُ بَينَهُم يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ إِنَ ٱللَّهَ علىٰ كُلِّ شَىءٍ شَهيد" 17 ٱلحجّ.
فإن ٱهتدى ٱلناس بٱلوصيّة (وهى قول محكم لا تشابه فيه) علموۤا أنّ ما شرعه ٱللّه لهم من ٱلدين لآ إكراه فيه ولا فصل بين فئات ٱلناس. وبعلمهم بهذا ٱلشرع من ٱلدين يصنعون ميثاقا لحماية عيشهم ٱلمشترك على ٱختلاف فئاتهم. ويحددون فى ميثاقهم حقوق ٱلفرد منهم وحقوق فئته وٱلسبيل لحماية هذه ٱلحقوق من أىِّ إعتدآء. ويبيّنون فيه أنّ مَن يتصدّر مواقع ٱلسلطة فى مجتمعهم هو أكثرهم علمًا وسلامة من ٱلمرض فى جسمه وفى نفسه (مثل طالوت). وبقيام ٱلميثاق بينهم يختارون فريقًا منهم ليتولّى ٱلقيام على ٱلميثاق وليقضى بين ٱلناس عندما يتنازعون ويختلفون. وهذا ٱلفريق ٱلمختار هو ٱلسلطة فى مجتمع ٱلناس ٱلذين يهتدون بقول ٱلوصيّة ٱلمحكم فيعيشون فى مكانهم بأمنٍ ورَغَدٍ ونِعَمٍ ويتطورون ويقوون ويعلون.
أما ٱلذين لا يهتدون بٱلوصيّة ويعيشون فى ٱلمكان من دون ميثاق بينهم يقوم مَن بيده ٱلمال وٱلقوّة بٱلسلطة من دون إذنهم فيصنع لنفسه وصيّة تجعل ٱلسلطة ملكا له وقوّة تُكره ٱلناس على ٱلخضوع وٱلطاعة وفق منهاج تعليم يجعلهم رعيّة لا تسمع ولا تبصر ولا تفهم. فيعيشون كٱلأنعام عيشة ضنكا ويخضعون لسلطته يذبح منهم ما يشآء من دون حساب. أما صاحب ٱلسلطة فتربُوۤا أمواله وقصوره ويظنّ أنّه إلٰه يُحى ويميت.
جآء فى ٱلوصيّة "أن أقيموا ٱلدِّين". وإقامة ٱلناس للدين هى فى جعل عيشهم ٱلمشترك من دون إكراه ولا تفريق ولا فصل. وإن لم يقيموا ٱلدِّين يكرهون بعضهم ويتفرقون خلافا للوصيَّة "ولا تَتَفرَّقوا فيهِ".
ٱلقرءان ٱسم مطلق لقرء ٱلخالق عن خلقه وتسويته وهداية للذين ينظرون ويعلمون من ٱلناس أرسله لهم عربيًّا "هذا بيان للناس.. وتبيان لِّكلِّ شىء" وبه كمل بيان دين ٱلحقِّ كلّه. وفى ٱلبيان محكم ومنه وصّيّة ٱللّه للناس أنَّه "لآ إكراه فى ٱلدين" وأنَّه لكلِّ فرد أن يؤمن كما له أن يكفر. ومنه متشابه "كلّ شىء عنده بمقدار" يتحرك فهم ٱلناس للمقدار مع حركة نظرهم وعلمهم فى ٱلحقِّ. وبهذا ٱلبيان ٱلمتجدد تظهر مسئولية ٱلفرد ٱلتى تقوم على ما يدركه قلبه ويعلم به فيحنف عن قوله ٱلقديم عن ٱلمقدار إلى قول جديد كشف عنه نظره وعلمه.
لقد ضرب رسول ٱللّه فى حياته مثلا على محكم قول ٱلوصية فى ميثاق أهل ٱلمدينة (ٱلصحيفة). وبٱلمثل ٱلمضروب يبيّن أنّ ما يطلبه ٱلناس ٱليوم بمفهوم "شرعة حقوق ٱلإنسان" هو من ٱلوصيّة ٱلمعرّفة بقول محكم "لآ إكراه فى ٱلدِّين". فلم يورد فى ميثاقها ما يحدد دينًا للفئة ٱلتى تحكم وتأمر فى سلطة ٱلمثل ولا لدين رئيسها. وبذلك أقام ٱلرسول ٱلدين ولم يُكره ولم يفرّق ولم يفصل بين ٱلناس كما هو ٱلبيان ٱلعربىّ ٱلشارح للوصيّة:
"إنَّ ٱلَّذِينَ ءامنُوا وٱلَّذِينَ هَادوا وٱلصَّٰبِئِينَ وٱلنَّصَٰرَىٰ وٱلمَجُوسَ وٱلَّذينَ أَشرَكُوۤا إِنَّ ٱللَّهَ يَفصِلُ بَينَهُم يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ إِنَ ٱللَّهَ علىٰ كُلِّ شَىءٍ شَهيد" 17 ٱلحجّ.
وبفقهى ٱلمتحرك للقول ٱلعربى فى كتاب ٱللَّه "ٱلقرءان" أرىۤ أنَّه على ٱلذين يصنعون ٱلميثاق (دستور) أن يهتدوا بٱلدين فى مسألة عامَّة تهديهم إلى حقوق ومصالح ٱلمؤمنين وٱلكافرين على ٱلسَّوآء بسند من ٱلبلاغ ٱلعربى:
"وقُل ٱلحقُّ مِن رَّبِّكم فَمَن شآء فَليُؤمِن ومَن شآءَ فَليكفُر" 29 ٱلكهف.
وأن لا يكون فى ٱلميثاق ما يبين إكراهًا لفئة من ٱلناس ولاۤ أن يسمح للسلطة بتشريع يُكره ٱلناس فى تعليمهم ومواقفهم ويُنزل بهم ٱلعقاب بسبب موقف فكرى أو سياسىّ أو دينىّ. فٱلقول ٱلعربىّ ٱلمحكم بيِّن ولا يحتاج لمفسِّرٍ ولا لتفسير (لآ إكراه فى ٱلدين. ولكم دينكم ولى دينِ. وقل ٱلحقُّ من ربِّكم فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفر. وكلُّ نفسٍ بما كسبت رهينة. ولا تزر وازرة وزر أخرى. ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرّة. ولست عليهم بمصيطر. وأمرهم شورى بينهم. وشاورهم فى ٱلأمر).
كل هذه ٱلأقوال ٱلعربيّة ٱلمحكمة تبين أن تحديد دين للفئة ٱلتى تحكم وتأمر يُخرجها عن سبيل ٱللَّه ودين ٱلحقِّ ويجعلها سلطة شيطان يتسلط فيها طاغوت يكفر بحقوق ٱلناس على ٱختلاف مواقفهم.
بهذه ٱلهداية فى صناعة ٱلسلطة وبهذا ٱلسبيل للعيش وفق ميثاق مدينىّ يكون لكلِّ ٱمرء فرصته ومسئوليته عن حياته ٱلدنيا وعن حياته ٱلأخرة لينظر ويعلم ويعلن موقفه وإيمانه معتمدًا على ما ٱكتسبه من علم. كما له فرصته للعقل بين ما علم به من ٱلحقِّ وبين بيان ٱللّه لجميع ٱلحقِّ فى رسالته فيعلن إسلامه للّه ربِّ ٱلعالمين. كما له أن يتجاهل فلا ينظر ولا يعلم ولا يعقل ولا يلتفت إلى صناعة ٱلنفس وٱلروح.
ما شرعه ٱللّه من ٱلدين لاۤ إكراه فيه. وٱلدين كلّه عند ٱللّه هو دين ٱلحقِّ وهو ناموسه substantive law. فمَن يتحدث عن شرع دينىّ لفئة من ٱلفئات ويطلب ٱلسلطة لفئته دون غيرها من ٱلفئات هو جاهل غافل عن دين ٱلحقِّ وعن وسآئل ٱلعلم فيه. وبجهله بما شرعه ٱللّه من ٱلدين يطلب لفئته ما يخالف ٱلوصيّة.
أما ٱلذى يتحدّث عن شرع يقوم على ميثاق يبين حقوق جميع ٱلأفراد وجميع ٱلفئات فهو يتحدث بما ٱكتسبه من علم وخبرة وإيمان وهداية من أىِّ طور من أطوار إعلان ٱلوصيّة. وهو ٱلذى يعلم أنّ أوّل وسآئل ٱلعلم فى ٱلدين هى فىۤ إثارة ٱلأسئلة وفى ٱلسير وٱلنظر للوصول إلى جواب عليها بوسآئل حسيّة مخبريّة تجعل ٱلمجيب على يقين فيما يقول. وهذا هو موقف ٱلذى طاع ٱلتوجيه ٱلعربىّ ٱلمحكم وبطاعته يعبد صاحبه:
"قل سيرواْ فى ٱلأرض فٱنظرواْ كيف بدأ ٱلخلق" 20 ٱلعنكبوت.
وهذا ما على ٱلناس طاعته إن كانوا يعلمون. فإن أطاعوا يكون لهم علم بدين ٱلحقِّ ويكون لهم قول فى شرع ٱجتماعىّ لا يخالفه.
بهذا ٱلفهم ٱلمتشابه للدين أقول أنّه بإيمان ٱلمرء ٱلقآئم على ما يقرأه من دين ٱلحقِّ ينطلق قوله بإعلان بيان له يتجدّد مع تجدّد علمه ٱلمتشابه يذكِّر وينذر به ٱلناس حتى لا يطيعون شرعًا لِمَن يتصدَّر منهم ٱلسلطة من دون ميثاقٍ. وبعمله هذا يمثّل موقف سلطة متجددة ٱلمفاهيم تعترض على سلطة ٱلمجتمع بقولها ٱلليّن تأمرها بٱلمعروف وتنهيها عن ٱلمنكر. فٱلمعروف هو ما جآء فى ٱلقول ٱلمحكم للوصيّة وٱلمنكر هو سلطة من دون ميثاق.
وإلى يومنا هذا ما زال أكثر أهل ٱلأرض 87٪ يجهلون بٱلحقِّ ودينه ويضلُون عن ٱلوصيّة فى جميع أطوار ٱلرسالة. وهؤلآء يعيشون كما تعيش ٱلأنعام وفق شرع سلطة من دون ميثاق. أما ٱلذين يعلمون بٱلحقِّ ودينه من أهل ٱلأرض فهم ٱلقليل 13٪ ٱلذين يتبعون ٱلوصيّة من طور يسبق طور ٱلرسالة ٱلمكمّلة وهم ٱلذين يعيشون فى مجتمع ميثاقىّ شرعه ديمقراطىّ لآ إكراه فيه تقوم فيه سلطته إلى جانب سلطة ٱلأمر بٱلمعروف وٱلنهى عن ٱلمنكر.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah