الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسارفي المغرب: أسباب الأزمة

رشيد طلحة

2008 / 9 / 25
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


لا شك أن أي متتبع للشأن الحزبي في المغرب سيلاحظ كيف آلت إليه أوضاع اليسار من حالة تشرذم و تشتت على المستويين الفكري والتنظيمي و كيف أفقدته ثقله السياسي ودوره في الحفاظ على ميزان القوى في البلاد و كيف انعكست سلبا على أدائه سواء في إطار الصراع الديمقراطي ( أو ما يسميه البعض اللعبة السياسية) أو في إطار النضال الاجتماعي للدفاع عن الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للطبقات الكادحة.
فمن حزبين فقط، في بداية الاستقلال ( الحزب الشيوعي و الحزب الوطني للقوات الشعبية) ، أصبح لدينا حاليا فسيفساء من شتى الألوان مكونة من أكثر من عشرة أحزاب انسلخت عن بعضها البعض، تتفاوت من حيث مرجعياتها في الفكر و الممارسة و من حيث برامجها و أهدافها لكن تلتقي في سعيها للتعبير عن مطامح الطبقات الشعبية في العيش الكريم و إقامة مجتمع حداثي ، اشتراكي ، ديمقراطي يكفل الحريات و حقوق الإنسان.
و قد أثبتت السنين الأخيرة عن مدى التخبط الذي يعيشه اليسار و الأزمة العميقة التي يعاني منها. و لعل معرفة الداء كفيلة باقتراح الدواء، فما هي إذن أسباب هذه الأزمة؟
أصبح اليوم هذا السؤال يطرح نفسه أكثر من أي وقت مضى خصوصا في هده المرحلة الدقيقة التي يمر منها المغرب و التي تتميز بتراجع كبير على مستوى الحريات العامة و الحقوق الأساسية للمواطنين و تردي أوضاعهم المعيشية، فرغم الدعاية الرسمية للنظام، و الذي ما فتئ يتبجح بشعارات براقة من قبيل المفهوم الجديد للسلطة و الإنصاف و المصالحة و القطيعة مع الماضي و التنمية البشرية... و التي لم تجد لها طريقا على ارض الواقع بسبب العقلية المخزنية الني لا زالت تتحكم في نظام الحكم، فان جل المؤشرات تدل على أن المغرب دخل في طور جديد من مسلسل التراجعات و عناق الماضي المظلم بعد أن بدأنا نتنفس الصعداء و نستبشر خيرا بالمستقبل .
فصعود أقطاب الإسلام السياسي بمختلف مرجعياتهم الفكرية، وبروز فاعل جديد في الساحة السياسية من صنع النظام المخزني الذي مازال مصرا على تفريخ أحزاب إدارية من شاكلة الأصالة و المعاصرة بدعوى محاصرة النفوذ الإسلامي معيدا إلى الأذهان تجربة الحسن الثاني في خلق حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية في مواجهة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالإضافة إلى تراجع أداء اليسار و تخليه عن دوره الطليعي في تأطير المواطنين و نشر الفكر التقدمي في أوساط العمال و الفلاحين، و تهافت قياداته على الحقائب الوزارية و العمل داخل مؤسسات صورية لا يكفلها الدستور استقلالية تامة لأداء مهامها ، لعبت دورا كبيرا في انتشار ظاهرة العزوف عن العمل السياسي و ارتماء الشباب في أحضان الفكر التيئيسي أو الظلامي وتفضيلهم الهروب إلى الأمام إما إلى الضفة الأخرى و إما إلى الجنة الموعودة... بدل مواجهة الواقع و خوض الصراع بكل الوسائل المتاحة، مما ساهم في تأزم الوضع الاقتصادي و الاجتماعي للبلاد الذي توج بتفجير انتفاضات شعبية تلقائية و غير منظمة تضر أكثر مما تنفع.
من هنا يجب على اليسار أن يتحمل جميع مسؤولياته التاريخية ، باعتباره المؤهل فكريا، للدفاع عن مصالح الطبقات الكادحة وتحصين مكتسباتها و مواجهة كل أشكال الاستبداد و التبعية الاقتصادية للدوائر الرأسمالية.
فمن المؤكد أن عوامل ذاتية وموضوعية كانت وراء هذه العلل، فغياب النقد الذاتي الحقيقي في فكر و ممارسة أحزاب اليسار، أدى بقياداتها إلى إعادة إنتاج الأخطاء بل و التمادي فيها، و الأسوأ من ذلك هو إصرار هذه الأحزاب على تقديم تبريرات سطحية و غير موضوعية لأخطائها القاتلة، بدعوى اكراهات المرحلة، مما زاد في تكريس عقلية إنتاج الفتاوى الفقهية في الممارسة الحزبية. فباستثناء المجهودات التي قام بها المهدي بن بركة في الستينات والمحاولات الفردية لبعض أعضاء الحركة الماركسية الليننية داخل السجون لمكاشفة الذات ، فلم يسبق لأي حزب يساري أن قام بقراءة علمية و موضوعية لممارسته الحزبية، إلا في أضيق الحدود، بغية تقييم أداءه و البحث عن مكامن القوة و الخلل و استنتاج أخطائه واقتراح الحلول الكفيلة لتفادي تكرارها ، و السبب هو فقدان الشجاعة الأدبية لتلك القيادات وعدم استعدادها للمكاشفة و المصارحة السياسية.
كما أن هذه الأحزاب كانت و لا زالت تفتقر لأبسط مبادئ الفعل الديمقراطي، بل إن تفشي البيروقراطية في تسيير شؤون الحزب أصبحت هي القاعدة العامة، فاتخاذ قرارات مصيرية غالبا ما يكون تنازليا فيأخذ شكل املاءات جاهزة للتطبيق، مما يمنع الأجهزة التحتية من إبداء آرائها حول قضية من القضايا الإستراتيجية وذلك خلافا لمبدأي الديمقراطية و الجماهيرية اللذان تدعي أغلب هذه الأحزاب تبنيه في مرجعياتها الفكرية.
كما أن انحصار القيادة في نخبة صغيرة من المناضلين، سواء لكونهم من مؤسسي الحزب أو اعتبارا لتاريخهم النضالي يؤدي غالبا إلى إقصاء و تهميش المناضلين ذوي الكفاءات و كذا الأطر الشابة المتحمسة وبالتالي كبت طاقاتها و حرمانها من اكتساب التجربة من خلال الممارسة و التعبير عن همومها و اهتماماتها، و هذا ما يفسر ارتفاع نسبة الشيخوخة في الأجهزة القيادية لهذه الأحزاب و تعميق الشرخ بين الحزب و شبيبته.
و لعل من أسوأ الظواهر التي أصبحت تميز هذه الأحزاب هي تدبير الخلافات على أساس مبدأ "أرض الله واسعة " كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على عهد اليوسفي و اليازغي عندما قررا إقصاء الخط الممانع داخل الحزب ، مما يثبت جليا سيادة منطق الانتهازية و الاستئصال داخل هذا الحزب الذي لا زال يؤدي ثمنه إلى اليوم بفشله في الانتخابات الأخيرة و سخط جماهيره العريضة و عدم قدرته على عقد مؤتمره الثامن.
فالولاء الأعمى و تقديس الأشخاص بدل البرامج بات السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة الإقصاء و تعفن العقليات المتحكمة في قيادة الحزب اليساري، فتربع نفس الشخص على كرسي الأمانة العامة لسنين طويلة يحول الحزب من مؤسسة ديمقراطية للاختلاف إلى ضيعة خاصة مستباحة لذلك الشخص.
والمؤسف هو أنه حتى في بعض الأحزاب التي تجدد من فينة لأخرى قياداتها فأن البرامج المقترحة من طرف هذه القيادات لا تخضع لمبدأ المحاسبة لكونها لا تقدم على أساس تعاقدي بين القمة و القاعدة مما لا يسمح لباقي الأجهزة بمراقبة و تتبع مدى نجاح أو إخفاق القيادة في تحقيق الأهداف المحددة في هذه البرامج.
أما الأسباب الموضوعية، فهي مرتبطة أساسا بالتحولات الكبيرة التي شهدها العالم في بداية التسعينات من القرن الماضي بسبب انهيار المنظومة الاشتراكية و فشل الاشتراكية البيروقراطية السوفيتية و انحياز أغلب دول المعسكر الشرقي للنموذج الغربي، كما أن النظام الرأسمالي هو نفسه دخل مرحلة جديدة في تطوره أدى إلى عولمة العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية فانهارت الاقتصاديات الوطنية و أرغمت دول العالم الثالث على فتح حدودها أمام الرساميل الأجنبية، مما جعل أغلب أحزاب اليسار في العالم تعيد النظر في اختياراتها الثورية و تبني اشتراكيات ديمقراطية.
أما على الصعيد الوطني، فقد ساهمت سنوات القمع الطويلة التي عاشتها الأحزاب اليسارية خلال الستينات و السبعينات من القرن الماضي في إضعاف تماسكها بسبب الاعتقالات التي طالت خيرة قياداتها ، كما أدت التنازلات التي قدمتها هذه الأحزاب للمؤسسة الملكية في منتصف السبعينات إلى تعميق هذه الخلافات واتهام بعضها البعض بالإصلاحية و الانتظارية و خيانة الاختيار الثوري.
و أدى قبول بعض مكونات اليسار لدستور 1996 و موافقتها على الدخول في حكومة تناوب هشة، لم تفرزها أصلا صناديق الاقتراع ، ودون ضمانات دستورية بالإضافة على إرغامها بالعمل إلى جانب وزراء السيادة و أحزاب يمينية و تكنوقراط، إلى تقسيم اليسار وبروز اتجاهين متناقضين حتى داخل الحزب نفسه، اتجاه كان يرى أن ظروف المرحلة كانت كافية لإحداث شروط التغيير المنشود، واتجاه كان مقتنعا انه بالعكس كانت تلك الظروف دافعا قويا لمزيد من النضال لتحقيق تغيير حقيقي باعتبار أن دستور 1996 كان بمثابة تراجع واضح عن المكتسبات التي تحققت بفضل نضالات اليسار.
و رغم ذلك فمشاركة اليسار في هذه الحكومات لم تستجب لتطلعات الطبقات الكادحة، بل العكس من ذلك ففي ظلها فتح من جديد مسلسل التضييق على حرية الصحافة و تدهورت الخدمات العمومية و ارتفعت الأسعار و زادت نسبة البطالة و اختفت بعض المواد الأساسية من الأسواق و تمت خوصصة اكبر عدد من المؤسسات العمومية...
فطبيعة النظام السياسي في المغرب لا يشجع بتاتا الأحزاب السياسية ، الحاصلة على أغلبية الأصوات في الانتخابات التشريعية، على تطبيق برامجها من خلال حكومة منسجمة تتبنى برنامجا واضح المعالم يترجم بدقة وعودها للناخبين، لان تعيين الحكومة هو في الأصل من اختصاص الملك و بمحض اختياره و بدون أن تكون بالضرورة منبثقة من البرلمان.كما أن البرامج الحكومية المقدمة للتصويت في البرلمان لا تعبر عن تصورات حزب معين بقدر ما هي في الأساس إلا ترجمة و تنفيذ لتوجهات الملك من جهة و تعليمات البنك الدولي و باقي الدوائر الرأسمالية من جهة أخرى. وهذا ما يجعل الوزير الأول والحكومة مجرد أجهزة لتلقي التعليمات وترجمتها والتحرك في حدود ما يحال عليها وما يفوض لها أو ما يطلب منها أن تباشره. و هذا ما يفسر وجود حكومتين في المغرب، حكومة الواجهة وحكومة الظل.
و للخروج من هذه الحالة المرضية، و حتى يستعيد اليسار بريقه و حيويته و إشعاعه في الساحة السياسية، يعتبر توحيد مكوناته مطلب جماهيري مستعجل لتشكيل جبهة سياسية-اجتماعية متماسكة تضم أحزاب اليسار الجذري و النقابات و هيئات المجتمع المدني و كل القوى الديمقراطية للدفاع عن مصالح الطبقات الشعبية و القيام بإصلاحات سياسية جذرية ابتدءا بمراجعة الدستور الحالي و انتهاءا بمناهضة الامبريالية العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير