الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكي لا تتحول فتاوى حراس الشريعة إلى قيود تكبل آمالنا

شاكر الناصري

2008 / 9 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كل يوم يتحفنا رجال الدين وشيوخه بمجموعة من الفتاوى والتصريحات المخجلة والمثيرة للسخرية ، فتاوى لم يسلم منها أحد ، لا الفتيات الصغيرات بعمر ثمان أو تسع سنوات ولا حتى الفأر الكارتوني الشهير ميكي ماوس ، الذي تبين أنه من جنود إبليس ويجب قتله في الحل والحرم ... !!!! مثلما لم يسلم الفكر والثقافة والإبداع والكتب المطبوعة التي لم يتفاخر عناصر محاكم التفتيش الإسلامي بحرقها فقط ، بل أنهم أشاعوا وبكل فخر منطق إعدامها وكأن مهرجانات الإعدامات التي تنفذها السلطات الدكتاتورية بحق الأبرياء لم تكفي . نعم لم يسلم منها احد ، فكل من ورد ذكره وعمله وطائفته متهم بالمروق والكفر ومهاجمة المقدسات ( البعض من أصحاب الفتاوى هؤلاء قد وضعوا رجال الدين وخصوصا السوبر ستار منهم في منزلة المقدسات التي لا يجب مراجعة الدرر التي تنطق بها) . ليس ثمة غرابة في أمر هذه الفتاوى فهي تصدر لتعيد للإنسان رشده المفقود وكأنه كائن لا يعي ما يدور حوله وبانتظار من يعيده إلى طريق الصواب أو يعيده إلى حياة الماضي السحيق ليكون حبيسا حيث الزمن قد توقف ولاشيء يحدث خارج كتب الشريعة و الدين وفتاوى الفقهاء . لا ، بل أن أي شيء يحدث في هذا العالم سرعان ما يجد من يقول أنه مذكور في كتابنا الحكيم وإن كان ذلك تجربة تحاكي لحظات الخلق الأولى أو استنساخ إنسان أو حيوان بكامله أو الصعود إلى الفضاء الخارجي والسعي للعيش هناك . فإزاء أمر خطير كهذا ، أي ضياع الإنسان ، فأن الفتاوى تأتيه من كل فج عظيم . فإن قال أمرا ما فهو كافر ويهدد الثوابت أو يتطاول على المقدسات...!!!! ، فرجال الدين قد اعدوا العدة ليوجهوا ضرباتهم في مجتمعات أقل ما يقال عنها أنها مجتمعات منهارة تنتظر لحظات فنائها باستسلام ليس له نظير وأن كل معالم التمدن والرقي الثقافي والتحرر الاجتماعي قد بدأت تتوارى ومنذ زمن ليس بالقصير لتترك مكانها للجهل والخرافة الدينية وسلطة الغيب ، فتراهم من اليمن السعيد إلى الجزائر والمغرب ومصر المحروسة والسعودية والعراق ولبنان ، يصدرون فتاواهم وكأنهم يعيدون صياغة حياة الملايين المنكوبة بسلطات تزداد توحشا واحتقارا للإنسان يوما بعد آخر حتى تشعر أن كل ما يحدث هو تواطىء مفضوح بين المؤسسات الدينية ومشايخها وعناصر محاكم التفتيش فيها من جهة وبين السلطات الحاكمة من جهة آخري ، فهذه السلطات المشغولة بتعزيز سلطاتها و التي عادة ما تستند إلى الدين أو أنها تستخدمه من أجل مصالحها لا يهمها كثيرا أن يصدر رجل دين أو مؤسسة دينية كالأزهر أو الجامعات الدينية في دول عدة فتوى تهدر كرامة الإنسان أو تعيده إلى عهود العبودية .
لم نسمع أن السلطات المصرية أو قضائها النزيه جدا قد اعترضا على الدعاوى التي يقيمها رجل دين معين ضد أشخاص ابدوا رأيهم بقضية ما أو عبروا عنه بطريقة أبداعية كالشعر أو الفكر أو الفن أو أنهم ينادون بالإصلاح السياسي والمعيشي لعله ينقذ مصر والمصريين من خراب لا أول له ولا آخر ، لم نسمع اعتراضها أو مسائلتها لرجل دين ما تسبب في تشريد نوال السعداوي ونصر حامد أبو زيد أو أصبح ينقب في قصائد حلمي سالم أو احمد الشهاوي عن مفردة تبيح له أن يقيم دعوى مطالبا فيها بمصادرة أو إحراق كتاب شعر أو قصة ورواية أو كتاب يشحذ الفكر حتى أصبح رجال الدين ومشايخ الأزهر كارثة كبيرة تهدد الفكر والإبداع . لم نسمع أنها قد واجهت مطلقي فتاوى رضاعة الكبير أو هذا الذي يدعوا المصريين لان يتخذوا من بول البعير علاجا لأمراضهم بسؤال وأن كان للاستهلاك الإعلامي .
لم نسمع أن السلطات السعودية قد اعترضت على فتاوى تزيد من الكراهية والتعصب أو تدعم الإرهاب أو تحقر من الإنسان بما يحول السعودية إلى واحة خصبة للتطرف الديني. لم نسمع أن الحكومة اليمنية قد اعترضت على ممارسات محاكم التفتيش المتنقلة المعروفة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لم نسمع أن حكومة ما اعترضت على فتاوى تبيح اغتصاب الفتيات الصغيرات جنسيا بذريعة أن محمد بن عبد الله قد تزوج من عائشة وهي بعمر تسع سنوات.
لم نسمع أن حكومة العهد الجديد في العراق قد اعترضت أو تصدت لممارسات أحزاب الإسلام السياسي أو مليشياتها المسلحة التي تفرض الحجاب بقوة السلاح والتهديد والقتل او التي أشاعت زواج المتعة أو التي بدأت في مسخ عقول الأطفال الصغار.... لم نسمع من هذا ولا ذاك أبدا بما يدلل على وجود شراكة تجري في السر والعلن الهدف منها إخضاع الإنسان لعبودية السلطات المستبدة .

ترى ما الذي يحدث في عالمنا المعاصر هذا حتى تتفتح شهية مصدري الفتاوى بهذا الشكل وكأنهم في حرب ضروس ضد الشر المستشري في نفوس الناس أو في نفوس الغرب الكافر الذي يخرب عقول أطفالنا بأفلام كارتون تنطق بلغات مختلفة منذ عقود من السنين ، أو في نفوس أبناء الدين الواحد الذين يتمسكون بالبدع وتأليه إنسان ما ، ولابد من فتوى ما أو سلسلة فتاوى لا رابط بينها حتى يستعيد الإنسان المغرر به رشده المفقود وأن لا يتمادى في غيه واضطراب عقله؟.

من المؤكد أن العالم يتطور بفعل إرادة الإنسان ومخيلته وإبداعه وان هذا التطور يفتح أمامه آفاقا واسعة يسعى من خلالها لان يكون مبدعا بما يوفر له وللمجتمع الذي يعيش فيه حياة حرة وكريمة وخالية من القيود. أن سعيا كهذا لا يصب في صالح رجال الدين وسلطاتهم ولا في صالح الحكومات الدكتاتورية التي تريد من الإنسان أن يكون خادما مطيعا وان يلغي أية إمكانية لديه على التفكير بحياته ومصيره ، فالسلطات الحاكمة ورجال الدين ومؤسساته قد جعلوا من حياته ومصيره رهينة لديهم .

أن هجمة رجال الدين الذين نصبوا أنفسهم حراسا للشريعة وممثلي الله على الارض ، وفتاواهم القميئة لابد وان تقابل بموقف حاسم و بهجمة مضادة من لدن أصحاب الفكر أو المنادين بحرية وكرامة الإنسان وإخراجه من جحور الغيب والجهالة والتخلف ، المنادين بأن يكون الإنسان وآماله قيمة عليا ومقدسة أو المنادين بمساواة المرأة ومشاركتها الفاعلة في قضايا المجتمع ، المنادين بفصل الدين عن الدولة وجعله أمر شخصي محض .
انه صراعنا ضد قيود تكبل حياتنا وتجعلها مسرحا لفتاوى أشخاص لا يعرفون طعما للحياة دون كراهية وتعصب أو دون إذلالنا. أن أطلاق مخيلة الفكر الحر والإبداع الإنساني التنويري والارتقاء بمظاهر التمدن في العالم العربي وازدهار مظاهر التحرر الاجتماعي والثقافي مرهون بإدامة صراعنا ضد المؤسسة الدينية وضد السلطات المستبدة ، هو صراع طويل ومرير حتما ولكن التوقف عنه لا يعني سوى تسليم المجتمعات المقهورة إلى حالة الاستسلام والعبودية و الإذلال وإخضاعها لسطوة رجال الدين ومؤسساته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية