الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنت ثوريا

سعدون محسن ضمد

2008 / 9 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مع أن عمر الإنسان قصير لكن الانقلابات التي تحدث خلاله كثيرة وكبيرة. وبين الطفولة والشيخوخة ثمة رحلة يجب أن يتعلم منها الإنسان الكثير من الحكمة.
ما يعطيه القابلية على أن يكون أكثر اتزاناً، لذلك يندر أن تلتقي بشيخ نزق كما المراهقين أو مراهق حكيم كما الشيوخ. لأن التجارب تكون قاسية وهي تعلّم الإنسان. تأتي إلى الشيخ المسن وأنت بكامل هياجك وقد شغلك طارئ خطير فيتطلع إليك بعينين باردتين ويتعامل معك بهدوء أبرد ثم يقلب لك الأمر على وجوهه الكثيرة لينصحك بعدها بأن تسلك السلوك الأكثر اتزاناً وروية. وعندما يكون هياجك خارج حدود السيطرة وترفض الانصياع لنداء حكمته لا تجده مشغول البال كثيراً بمحاولة اقناعك؛ لأنه يعرف أمرين، الأول أن الهياج إذا تمكن فلا سبيل إلى الوقوف بوجهه، والثاني أنك بحاجة على كل حال لتجربة جنون تخرج منها بعقل أنضج.
لهذا السبب تجد أن معظم شعوب العالم تشترط بقادة بلدانها أن يتجاوزوا سن الأربعين، على الأقل ليكونوا بمنجاة من الهياج الثوري الذي لا ينتج غير الدمار. لكن يأخذك العجب عندما تجد أن مجلساً ما، يمتلئ بالشيبة وكبار السن ومع ذلك يهيج كما يهيج ملعب للصبيان. وعند ذاك تسأل نفسك أين ذهب هؤلاء بكل تجارب حياتهم؟
اتابع كما يتابع الأعم الأغلب من العراقيين قضية النائب مثال الآلوسي، وأسأل نفسي كيف تجاوز مجلس النواب القانون العراقي مرتين، الأولى وهو يغض النظر عن ضرورة رفع الحصانة عن الكثير ممن يستحقون رفعها من نواب المجلس، والثانية في تسرعه برفع الحصانة عن مثال الآلوسي من دون انتظار بت المحكمة الدستورية بالموضوع؟ الأمر الذي تسبب برد فعل عاصف من قبل الكثير من الكتاب والمثقفين العراقيين بلغ حدود التعريض بالبرلمان العراقي ووصفه بأوصاف غاية بالتشنج والمبالغة.
طبعاً ليس هذا هو الموقف الوحيد الذي نجد أنفسنا فيه مضطرين لمعاتبة أعضاء برلماننا الموقر. فكثيراً ما امتلأت جلساتهم بالصياح والزئير وكثيراً ما تخللت مداخلاتهم ونقاشاتهم بعض العبارات التي لا تليق بمجلس ينعقد تحت قبة تمثل الشعب العراقي برمته. هذا فضلا عن تقصيرهم بتجاوز أكثر مشاكل المواطنين إلحاحاً.
قبل أيام جالست مفكراً عراقياً مهماً، وعاتبته كيف أنه مُقِلٌ بالنشر، من جهة، ومن جهة أهم كيف أنه لا يعالج من خلال كتاباته الملفات الساخنة والملحة في الثقافة العراقية. كنت أعتقد بأنه يفعل ذلك فقط طلباً للأمان وتجنباً للمناطق الساخنة من وعي الناس. لكنه أجابني وابتسامة حكيمة ترتسم على محياه: لقد كنت ثورياً فيما مضى من أيام حياتي، أما الآن فأنا لا أؤمن بالعمل الثوري وبالتالي لا أحب أن اركب صهوة الكتابة الثورية، وعلى كل حال علمتني التجارب بأن لا المجتمع ولا الإنسان يمكن أن يتغيرا بموقف حاد أو مقال ساخن. التغيير بحاجة دائماً للمشاريع التي تختمر بالعمل الدؤوب والإصرار الذي لا تهزه المعرقلات.
عندما أقارن بين هدوء هذا المفكر وهيجان مجلس النواب أتأكد بأن التجارب وحدها لا تستطيع ان تزرع الحكمة داخل النفس الإنسانية، ولذلك لا يتسنى لك أن تلتقي بالكثير من المفكرين أيام حياتك، بينما تغص هذه الحياة بالكثير من أصناف المهرجين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو