الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس الفتوى الدينية

رشيد طلحة

2008 / 9 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كل مرة يطلع علينا شيخ أو داعية أو أيا كان بفتوى ألطف من سابقتها، و كأن علماءنا الأجلاء اعتزلوا قضايا الأمة ودخلوا في سباق محموم لاختراع اطرف نكتة يمكن أن تنال شرف التقييد في سجل غينز للأرقام القياسية أو تروح عن نفوس الشعوب المهمومة المقهورة، و بدل أن يقول الشخص لصديقه ، وهو يمازحه، هل سمعت آخر نكتة يقول له هل سمعت أخر فتوة !
إن الوضعية التي آلت إليها الطبقة الدينية في الدول الإسلامية لتعبر عن عجز الفكر الديني المعاصر عن إنتاج علماء من طينة مالك و أبو حنيفة و البصري و غيرهم ممن أفنوا حياتهم في تحصيل العلم و المعرفة قصد الإجابة عن القضايا الدينية و الدنيوية التي كانت تشغل بال المسلمين في ذلك الوقت على قاعدة الاجتهاد لا الاقتصاد و كل ما أعرف أني لا أعرف شيئا.
فالنظام المتبع في تكوين العلماء في أغلبية الدول الإسلامية تقليدي في كل شيء، انطلاقا من طريقة حفظ القران في الألواح الخشبية المخطوطة بالصمغ إلى كيفية الجلوس لإلقاء الدروس في المساجد... كما أن العلوم المبرمجة في المعاهد الدينية تقتصر على اللغة العربية و العلوم الدينية ( الفقه – الحديث- و علوم القران) مما يبقيهم في معزل عن مسايرة التطور المستمر الذي تشهده التكنولوجيا الحديثة و العلوم الدقيقة (فيزياء و رياضيات و الحياءة...) و العلوم الاجتماعية من فلسفة و اقتصاد ...فيبدون غرباء في الكون.
ربما هذا الأمر مقصود، لان تلقين هذه العلوم، التي تعتمد على المنهج العلمي التجريبي، لا تحتاج في فرضياتها لعنصر الله أو الغيب، كما قال لابلاس لنابوليون حين شرح له نظام الكون، و من شأنه أن يربك العقول الصغيرة لعلمائنا إذا طلب منهم شرح مواضيع مثل أصل الخلق أو إثبات وجود الجن و الملائكة...
و ربما لأنهم مقتنعون بأن هذه العلوم المادية الوضعية، علم لا ينتفع به و يجمد حرارة الإيمان في القلوب و يشغل الدين بالدنيا ...و شعارهم في ذلك "من أراد الله به خيرا يفقهه في الدين" و ليس في الفيزياء أو الجيولوجيا.
فليس غريبا أن نسمع احدهم يفتي بتحريم التحدث عبر الهاتف كما فعل شيوخ السلفية الوهابية قديما حين حسبوه كلاما منقولا عن الجن أو بعدم جواز سماع القران من أجهزة الإذاعة كما خرج بها الأزهر في الأربعينات من القرن الماضي، و الأخطر من ذلك هو أن أحد أعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أصبح ينتج فتاوى من نوع خاص و هي محاربة أي اكتشاف علمي لا يتماشى مع قناعاته فهو يفتي بتحريم الاستنساخ و التوليد بالأنابيب و نقل الأعضاء ... و هو لا يفقه في أبجديات العلوم الطبيعية شيئا فما بالك بعلم الجينات مثلا.
و حين هاجم صدام الكويت و السعودية، سارع كبارهم للإفتاء بجواز الاستعانة بالكفار لمحاربة الفئة الباغية و قد كانوا مستعدين للتحالف مع الشيطان نفسه لولا لطف الله.
هؤلاء، الذين حاربوا الإذاعة و التلفزيون و اعتبروها أوثان تضل الناس و توقعهم في الشرك الأكبر و تلهيهم عن ذكر الله و إقامة الصلاة، أصبحوا الآن يطلقون عبرها فتاوى على الهواء مباشرة دون احترام للخصوصيات المرجعية و المذهبية لكل دولة، فاختلطت الأمور على الناس و بات المرء لا يدري أشيعي هو أم سني و بدل أن تتوضح له مسالة شرعية تزيد في عقله ضبابية و عتمة.
و لقد برزت، في الآونة الأخيرة، ظاهرة غريبة حول تهافت الفقهاء على البرامج الدينية التي تذيعها القنوات الفضائيات الخاصة بدعوى "الدعوة إلى الله" مسلحين بكل فنون الإثارة التلفزيونية لجذب اهتمام المتفرج و هم مقابل ذلك يتقاضون أجورا بآلاف الدولارات عن كل حلقة ناهيك عن حصصهم في بيع النسخ التي تعيد تسويقها تلك الفضائيات. كما لجؤوا الى فتح مواقع خاصة بهم في الانترنت لنشر فتاواهم ، و هم بذلك يستخدمون أحدث الوسائل التكنولوجية التي صنعها "الغرب الكافر" لنشر أفكارهم الظلامية التي أكل عليها الدهر و شرب.
لقد أصبحت الفتوى الدينية مستباحة لكل من هب و دب، وتم إفراغها من محتواها، و بدل أن توجه لحل المعضلات الكبرى التي تعاني منها الشعوب المقهورة من ارتفاع فاحش للأسعار و تسلط الحكام و نهب الثروات ... نجدها تنشغل بأتفه الأشياء و تفرخ في أجسامنا سموم الجهل و الانهزامية اللذان تحولا لسرطان ينخر في أدمغتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah