الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تكتب مقالا.

جعفر الغرابي

2008 / 9 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


اعلم ان المقال هو ما يتضمن موضوعا استدلاليا يحمل حقيقة مستوعبة ومؤدلجة عند الكاتب الذي يقوم بدوره في ايصالها الى القارى دون تعقيد او تعليل يقدح في اسلوب المقال,وقضية طرح الموضوع في المقال تستلزم امور عدة تسبق اهمية ونوع الموضوع ,الا وهي الملكة او القابلية على نقل فكرة ذهنية وانشائها بطريقة كتابية يكون بامكانها اقتحام ذهن القارى بغض النظر عن نوع الفكرة ومخالفتها من قبل البعض.فالمقال كما هو معروف يعبر بالضرورة عن راي الكاتب, وبما ان الراي ينطوي تحت عنوان شخصي وتجريبي فعلى الكاتب طرح المقال بصورة فكرية لابصورة راي خاص, لان الرؤية الفكرية تاخذ مجالا اوسع في القبول عند القراء لاسيما البسطاء والمخالفين. ويعتمد نقل الفكرة الذهنية الى المقال بالدرجة الاولى على فن المحاكاة الذي يحمله الكاتب والذي يعلب الدور الاهم في الكتابة ,وفن المحاكاة هو اسلوب نسخ الفكرة من الذهن الى الكتابة بصورة تكون ناقلة للموضوع بطريقة مبسطة تحمل مجملا كاملا للفكرة المصاغة ذهنيا ,وفي حال مطابقة الموضوع المكتوب لما في الذهن تكون قد تمت المرحلة الاولى والاساسية في المقال ,لذا يتوجب على الكاتب الابتعاد كامل البعد عن ايراد التناقض والتضاد داخل موضوعاته ,لان الاخير يسقط الموضوع من الاعتبار ولايضمن استحواذه على اي قبول , فالنسق الموضوعي والمُتزن في الفكرة هو الذي يحد من قيمتها ويؤمن صلاحية تقبلها لدى القراء


مكونات المقال

يتكون المقال من ثلاثة امور اساسية اولها الفكرة والاستدلال والاسلوب وتشكل هذه النقاط النمط او الصورة التي يظهر بها المقال,ومن اجل اظهار الموضوع بالصورة الابداعية والملفتة لذهن القارى يجب معاملة هذه المسائل بموازنة فنية من حيث المضمون والشكل والابداع,فلا يجب ان يكون المقال ناضجا من ناحية الاسلوب ومتهافتا من ناحية الفكرة او برهانيا من ناحية الاستدلال ورديئا من حيث الاسلوب وبالعكس, فكل الاساسيات الثلاثة التي ذكرناها تعتمد على بعضها البعض في قيمة التناسق والارتباط ,والملازمة بين افرادها ضرورية الى الحد الذي يعطي المقال الانطباع الذي يليق به,لذالك يجب مراعاة هذه الاساسيات بالمعيار المنتظم والنسق الصحيح ,وجعل الانسجام الطابع الذي يغلب عليها جميعا دون غياب اي واحد منها عن الاخر



الفكرة


تتميز الافكار بان لها خاصية التنوع والاختلاف النمطي من حيث الوجود والتوجه وهذا الاختلاف محاط ومُحدد دائما بالوضع الراهن الذي لابد وان يسوده فكر معين او قضية مختلف عليها و بالعكس,وانشاء فكرة معينة تدور حول ما هو مختلف عليه افضل من الكلام حول ما هو متفق عليه لان الكلام حول ما اتُفق عليه يُعتبر زائدا ولغوا فارغا لايرمي باي فائدة علمية ,لذا يجب النقاش والبحث في القضايا المختلف عليها خصوصا التي تحتوي على ثغرات قد يُطلق عليها بالغامضة او الشائكة سواء كانت تاريخية او علمية او سياسية الخ. علما ان تكوين فكرة خاصة عن موضوع ما يتطلب جهدا كبيرا للكاتب من ناحية الضلوع في الفكرة واستنباطها من الواقع الخارجي فيتوجب على الكاتب ان يكون صاحب ملكة قوية في اثارة فكرة معينة او استخراج اي موضوع ما وصياغته بالصورة العلمية الصحيحة, لان صياغة الفكرة بهذه الصورة هي التي تحدد نضوجها من حيث الدلالة ومن حيث المصداق,واحتواء الفكرة بالصورة الموضوعية يعطيها نصيبا كاملا في التوجه الذي يعتبر المكمل الحقيقي للفكرة.والملاحظة الاهم في هذا المطلب هو ان تحديد نوع الاستدلال والاسلوب مرتبط بحقيقة ونوع الفكرة,
فمن خلال الفكرة يتجه الاسلوب والاستدلال بالنحو المطرد الى القيمة التي حددتها الفكرة مسبقا وتتضح معانيها وابداعها من خلالهما .فاذا بُنيت الفكرة على النحو الردئ اتجه الاسلوب والاستدلال بنفس النحو,ولامجال للشك بعدم سقوط المقال بثلاثياته التي اشرنا اليها في حال سقوط الفكرة,اما من ناحية التوسع المنهجي للفكرة واحتواء الجوانب في التضمن فهو يعطي للفكرة رسوما اوضح وملامح اكبر للتوافق مع مدركات العقول بتنوعها ويعطي مجالات اوسع للفاهمة لأستيعاب مجمل الموضوع




الاستدلال

للاستدلال منهجا علميا خاصا يوفر له الخوض في جميع مشكلات الفكر والبحوث ونسبة صدورها نحو الحقائق والارتباطات الموضوعية ,وتوفير هذا المنهج داخل المقال او البحث بصورة عامة يشكل القاعدة الاساسية والضرورية له, علما ان هذا المنهج يتركب من ثلاثة امور كل واحدة منها ترتبط بخصوصيتها الضرورية واللزومية ,وقد يسعنا ان نطلق على هذا التكوين بالترابط الاسري ابتدائا بالعقلي ثم الاخباري ثم العلمي الطبيعي ,وتوكيل كل جهة من هذا الجهات الى ملزومها محصل عقليا او مستدل عليه بالعقل والتجربة.فالقضية اذا كانت مجردة كالرياضية او قياسية برهانية يكون في هذا الحال ارتباطها بالعقل مباشرة والحكم عليها اعتمادا على المسلمات او البديهيات كالامور الفطرية او القواعد الاساسية الثابتة مثل مبدأ عدم التناقض ,اما اذا كانت قضية البحث مرتبطة بقضايا تاريخية او نصية فليس هنا للقياس او البراهين الفلسفية اي دور بل يتشكل البحث وفق الترابط المعنوي بين النصوص وطرحها لما يقع في قبالها من نصوص تاريخية مسجلة او قضايا موثقة تورد كادلة للمُدعى المطروح في البحث.اما اذا كانت القضية تتعلق بالعلوم الطبيعية العامة كعلم النفس والجيولوجيا والوراثة فهنا لايتدخل القياس البرهاني الذي ذكرناه او النصوص الاخبارية بل يكون الاستدلال من خلال التجربة والمعايير العلمية في المكان الفيزيائي اي الواقع الخارجي.واريد ان اشير الى نقطة مهمة في هذا المجال وهي عدم مخالفة المنهج في المعايير المذكورة انفاً ,وفي حال حصول ذالك يستحيل الوصول الى دلائل صحيحة او معرفة يقينية,وعلى سبيل المثال انك لاتستطيع ان تحصر الامراض الجسمية من خلال العقل لانه هذا الامر مرتبط بالبحث العملي التجريبي ,وليس بامكانك ان تحكم على تاريخ معين من خلال العقل دون مراجعة الاخبار والتراث, لكن يمكنك ان تستغني عن هذين الامرين والاعتماد على العقل كما في حال الحكم على قضية تجريدية كالعلوم النظرية




الاسلوب

يلتزم الاسلوب باحتوائه وتصديره للفقرتين السابق ذكرهما وهما الفكرة والاستدلال ,وبهذه الثلاثيات يتشكل المقال بكامل اوجهه المطلوبة والمستوفية للموضوع,وحيث ان الاسلوب يعتبر الاداة الوحيدة المتوفرة بين الايدي لنقل المقال الى ذهن المتلقي فيوجب ذالك انطباق الاسلوب على صدى مضمونه وتخليه عن العلل القادحة والعبارات التي تعسر طريق التلقي للذهن,ومن اشكال هذه العلل هي تهافت الاسلوب في الطرح او استخدام العبارات الجارحة او البعد عن المقصود بحيث يكون الاسلوب مغايرا لما هو متصدر في الفكرة والاستدلال,او استخدام العبارات الهزيلة والركيكة المستوى وعلى سبيل المثال الالفاظ العامية ,وهذه الفقرة بالذات من الامور التي تطيح بكامل الموضوع عن الاعتبار والتقبل فضلا عن الاستيعاب, حتى ولو كانت مطروحة بأسلوب الكوميديا السوداء او من اجل معالجة قضية يصعب ايصالها الى ذهن القارى بمعنى اخر المحاكاة القريبة ,ومن الامور الاخرى تكرار العبارة او الكلمة والالحاح في الاحتجاج او الاتهام المكرر بالاضافة الى التركيز والتشبث بقضية على نحو المبالغة او الاسهاب في الكلام لايحتوي على معلومة او مفاد علمي او خبري,ولا يسعني هنا ذكر جميع العلل الا اني اكتفيت بأهمها معالجا اياها بالاختصار كون البقية لايمكن حصرها بسهولة وتحتاج الى فصل طويل وشرح مفصل,لكن يبقى الاهم هو مااشرت اليه من مسائل يتوجب على الكاتب تجنبها في كل مواضيعه.اما من ناحية اسلوب مُعتمد تتشكل على اساسه جميع الابحاث والكتابات بصورة عامة فهذا امر غير موجود بصفة مُوحدة بل انما يعتمد على اسلوب الكاتب ومنهجه في اختيار التعابير والالفاظ من اجل ايصال فكرته على النحو الايجابي



الخلاصة

لايتصور البعض انه في حال معرفة ودراسة الشروط التي ذكرناها يصبح من السهولة الخوض في البحوث الكتابية والمقالات بشتى انواعها,
ولكننا حاولنا قدر الامكان ايراد الشروط المهمة والاساسية في هذا المجال بغية الفائدة والانتفاع ,في حين ان المسألة تبقى معلقة ومنطلقة من خصوصيات الكاتب والملكة في انشاء الفكر وطرحه وفق مضامين ومعايير صحيحة,بالاضافة الى الاطلاع بالقضايا تطلعا يقترب من الاحاطة الكاملة على اقل تقدير ,والمثابرة في فهم المواضيع و نوع الدراسات المتوفرة بين يدي الكاتب بمعنى اخر الخلفية الثقافية التي يُستمد منها الايضاح والفكر المصاغ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة