الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفك ... المدينة الطيبة المظلومة

زهير كاظم عبود

2008 / 10 / 1
المجتمع المدني


العديد من الناس من لايعرف عطاء هذه المدينة الطيبة للعراق ، والعديد منهم من لايعرف عنها سوى المثل الشعبي الذي يشير للأسكافي الذي رحل عن المدينة بسبب فقر اهلها وكساد عمله ، وتأكيدا على أهمال المدينة في الزمن البائد ، فقد قررتها تلك الحكومات في العديد من الأزمان منافى للسياسيين والمبعدين ، وبالرغم من عطاء عفك الا أنها لم تجد ذلك الاهتمام الذي يليق بها وبأهلها الطيبين الكرماء ، ولم تترك تلك السلطات أثرا معماريا أو معملا أو معهدا دراسيا أو أثرا لها في مدينة عفك ، وعرفت بمقاومتها لسلطات الدكتاتورية والطغيان وتحملت الويل من جراء تلك المواقف .

تميزت المدينة بطيب أجواءها الفرات أوسطية حيث يقول الشاعر :

بيهه المريض يطيب ياعفج جنة قرنفل العاقول والسبخة حنة

تقع عفك جنوب شرق مدينة الديوانية التي تبعد عنها 30 كيلومتر ، تميز اهلها بالكرم والتمسك بالقيم والأصالة والنخوة والشهامة ، كما تميزت المدينة بعدد شهداء الحركة الوطنية من شبابها ، ودخلت التاريخ الحديث من خلال مشاركتها الفعالة في ثورة العشرين ، وتسكنها عشائر فراتية مشهود لها بالشجاعة والمواقف الوطنية ، عانت مدينة عفك من الظلم التاريخي ، فقد نسيتها الاقلام وتجاوزها التاريخ الحديث ، وهي تحتضن أعرق المدن التأريخية في الدنيا .

و العديد من الناس من لايعرف مدينة ( نيبور ) ،التي يسميها العامة ( مدينة نفر ) Nippur، العاصمة الدينية للسومريين والبابليين التي قامت مدينة عفك قرب أنقاضها وآثارها ، ونيبور الواقعة على مسافة 17 كيلومتر من عفك كانت تقع على الكتف الأيمن من شط الفرات قبل أن يتحول عنها النهر الى عفك الحالية ، حيث تفرق سكانها الى القرى المجاورة طلبا للزراعة والعمل ، ومدينة نيبور التي سكنها الاله أنليل ( أين ليل ) سيد الهواء والأجواء الذي أحدث الطوفان وزوجته نينليل ( نين ليل ) ، بالأضافة الى أنها كانت مقر الاله ( آنو ) الوارد ذكره في شريعة حمورابي الذي تسنم عرش بابل عام 1792 قبل الميلاد ، وكانت حدود بابل تصل الى مدينة نيبور ، من المدن المهمة في التاريخ القديم ، ويطلق علي سلالة أيسن التي قامت فيها ( إيشان بحريات ) التي تأسست عام 2017-1794 قبل الميلاد وأسسها إيشبي أيرا الذي احتل أور وضمها الى مملكته ، ثم سلالة لارسا ( السنكرة ) ومؤسسها نابلانوم ومن اهم ملوكها ريم سين الاول 1822-1763 قبل الميلاد ، والذي قضى على سلالة ايسن عام 1794 قبل الميلاد وقضى عليه حمورابي في سنة حكمه التاسعة وضم سلالته الى بابل .

وكان يتم تنصيب الملوك وتقديم القرابين في هذه المدينة التي تعاقبت عليها السلالات الحاكمة في الزمن البابلي القديم ( سلالة أيسن ولارسا وأشنونا الأولى والثانية ) ، أذ تتم جميع الطقوس التي ترافق عمليات التنصيب في معابدها الشهيرة ، وعلى يد رجال الدين فيها .

بالأضافة الى وجود مدينة ( أيسن ) ، وهي من المدن العراقية الموغلة في القدم، و تقع على مسافة ( 24 ) كم إلى الجنوب من مدينة عفك ومسافة ( 28 ) كم إلى الجنوب الغربي لمدينة نيبور .

خضعت نيبور فترة طويلة الى الحكم السومري ، كما خضعت في فترات لاحقة ومتباعدة لحكم الأكديين والبابليين والآشوريين ، وفي فترة أخرى احتلها الفرس ايضا لأهميتها الستراتيجية والدينية ، وكانت نيبور مدينة عظيمة وكبيرة تحتوي على معابد بقيت آثارها وبناياتها شاخصة حتى اليوم ، وكما تضم المدينة مقابر وبقايا قصور وبيوت وشوارع معبدة بالحجر ومرصوفة بالقار ، وتدل دلالة أكيدة على التطور الحضاري والعمراني الذي وصلته في تلك الفترة ، وبنتيجة التنقيبات الآثرية التي جرت أول مرة في العام 1889 م تم العثور على أول مكتبة في التأريخ بالأضافة الى أول صيدلية وملعب لكرة القدم ، وتم العثور على أحجار تضم كتابات ونقوش مهمة تشير الى التخطيط العمراني الدقيق والوضع الأقتصادي والتنظيم الأجتماعي لتلك المدينة ، ما يبدو مظهرا من مظاهر الرقي والتطور الذي كان في ذلك الزمان .

ولعل الزقورة المسماة ( آي- كور ) ومعناها البيت العالي التي تحتل تلا مرتفعا من المدينة أشارة يمكن للزائر مشاهدتها بالعين المجردة من مكان بعيد ، تشكل معلما بارزا من معالم تلك المدينة الكبيرة ، وتبرز للعيان وهي شامخة بين بناياها القديمة ، بالأضافة الى معبد ايكو الواضح المعالم على شكل برج متدرج الصعود ،

وتذكر كتب التاريخ القديم أن الملك اورنمو حاكم مدينة اور ومؤسس السلالة الثالثة فيها هو الذي شيد هذه الزقورة نحو عام 2050ق.م ثم رممها وجددها من جاء بعده حتى العهد الفرثي قبل الميلاد ، ويقع المعبد الرئيس بموازاة الضلع الشمالي للبرج. وتحت اسس ابراج مدخل معبد (ان انا) تم العثور على تماثيل الملك شولكي السبعة في صناديق من الاجر ، كما عثر على صندوقين تحت ابراج مداخل ساحة المعبد يتضمنان تمثالين من البرونز ارتفاعهما 33سم يمثلان الملك اورنمو ، بالإضافة الى عدد متناثر من المعابد الدينية في أركان المدينة ، كذلك وجد في مدينة نفر اقدم تقويم زراعي حيث يوجد فيه اقدم المعلومات عن طرق الزراعة والارواء التي كان يمارسها سكان العراق القدامى وصلت الينا موضحة في تقويم سومري عثر عليه في خرائب مدينة نيبور، وتذكر بعض الكتابات والبحوث ان الاوصاف التي ينطوي عليها هذا التقويم تدل على ان طرق الري والزراعة التي كانت تمارس في تلك الازمان لاتختلف في شيء عن طرق الري والزراعة التي يطبقها الفلاح العراقي في الوقت الحاضر ويشتمل هذا التقويم على نصائح وارشادات حول طريقة إدارة شؤون الزراعة وطريقة اعداد الارض وانجاز عملية الحرث وتنظيم الري في الحقول للحصول على اجود منتوج واوفر محصول . وقد دونت هذه الوثيقة على رقيم من الطين يتكون من 108 اسطر بالخط المسماري باللغة السومرية .

ولم تزل المخيلة الشعبية تنتج القصص والأساطير والخرافات حول مدينة نيبور ، حالها حال مدينة بابل ومدن آثرية أخرى ،لكن واقع الحال يخالف تلك القصص البعيدة عن منطق التاريخ والتطور ، الا انها في جميع الاحوال مدينة غبنها المؤرخون وتناساها رجال الآثار وقللت الحكومات من قيمتها التاريخية تعسفا ، مع انها تعد من أعظم مدن العالم القديمة ، ومن بين اكبر المدن الدينية في التاريخ العراقي القديم .

ولعل الحكومة العراقية الحالية ومنظمة اليونسكو العالمية والمؤسسات المهتمة بالتاريخ القديم تلتفت الى هذه المدينة الموغلة في القدم من خلال حملة تستعيد بها مدينة نيبور حقها وأستحقاقها ، مثلما يتم الأهتمام بمدينة عفك تلك المدينة الفراتية الكريمة والمعطاء .

وتنافس نيبور مدن كبيرة مثل بابل وآشور غير أن آثارها لم تزل مطمورة ، مع انها اكتسبت منذ الالف الثالث قبل الميلاد شهرتها . غير أن المدينة بقيت مهملة لم تشملها الرعاية والأهتمام الآثاري ، ولم تتوجه لها الأنظار لتحويلها الى معلم سياحي والأستفادة من تأريخها ومكانتها ، مثلما بقيت مدينة عفك تعاني من الأهمال والتهميش .

وتعاني مدينة نيبور من تعرض آثارها الى السرقة ، ولم تزل المدينة وتأريخها يشكلان حرقة في قلوب الحريصين على تأريخ بلاد مابين النهرين والعراق القديم والثروة الوطنية في الآثار المطمورة او المكتشفة ، ويتناخى أهلها لحمايتها وحراسة معالمها التأريخية لثقتهم العالية بأن الزمن والضمائر الحية كفيلة بأن تعيد للمدينة المذكورة ما تستحقة من الأهتمام لتصل بمصاف المدن الاثارية الكبرى في العالم .

تميز أهل عفك بحسهم الوطني والأجتماعي ، وتمكنت المدينة أن تعطي العراق نماذج حية وثمينة من الكفاءات والطاقات ، توزعت فوق جسد العراق وهاجر قسم منهم طلبا للأمان وتخلصا من حكم الدكتاتورية ، وبقيت عفك قضاءا تابعا لمحافظة الديوانية تتبعها ناحية آلبدير ونفر وسومر ، وتتميز بمناطق زراعية شاسعة لزراعة الحنطة والشعير يسقيها شط الدغارة المتفرع من شط الحلة .

وتذكر بعض الكتابات أن أسم مدينة عفك جاء نسبة الى شخص يدعى محمد العفاك ، استوطنها بعد أن هرب من أهله في الناصرية قبل حوالي 300 سنة على أثر ارتكابه جريمة قتل عن طريق الخطأ ، ويعزز تلك الكتابات ما أورده الحاج صلال الموح أحد كبار رجال ثورة العشرين وعضو مجلس الأعيان العراقي في العهد الملكي خلال مذكراته ، ويعد من أبرز المؤرخين وهو من أهالي ناحية سومر التابعة لقضاء عفك ولد عام 1869 ميلادية في ناحية سومر ( قلعة شخير سابقا).

وفي كل ألأحوال فأن واقع المدينة لايتناسب مع واقع أهلها وهي بحاجة للأهتمام والتخطيط ، وأن نعيد لها جزء من حقوقها في أن تهتم الدولة بها من جميع النواحي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان: موجة -عنصرية- ضد اللاجئين السوريين • فرانس 24


.. أزمة المهاجرين في تونس.. بين مخاوف التوطين واحترام حقوق الإن




.. استمرار الاحتجاجات في جامعات أميركية عدة رغم اعتقال المئات م


.. آلاف النازحين يناشدون العالم للتدخل قبل اجتياح إسرائيل مدينة




.. رفح الفلسطينية.. جيش الاحتلال يدعو النازحين إلى إخلائها مرة