الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوجد لدينا مختبر جديد لإبن الجزري؟!

رياض الأسدي

2008 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جلس ابن الجزري العالم الميكانيكي العباسي في العصر الثاني على باب داره (مختبره) البسيط باكيا نائحا، وهو يرقب العامة من الدهماء وقد حطمت آلاته الميكانيكية الأساسية في الري والبزل وتصعيد المياه، بعد أن حولتها إلى ركام أسود بدعاوى أنها من أعمال السحرة المارقين. ولم يسجل التاريخ طبعا أيا من (المشايخ) المتحجرين قد أفتى بذلك؟ فالأمر ليس مهما وقتذاك وما هو بذي شأن لأمة تقرب من لفظ أنفاسها الأخيرة. وابن الجزري لم يعد غير محاولة وذكرى في الكتب. محض ما كان. أما العالم (غي كي) وهو أول من طور ميكانيكا آلات النسيج فهو مسطر في مدارسنا باختراعه للمكوك الطائر: مسكين ابن الجزري الذي حاول أن يفكر فقط فلم ينل إلا النسيان، ولا احد يذكره من قريب أو بعيد. مهمش في عصره قبل اختراع التهميش. ومنذ أن طارده العامة ووصفوه بأشنع الصفات وربما شمله (تعزير) المشايخ أيضا. من يدري ما الذي حدث لأبن الجزري حقا.
كانت قضية الحضارة والتقدم هي الشغل الشاغل للمسلمين منذ البداية بعد أن احتكوا بالحضارات العالمية اليونانية والفارسية والهندية. ولم يكونوا بالطبع كما يحاول أن (يصورهم) بعض المستشرقين مجرد مترجمين سيئين لما كانت عليه البشرية من التقدم والحضارة؛ بل كانوا صناع مهرة فيها أيضا، وهذا ما يقرّ به جميع المنصفين. هكذا بقيت قضية الحضارة والتقدم مسألة مطروحة في صلب الفكر العربي الإسلامي منذ عهد ابن الجزري. بيد أن مقياس الحضارة والتقدم كان غائبا طبعا. ثم جاء الغربيون في القرن التاسع عشر ليضعوا مقاييس الحضارة والتقدم للناس فكانت الطاقة هي المقياس الأول.
لا يمكن قياس حجم تقدم وحضارة الشعوب والأمم بمدى استهلاكها للطاقة وحدها. لقد اصطلح علماء الاقتصاد في القرن التاسع عشر على كمية استهلاك الأمة للفحم الحجري مقياسا لتطورها الكمي والنوعي. ثم ما برح المقياس أن انتقل من جديد إلى كمية استهلاك النفط باعتباره مصدر الطاقة البديل، وها نحن نعود كرة أخرى لبحث عن مصدر جديد في الميثانول أو الرياح أو الطاقة الشمسية.. ولم يخرج المعيار عموما عن مفاهيم الماديات طبعا. هكذا هو معيار الغرب للتقدم والحضارة. أما الشرق فلا معيار له طبعا، ولم نسمع بأي معيار مادي أو معنوي أعتمده، وربما لن نسمع قط. لأن قضية الحضارة والتقدم ليست موضوعة على أجندته إلى الوقت الحاضر وخاصة منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد المنطقة العربية، وبالتحديد الممل: العراق العظيم!!
وبعد مدة من الزمن الصعب أصبح المقياس علميا جدا؛ حيث تقاس حضارة وتقدم أي شعب بالمخزون العلمي الكامن في عقول أبنائه. فتباهت كوريا الجنوبية - على سبيل المثال – بأن نسبة الحاصلين على شهادة جامعية من سكانها قد جاز40% ؟! من حقّ كوريا أن تفخر بذلك طبعا ما دامت الجامعات مسخرة لخدمة المجتمع والحضارة والتقدم. أما نحن في العراق فلا ادري الطريقة المثلى التي سخرنا بها جامعاتنا ومعاهدنا المريضة، ولخدمة من؟؟ وأي مقياسٍ اتخذناه لقياس تقدمنا وحضارتنا..؟
ربما يكون مقياس (النهب) لأكبر مقدار ممكن من المال العام هو المعيار الأمثل للتقدم والحضارة لدينا: وأنهب وأشلع! ولم لا، فقد سجل العراق وبفخر الدرجة الثانية في العالم بعد الصومال الفاقد للدولة منذ عام 1992 في نسبة الفساد الإداري والمالي حسب تقرير الشفافية الدولية الأخير المكون من (170) دولة بالتمام والكمال ولتحتل إحدى الدول الأسكندنافية المرتبة الأخيرة طبعا. وأن مسؤول النزاهة - بجلالة قدره!- في العراق نفسه قد هرب بجلده إلى أمريكا! القاضي راضي حمزة الراضي وبديله - على خط الدك!!- حيث استضافه الكونغرس الأميركي مؤخرا السيد الراضي ولا ندري متى يستضيف بديله!! و..لا تعليق!! هللي (فطيم) حصلنا على كأس المرتبة الثانية عالميا في السرقة والنهب لمال الشعب العام!
فلماذا نحن في هذا الدرك الأسفل من الفساد العام واللاتقدم واللاحضارة واللانزاهة واللاامن أولا؟ ولم غاب عنا المقياس والقانون الصحيح في الحياة؟ بالطبع سيجيب عن هذه الأسئلة أصحاب الألسن القصيرة - من أمثالي! - ليبرروا الأوضاع السيئة بما هو أسوأ منها وليجملوا القبح القديم والجديد! وسنقول: السبب يكمن في النظام السياسي السابق في العراق؛ هو الذي جعلنا في هذا الدرك الأسفل من التخلف والعمى!! يا للنظام السياسي السابق الذي بدأنا نعلق على شماعته الكالحة جميع أخطاءنا وكلّ تراجعاتنا..
لم يعد الأمر مقبولا أن نحوله إلى أداة قائمة بعد خمس سنوات من سقوطه على الإطلاق، فقد أضحى النظام السابق في هامش التاريخ ولا يجوز بعد ذلك أن نحيل كل معضلة أو مشكلة تواجهنا إلى سؤ إدارته أو دكتاتوريته. علينا إن كنا امة حية أن نواجه مشاكلنا بأنفسنا وأن نترك التبريرات والتأويلات التاريخية إلى الأبد. فنأتي إلى صلب مشاكلنا مباشرة بلا لفّ أو دوران. ألا يمكن أن نعود لنبني مختبرا جديدا لابن الجزري؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 72-Al-Aanaam


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد


.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس




.. قوات الاحتلال تمنع الشبان من الدخول إلى المسجد الأقصى لأداء