الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل الدين عن الدولة ضرورة لا بد منها لقيام مجتمع مدني حديث في العراق

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2004 / 2 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم تقم المجتمعات الغربية بفصل الدين عن الدولة بطرا أو للنزهة ، بل قامت بذلك بعد مئات السنين من تجريب الدين و  بعد التوصل إلى قناعة راسخة بأن تدخل الدين و سدنته في السياسة و شؤون الحكم يشكل  كبحا لقوى التقدم و يعد  عامل تفريق و اظلام و تعصب . و اصبح الناس ينظرون  إلى المنبر الديني على أنه عدو- وهو حقا كذلك إن كان له زمام الحكم- ، و ليس منبرا بين منابر التعبير ، و الحوار و تبادل الرأي. و قد دعا كثير من  المفكرين في الشرق أيضا ، في فترات النهضة الفكرية ، و من بينهم رجال مسلمون متنورون بأنه لا بد من فصل الدين عن الدولة لتسير الحياة قدما ، وتتقدم مجتمعات المسلمين.  و قد استعار مفكرو الثورة الدستورية في ايران " المشروطة" العام 1904 وكانوا رجال دين أفاضل من امثال آية الله طباطبائي ،  الكثير من أفكارهم من الغرب  ،  و ضمنها القانون الأساسي النمساوي  ، دستورا للحكم في ايران  و قد كان لثورة المشروطة تأثيرا و تأثرا متبادلين في  رجال الدين في العراق ،    و أتذكر جيدا حين  سادت عبارة في فترات المد اليساري و التي هي عبارة عن " الدين لله و الوطن للجميع" ، والمقصود منها كان واضحا ، و كان يعني بها المرء ضمن ما يعنيه أنه   يجب ترك الجوامع و المساجد و الكنائس و الكنيس  و شأنها طالما اقتصرت على الأمور الروحية.
 و يعني قانون الفصل الحياد الصارم فيما يتعلق بالشؤون الدينية، فالدولة عليها ألا تسمح بالدعوة لأي دين في المؤسسات الرسمية و التعليمية و الأبنية  العامة ، ولم يعد من واجب الدولة الدعوة إلى دين معين أو تفضيل اتباعه عن غيرهم
. و كان شهادة على أن بنات و أبناء  المجتمع العراقي واعون ، وأنهم مناضلون في سبيل التقدم و العيش في مجتمع إنساني خال من الاضطهاد و التمييز الطبقي و الديني و الجنسي .
كذلك نرى نتيخة أخرى من سياسة فصل الدين عن الدولة في العالم الغربي ، ألا  هي حرية ممارسة العقيدة لجميع الأديان و الطوائف . و كذلك حرية الدعوة و التبشير للجميع. و لذلك نرى في الغرب الكثيرين ممن يغيرون دينهم إلى الأديان الشرقية  ( هندوسية أو بوذية) و كذلك إلى الإسلام أو إلى الأديان الأوروبية ـ الوثنية  ،  أو إلى الأديان الأفريقية الطوطمية ، أو  الأديان المبتدعة ( سانتيولوجي ، نيو ايج)  ، ناهيك عن عدد هائل من الطوائف المسيحية الحديثة و شهود يهوه و  المعمدانيين  و سواها.
فالمجتمع العراقي المتنوع في أديانه و طوائفه و عقائد أبنائه لو سادت فيه شريعة أو شرائع معينة و جعلت  مصدر تشريع و قانون ، فلن يجني منها سوى الكوارث و النكبات و لن  تستبعد حتي الحرب الأهلية .
و أنه في عالم غير متزمت و منفتح و لايستخدم الحرب و سلطة الدولة لنشر الأديان ، تسود روح السماح و الأخوة بين أبناء المجتمع و  نري العقائدالمختلفة  تخرج من جميع ثنايا المجتمع ، ونرى الناس تختار عقائدها بحيث تشبع رغباتها و آمالها و تتجنب القلق و الخوف.  ففي المجتمع الانساني و العلماني المتسامح يكون الإنسان في أمن وأمان ، و لا يحرم حتى من التمتع بالخيال و الأساطير . فالإنسان بحاجة إلى الأساطير ، وليس من الممكن حرمانه منها بشكل كامل . و لكن يمكن استبدال أسطورة بأخرى . و كذلك من الممكن زيادة تقبله لأساطير الآخرين ، بحيث لا تقتلهم إذا لم تتطابق مع اسطورته الخاصة. و كذلك الملحد أيضا يمارس طقوسه التي يؤمن بها ، و يكون له دينه الذي هو الإلحاد ، و لكنه مثل بقية المءمنين بالأديان الأخرى لا يوظف دينه لحل مشاكل المواطن و المجتمع.  فالمجتمع العلماني  الناتج عن فصل الدين عن الدولة يدعو إلى تحييد الدولة عن الشأن الديني و يتم فيه  نقل الدين من الحيز العام إلى الحيز الخاص، وإبعاد الميتافيزيقيا عن قراءة مصالح الناس لصالح القراءات الوظيفية لها. و يجب التأكيد هنا أن النظام البعثي المقبور لم يكن علمانيا، بل وظف العلمانية ، مثلها مثل المذاهب و التناحر بينها و اللعب على حبل الخلافات بينها، في سبيل إطالة عمر سلطته الفاشية . فالفاشية و النازية  أيضا لا يمكن أن تكون علمانية بالمعنى النزية للكلمة ، و كان هتلر ينحاز إلى الكاثوليكية و يذبح المنسوبين إلى مخالفيها. 
فليست مفارقة   أن العلمانية  التي ننشدها لمجتمعنا  لن تكون معادية للدين و لن  تنكر القيم الدينية سواء الوضعية  منها أو السماوية ، بل ستقاوم   أساسا  أية مؤسسة دينية  فكرية تحارب حرية الفكر و تعرقل تطور العلم و الإبداع الحر . فالمجتمع العلماني يسمح للفرد بالتطور و التقدم ، ويحول دون تدخل الدين و المذهب في شؤونه الخاصة من مأكل ومشرب و علاقات عائلية و جنسية .
و أنه لكي تكون القوى المناضلة في سبيل مجتمع علماني خال من  تدخل الأديان و المذاهب في شؤونه وشؤون أفراده ، ذات تأثير بالغ في الأحداث و يكون لها حضورا فعالا في الساحة الساسية العراقية ، وتعبئة بنات وأبناء الشعب بالوعي العلماني و أسس المدنية و الحضارة الإنسانية  ، أدعوها للتجمع في ائتلاف تقدمي مدني ببلاتفورم واضح يبين لها خطة عملها و ستراتيجها  ، و  تستبعد عنها كل القوى و العناصر المنافقة و الوصولية من قوميين  -  و خصوصا المندسين في اليسار-  و سلفيين عن ميدان نضالها . 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال




.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |


.. 80-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت