الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختطاف العلمانية

سامر خير احمد

2004 / 2 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في دنيا العرب، حيث لا يسمح المجتمع بالحرية الفكرية الكاملة (تماما كما لا تسمح السلطات بالحرية السياسية الكاملة)، يضطر بعض الذين يحملون افكارا مغايرة لما هو سائد بين الناس ويخشون - في الوقت نفسه - الصدام مع "المجتمع" الى المواربة وتدوير الزوايا في طرح افكارهم بحيث لا يصلون نقطة الصدام تلك. ان هذا النوع من السلوك يحفظ لهم السلامة غير انه لا يتيح لهم تقديم افكارهم كما هي والدعوة لها علنا، ما يجعلهم - في المحصلة - يقدمون فكرا غير فكرهم ويحرفون الافكار التي يتبنونها في العلن وفي السر على حد سواء.
أسطع مثال عربي على ذلك هو اختطاف العلمانية من قبل غير المؤمنين؛ أي الملحدين، الذين يقدمون انفسهم للناس وللحياة الفكرية باعتبارهم «علمانيين» خشية الصدام مع «المجتمع» الذي لا يتسامح مع الالحاد، ما أدى في المحصلة الى تحريف العلمانية وتقديمها باعتبارها الالحاد نفسه. هؤلاء الملحدون (الذين هم بالطبع أحرار في الحادهم وفي قناعاتهم –أو هكذا يفترض!) لم يقدموا افكارهم كما هي من جهة، وافسدوا فكرة العلمانية من جهة ثانية، وحرموا هذه المجتمعات العربية التي تعيش ليلها البهيم من ما يخدم انفتاحها الفكري، من جهة ثالثة.
لقد باتت العلمانية تعني في الفهم العربي السائد مناهضة الاسلام، وهكذا فاذا كان من يسمون الاسلاميين المتطرفين قد افسدوا علينا ديننا، فان هؤلاء العلمانيين المزيفين، قد افسدوا علينا دنيانا.
لسنا في حاجة لتبيان عدم تعارض الاسلام مع العلمانية الحقيقية، على اهمية هذه المهمة فالاسلام دين الحرية العقدية والفكرية، اما مسألة "ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه"، فذلك عند الله، وليس على الارض من هو ظل الله او بيده امر الله. واذا كان بعض المسلمين يشتغلون في انكار فكر الاخرين واجبارهم على تغيير ذلك الفكر، فهؤلاء مسلمون مزيفون، اما الذين يصرون على ان هؤلاء يمثلون الاسلام المتعارض مع الحرية العلمانية فانما هم العلمانيون المزيفون الذين يفهمون العلمانية على انها اجبار الناس على الالحاد تماما كما فهم المسلمون المزيفون الاسلام على انه اجبار الناس على الايمان!
هكذا يتضح ان هذين الطرفين المزيفين انما ينطلقان من قاعدة واحدة هي قمع الحرية الفكرية، وهي قاعدة تتضمن الادعاء بامتلاك الحقيقة واتهام الطرف الاخر بالخطأ المطلق والتفاهة الفكرية، ومثل هذه القاعدة تتعارض مع كل من الاسلام الحقيقي والعلمانية الحقيقية، لانها تنفي غاية كل من الاسلام والعلمانية وتفرغهما من النبل الفكري والسياسي الاجتماعي، وعليه فان المشكلة لا تكمن في العلمانية ولا في الاسلام وانما في عقلية الذين يتحدثون باسمهما، وهي ذاتها العقلية المسؤولة عن هذا التخلف الحضاري كله الذي يعيشه العرب: فكريا وسياسيا وعلميا.
المسلمون المزيفون يمثلون غالبية «المجتمع» وهذه مشكلة كبيرة، غير ان العلمانيين المزيفين يمثلون غالبية المتحدثين باسم العلمانية، ما يعني ضرورة تحرير العلمانية الحقيقية من حالة الاختطاف التي تعيشها وتقديمها كما هي: وسيلة للحرية في التفكير والممارسة، واداة لتحقيق الغايات النبيلة في المساواة والنهضة وتكريس مكارم الاخلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يدمر كنائس المسيحيين في السودان ويعتدي عليهم؟ | الأخبار


.. عظة الأحد - القس تواضروس بديع: رسالة لأولادنا وبناتنا قرب من




.. 114-Al-Baqarah


.. 120-Al-Baqarah




.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم