الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإقصاء الديمقراطي لتداول السلطة

سعيد موسى

2008 / 10 / 17
المجتمع المدني


((مابين السطور))

فرق شاسع مابين التمني والواقع, تماما كالمسافة بين الممكن والمستحيل,هوة سحيقة بين التفرد والشراكة,تماما كما الحيز بين الحقيقة والوهم, هين ذلك الخلاف عندما يكون جرحا سطحيا, يزداد تعقيدا كلما غار الجرح إلى عمق الايدولوجيا السياسية, ما أيسر الدعوة للوفاق وما أجمل دعوات الاتفاق,إنها أشبه بنظم الشعر,والغوص في أعماق جمال وطبيعة الخيال, وليس أجمل وأثمن من مقولة المصارحة قبل المصالحة, وفي حالتنا الفلسطينية, وما وصلنا أو أوصلنا أنفسنا إليه من واقع ونسيج وطني مهلهل, بأمس الحاجة إلى مصالحة مع الذات أولا , ومن ثم مصارحة الغير الوطني بحقيقة المعادلة مهما تخللها من الآم وتبددت معها الآمال, وأسوء مافي الواقع الأيدلوجي السياسي الحزبي لدينا, هو إظهار عكس مايبطن الآخر كما يسميها البعض الخبيث"تقية", لان المشهد المعقد والصعب ليس بحاجة إلى سبر أغوار النوايا السياسية والوطنية, كي نتلمس الحقائق, فالمعطيات الوطنية ليست بحاجة لخبراء تحليل كي نشخص الجرح, فالتناقض بين النظرية"الشعار" والممارسة"السلوك" كفيلة بدحض كل التمنيات الرومانسية الوطنية, لتشكل إجابة بصوت مسموع ورؤيا واضحة, يدعي البعض أنها ضبابية, أو ربما يتعمد البعض الآخر بتقديمها في إطار توافقي , في حين أن الحشوة الوطنية"المضمون" ليس اقل تنافرا من قطبي المغناطيس رغم وحدة المعدن, وشتان بين تنافر الجماد وتنافر الجسد الوطني,فالتنافر الأول توزيع وظيفي ذو فائدة عظيمة, والتنافر الثاني لافائدة تتخلله بل يتمخض عنه استقطاب وجاذبية تنافرية خطيرة.


لست متطيرا لكي أفرط في التفاؤل أو التشاؤم, حول مايمكن أن ينتج عن حوار القاهرة في محاولة من مصر الشقيقة, لرأب الصدع الفلسطيني, ولا اعتقد أن هناك إنسان لدية ذرة من الشرف لا يتمنى أن تشرق شمس تزف فيها بشرى التوافق بين الفرقاء, ووقف الاستنزاف المدمر على حياة الإنسان الفلسطيني وعلى مستقبل القضية الفلسطينية, لكن حري بنا أن نقول مالم يريد شعراء السياسة نظمه, خاصة وان الصراع دائر على السلطة بين قطبي التحزب السياسي"فتح وحماس" وان أيدلوجيا الشراكة السياسة ليست أكثر من شعار, بل حقيقة الحقائق, وشمس تبدد الظلام, ألخصها في جملة واحدة, هي في واقع سمفوية الديمقراطية التي يتغنى بها الجميع دون استثناء, إن التقاسم والشراكة بين الفرقاء في السلطة ماهي إلا ضربا من ضروب الوهم والخيال, والإقصاء والتفرد في إطار دمقرطة الشعار هي واقع حتمي لامفر منه, فلا تصور ولا قناعة باتت أكثر من شعار تقية للشراكة السلطوية, فلن يقبل أي من الخصوم السياسيون أن يساس بواسطة الخصم الآخر هذه حقيقة سواء أردنا أو لم نرد فهذا هو الواقع, وسواء اظهر الفرقاء أم أبطنوا فان الهدف هو إقصاء الآخر, وأفضل حالات الإقصاء صندوق الانتخابات, وأسوء مشاهد الإقصاء إشهار السيف والبندقية في غير وجهتها, ولا حاجة لنا بالتفاصيل حول تداعيات الانحراف عن تلك الوجهة, والصعوبة في تدارك وعلاج آثارها.


حوار القاهرة شيء رائع, ولا اعتقد أن شيء سيتمخض عنه ليقال انه ناجح, أكثر من إحداث اختراق في سفينة رست في عرض البحر, ولم تبلغ الموانئ المفترضة, ولست هنا في معرض سرد الأسباب والمسببات والتي لاتحتاج إلى مزيد من الثرثرة والإعجاز, بل ذلك الاختراق لتحريك السفينة الوطنية من مبارحة مكانها صوب ميناء الإقصاء الديمقراطي لهو لدى مشرع الحوار عين الانجاز, وهذا ليس بدا في المبادرة بل هو الهدف دون مواربة أو انحياز, فلا حاجة لخشية من فشل أو تأرجح الحوار, بسبب المماطلات والمناورات, بل الحاجة للمصارحة العملية هي أعلى مراتب المسئولية, وان هدف الخصوم إقصاء سلطوي أكثر من شعار المشاركة, وهذا بعيدا عن المحرمات السياسية, لايتم إلا بالتوافق على قبول التحدي الديمقراطي, لعملية الإقصاء الديمقراطي وتداول السلطة بتفرد هو في عمق أيدلوجيات الخصوم ولا مواربة في هذا.


ولا اعتقد انه من المفيد أن يذهب المختصمون إلى القاهرة, وفي نيتهم أو في نية احدهم, مجرد إلقاء كرة تعطيل الحوار والمصالحة في ملعب الآخر, بل من الأجدى والأجدر أن يصل الجميع لقناعة مفادها الإقصاء الديمقراطي الحميد والمقرر هي الجماهير, خاصة بعد كل ماوصلنا إليه من كوارث وطنية وحصار جحيمي جائر, ولعب صهيوني وإقليمي على التناقضات, لتأكيد أو تراجع الجماهير عن خيارها الديمقراطي, وبالتالي تدار عجلة الفعل السياسي الوطني انطلاقا من حوار القاهرة كأداة وليس كهدف, للتوجه بعد مصارحة ومصالحة لجماهير صاحبة السلطة الحقيقية لتقول كلمتها من جديد ولاعيب في ذلك التوجه, بل حوار القاهرة مجدي في وضع آليات لمعالجة وتدارك الانهيار والانقسام ووضع تصورات ومخططات قابلة للتنفيذ من اجل علاج التداعيات, ووقف نزيف ذلك الانهيار والانقسام والكفر عناد.


قد لايتفق معي البعض, ويعتقد أن المخرج لازمتنا الوطنية, ستأتي من خارج هذا الإطار, وان حلا سحريا سيهبط من القارة الإفريقية صوب القارة الآسيوية, من القاهرة لفلسطين, وأخشى أن تكون المناورة مجرد تربص بالآخر, والدفع باتجاه جعل القيادة المصرية تتحامل على هذا الطرف أو ذاك, من خلال إدارة لعبة تحميل المسئولية على من سيتقرر بأنه يعطل الحوار, ويكون هذا هو الهدف الأساسي الخفي وليس تنازلات حقيقية من اجل وضع نهاية للوضع المأساوي الفلسطيني وبالتالي ترسيخ الانقسام, ولعلي لم أبالغ عندما صرخت حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية بأنها تتعرض إلى مؤامرة إقصاء مبرمجة, فأجبت حينها في مقالة بعنوان"المؤامرة في الإبقاء وليس في الإقصاء" واعتقد أن الوضع الداخلي المعقد اظهر هذا المفهوم جليا, لكن للأسف مازال البعض لايريد أن يفهم إلا مايحلو له, بعيدا عن ثوابت اللعبة الديمقراطية المحكومة باستحقاقات دولية, حيث وصلت اللعبة الديمقراطية إلى طريق مغلق بسبب التنكر لتلك الاستحقاقات الخارجية ومن ثم الانغلاق بعناد على الذات, وتصدير الأزمة مع العدو الحقيقي الخارجي, إلى الخصم الوطني الداخلي, لندور في دائرة دموية وكارثية مغلقة مابين الانغلاق الخارجي والتفرد الداخلي وإقصاء الذات عن خارطة اللعبة الديمقراطية بمفهومها الشامل الخارجي والداخلي, وليس حصرها في مجرد إرادة الشعب واختياره, بل نقص تلك المعادلة شقها الآخر باستحقاقات سياسية دولية تتعلق بعملية التسوية والمسار السلمي الذي سمح بتلك اللعبة الديمقراطية, ولعلي هنا أتوقف عند دعوة البعض حول حل السلطة الفلسطينية فيما لو فشل الحوار وتناقضه مع ذاته عند إنكار أن تلك السلطة بأنها إفراز أوسلو دون مواربة, والتغني بأنها خيار الشعب فقط دون تناول شقها الآخر الذي أتاح للشعب ذلك الخيار ليتم الإعلان عن ميلاد سلطة, فكيف إذن يقال أن السلطة إفراز شعبي وفي نفس الوقت يتم الدعوة لحل السلطة, وهذا مفاده دون أن يعي الداعي ماذا يقول, العودة للشعب أو إسقاط خياره بحل السلطة.


وفي المحصلة سواء اتفق معي البعض أو اختلف, فلا أخال احد بينه وبين ذاته على اقل تقدير, سينكر أن المطلوب وبشكل ديمقراطي عملية إقصاء لا عملية شراكة, لأنه بالمختصر المفيد يصعب إذابة الأيدلوجيات السياسية المتنافرة, ليس لاستحالة الدمج الوطني, وإنما لصعوبة اتخاذ قرار فلسطيني الهوية, وليس حوار القاهرة وما ينتظر من نتائج له, سوى إعداد مسبق لأرضية الإقصاء القادم بواسطة الأدوات الديمقراطية, ولعلي كتبت في ذلك حول تقنين الوضع القائم أو تغييره وذلك بقبول تحدي العودة إلى جماهير هي صاحبة السلطة الحقيقية, تهبها لمن تريد وتنزعها عمن تريد, ولا يخشى من تلك العودة إلا من تغيرت ثوابته التي قدم نفسه بناء عليها كبرامج سياسية للجماهير, وربما الأجواء الأولية لحوار القاهرة, تنطق بأيدلوجية الإقصاء اللامنطقي للمجموع الفصائلي الوطني, ومحاولة الصعود الثنائي على حلبة التقاسم السلطوي بين قطبي التنافر, وهذا بحد ذاته إقصاء شامل على طريق الإقصاء النهائي, لذا وحتى لو حدث وفاق وحلول وسط فماهي سوى تمهيد لعملية إقصاء بالتراضي وفق سقف زمني محدد, وأي خروج عن أصول هذه اللعبة يعني القضاء على أصول اللعبة الديمقراطية, والعمل على إبادة الخيار الجماهيري"الانتخابات" حيث الإقصاء الديمقراطي, وبقاء الوطن مقسم وذلك خشية من جماهير ليس معنى صمتها رضا ولا تذمرها استسلام للوضع المأساوي الوطني, وان كان البديل لامفر هو الإقصاء الديمقراطي, طالما وصل الجميع بمستوى الوفاق الوطني الداخلي إلى طريق مسدود, وبمستوى التوافق الدولي الخارجي إلى حصار ضبابي الأفق, فيكون الإقصاء الديمقراطي اقصر الطرق إلى الخروج من عنق الزجاجة, فإما يعيد الشعب تأكيده على خياره, أو يساعد الآخر بإيجاد مبررات الإقصاء , عندها يكون الخيار مابين الإقصاء والإبقاء خيارا ثابتا, صوب إطلاق الحرية لمزيد من العمل السياسي, أو إعلانها ثورة وانتفاضة بل وانقلابا على كل ماهو سلطوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. South Korea must do more to support LGBTI rights and legalis


.. اعتقال سوري هاجم السفارة الإسرائيلية بزجاجة مولوتوف في بوخار




.. جدل في العراق عقب إعلان الأمم المتحدة إنهاء مهمة (يونامي) نه


.. الإعلام الحكومي: توقف المساعدات يعني حكما بالإعدام على سكان




.. الأونروا: التهجير القسري دفع نحو مليون شخص للفرار من رفح| #ا