الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوهابية حركة سياسية وظفت الديني

عبدالحكيم الفيتوري

2008 / 10 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ذكرت في المقال السابق أنه تم الاتفاق بين رجل القلم(ابن عبدالوهاب) ورجل السيف(سلطة آل سعود) في ظل ما يسمى بالخلافة التركية الإسلامية !! مما يعني عند العقل التقليدي منازعة السلطة الشرعية في ولايتها على العباد والبلاد ، لأن ولاية الخليفة أو السلطان التركي انعقدت بإجماع فقهاء الأمصار ؛ هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن هذا الاتفاق الذي تم بين بن عبدالوهاب وآل سعود،صار بمثابة إعلان الحرب على سلطة سلطان آل عثمان التركي،فإن هذا الأول سوف يهرع إلى مفهوم الإجماع سهل الاستغلال والتوظيف من طرفه ضد إجماع فقهاء الأمصار على ولاية آل عثمان،وهذا الأجماع هو ولاية المتغلب الذي كرسه ابن تيمية وابن جماعة وقبلهما الجويني،حتى ولو كان هذا الاجماع من عالم واحد !!


تلك صورة لمحاولة ابن عبدالوهاب تأكيد منزلته ونفوذه المعرفي،خاصة بعد أن انتبه إلى العواقب السلبية لعدم وجود رجل السيف في حماية دعوته فقد(صار في الدرعية،عند محمد بن سعود،وأولاده،وإخوانه، وبعض الاعيان من جماعته فصار لهم قبول لهذه الدعوة،فصبروا على عداوة الناس،والكل قصدهم بالحرب،فثبتهم الله على قلتهم وكثرة من خالفهم ،وقتل من قتل من أعيانهم ،فصبروا وصارت الحرب بينهم سجالا).(الدرر السنة في الأجوبة النجدية)،ونلحظ استدعائه الاجماع على ولاية المتغلب صاحب السيف لإضفاء الشرعية على سلطة آل سعود، وقتال واستباحة المخالف لهم،(الدم الدم .. الهدم الهدم ..ولعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها !!) حيث قال ابن عبدالوهاب(الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان،له حكم الإمام في جميع الأشياء،ولولا هذا ما استقامت الدنيا)(الدرر السنية(*).على الرغم من أن الإجماع الذي اعتمده ابن عبدالوهاب في إضفاء الشرعية على ولاية آل سعود كان إجماعا فرديا شخصيا؛أي تم ببيعة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب لوحده للأمير محمد آل سعود !!

وبذلك يتبين كيف حاول ابن عبدالوهاب أن يحرر رجل السيف من مفهوم علمي بدأ يتبلور منذ وقت مبكر،الا وهو مفهوم الاجماع،الذي يفرغه من كل سلطة ملزمة ينسبها له العلماء ويذعن لها سياسيا واجتماعيا ودينيا !! وبذلك يصبح رجل السيف مالكا للسلطة السياسية والسلطة العلمية في آن واحد،ولا غرابة في هذا ما دام ابن تيمية قد قرر ذلك وكرس هذا المفهوم،وإذا تحقق هذا في رجل السلطة فما المانع أن يستأثر برايه ويفرض اجتهاده على كل اجتهاد آخر؟! أليس حكم الحاكم يرفع الخلاف ؟!

ذلك هو المنطلق الإديولوجي لمشروع ابن عبدالوهاب حول تنظيم دولة آل سعود الوليدة !!يقول ابن عبدالوهاب:(وبعد يجيئنا من العلوم،أنه يقع بين أهل الدين والأمير بعض الحرشة،وهذا شيء ما يستقيم عليه دين،والدين هو الحب في الله والبغض فيه،فإن كان الأمير ما يجعل بطانته أهل الدين،صار بطانته أهل الشر؛وأهل الدين عليهم جمع الناس على أميرهم،والتغاضي عن زلته، وهذا أمر لا بد منه من أهل الدين،يتغاضون عن أميرهم،وكذلك الأمير يتغاضى عنهم ..).(الدرر السنية)

ومعنى هذا أن منطق ونتيجة هذه الاطروحة الشرعية يلتقيان مع الهدف الصريح للاتفاق السياسي الذي تم بين ابن سعود وابن عبدالوهاب،والتي ترمي صراحة إلى عدم تقييد طاعة رجل السلطة،وتأويل شعار(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)باعتبار أنها حين تقيد طاعة رجل السلطة بعدم معصية الله،فإن منطقها يستلزم القول بحدود هذه الطاعة التي تصير مشروطة،وبإمكانية عصيان رجل السيف حينما يخرج عن منطق الشرع.غير أن الخطر الأكبر في هذه الأطروحة تكمن عند ابن عبدالوهاب،في إمكانية انتقال هذه الطاعة من آل سعود إلى عالم له تأثير في الجمهور،فيعصى الإمام حينما يأمر بالظلم،مثلا،ويطاع الفقيه حينما يأمر بالعدل.وفي ذلك الخطر كل الخطر،في راي ابن عبدالوهاب،حينما يصير رجل الفقه نظيرا للإمام ، يأمر ويستحق الطاعة،ولو كانت في المعروف!!(..وأهل الدين عليهم جمع الناس على أميرهم،والتغاضي عن زلته،وهذا أمر لا بد منه من أهل الدين)!!(انظر:الدرر السنية) وقال(وقد أجمع المسلمون:على جهاد عدوهم مع الإمام سعود وفقه الله ؛وقد قرر أهل السنة في عقائدهم أن الجهاد ماض مع كل إمام،وهو فرض على المشهور،أو ركن من أركان الإسلام،لا يبطله جور جائر!!(الدرر السنية)

ومفاد هذا البعد الأديولوجي السياسي أن يصبح الإمام عندئذ ومن سواه على حق الطاعة سواء،بل إن الأخطر من ذلك،أن يطاع غير الإمام كرجل العلم مثلا في المعروف ويعصى الإمام أو السلطان في المعصية،لذلك كان لابد من إنفاذ وجوب الطاعة،دون أن يؤدي ذلك إلى توهينه.وتفاديا للفهم المغلوط ، نص ابن عبدالوهاب أن السلطة تقوم على أساس الطاعة في كل شيء إلا فيما يمس المعروف بالضرورة من الدين،والذي لا يجروء أحد من الملة على الخروج عليه(ولو أن الإمام نهى عن الصلاة والصيام والحج ؛ أو منع الحدود،أو اباح ما حرم الله صراحة لم يكن له في ذلك أمر)!! إلا أن الملاحظ هنا أن حصر الخروج عن طاعة رجل السلطة في هذه الأحوال المعروفة بالضرورة داخل الثقافة والقيم الإسلامية المتداولة،هو من باب تحصيل الحاصل في البيئة الإسلامية.ولم يجروء أحد من رجال السلطة على المعارضة الصريحة لذلك الضروري من الدين،بل يمكن القول إن جل رجال السلطة قد اتخذوا من تعظيم تلك الشعائر الضرورية سلما وذريعة لتعزيز سلطتهم ومظهرا لكسب تأييد الجمهور لهم!! بينما موضوع النزاع القائم لا يتمثل في احترام هذا المعروف بالضرورة من الدين؛بل إن المشكل كامن فيما عدا ذلك من الأوامر والنواهي ذات الطبيعة التنظيمية والسياسية !!

وبعد ذلك لم يبق أمام ابن عبدالوهاب إلا الشروع في تاسيس جديد لطاعة السلطة،أو الأمير؛تأسيس ينتهي إلى منطق تكريس الطاعة المطلقة غير المشروطة لآل سعود.ذلك ان الإمام إذا كان لا يطاع في الفروض المقررة بالضرورة في الملة،فإن طاعته في كل ما عدا ذلك من أوجب الواجبات!! التي يختص بها وحده ، ولا يشاركه فيها غيره ، ويحق له أن ينزل بالخارج عنها أشد العقوبات !! يعبر عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ على ذلك بقوله( تفهمون أن الجماعة فرض على أهل الإسلام وعلى من دان بالإسلام ...وتفهمون أن الله سبحان وتعالى جمعكم على إمامكم عبدالله بن فيصل... وقد سعى سعود بن فيصل في ثلاثة أمور كلها منكرة ، نقض البيعة بنفسه، وفارق الجماعة،ودعا الناس إلى نقض بيعة الإسلام ؛ فعلى هذا:يجب قتاله، وقتال من أعانه ..).(الدرر)

ويفصل عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ(والمقصود:كشف حقيقة الحال في أول الأمر وآخره،وقد تغلب سعود على جميع البلاد النجدية،وبايعه الجمهور،وسموه باسم الإمامة،وقد عرفتم:أن أمر المسلمين لا يصلح إلا بإمام،وأنه لا إسلام إلا بذلك،ولا تتم المقاصد الدينية،ولا تحصل الأركان الإسلامية،وتظهر الأحكام القرآنية إلا من الجماعة والإمامة،والفرقة عذاب وذهاب في الدين والدنيا،ولا تأتي شريعة بذلك قط.وقد تغلب من تغلب في آخر عهد اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واعطوه حكم الإمامة ، ولم ينازعوه كما فعل ابن عمر وغيره،مع أنها أخذت بالقهر والغلبة،وكذلك بعدهم في عصر الطبقة الثالة،تغلب من تغلب،وجرت أحكام الإمام والجماعة ،ولم يختلف أحد في ذلك،وغالب الأئمة بعدهم على هذا القبيل وهذا النمط !!

ومع ذلك:فأهل العلم والدين:يأتمرون بما أمروا به من المعروف،وينتهون عما نهوا عنه من المنكر،ويجاهدون مع كل إمام،كما هو منصوص عليه، ولم يقل أحد منهم بجواز قتال المتغلب والخروج عليه،وترك الأمة تموج في دمائها،وتستبيح الأموال والحرمات!!(الدررالسنية)

وبهذا يتبين لنا كيف أن منطق هذا التأويل السلفي الوهابي قد أدى إلى نسف محتوى آيات وأحاديث كثيرة تأمر بضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وإقامة العدل والقسط.وزاد في ترسيخ سلطة المستبد المسلم؛أو كما يسمى في القديم المستبد العادل!!

هذه بعض ملامح التراجع أو الانحطاط في الفكر الإسلامي،وتلك بعض اسبابها الرئيسية، التي ساهمت في تعميق مفاهيم كثيرة مغلوطة لا تزال جاثمة على صدورنا ، ومعششة في عقولنا لحد اليوم.ولعل العقل السلفي نموذج لذلك في تكييفه للمنتوج المعرفي وتنميطه السلوكي بتلك الصبغة !!

__________________________

(*)هذا من أهم المراجع الجامعة لمصنفات الشيخ محمد ابن عبدالوهاب وآله ، وهي في عشرة مجلدات تحت اسم (الدرر السنية في الأجوبة النجدية ، مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى عصرنا هذا ) جمعه عبدالرحمن النجدي الحنبلي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 154-Al-Baqarah


.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م




.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي


.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه




.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد