الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اصلاح خطبة الجمعة ومقاربة الصادق النيهوم

أحمد جميل حمودي

2008 / 10 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كلما أردت ان اشهد خطبة الجمعة المعهودة تتثاقل رجلاي واردد قولة الرشيد ان تسمع بالمعيدي خير من ان تراه! فخطبة الجمعة باتت اليوم صورة تعبر عن ازمة خطاب اسلامي يجيد اطراء الماضي وسبّ الحاضر وخوف المستقبل. ولك ان تستنبط وجوه الشاهدين وهي تتململ مطرقة الرأس تستحث الزمن بالاسراع,فهي فريضة حيث نجد المصلي مدفوع الى صلاة الجمعة بقوة الدين ولولا ذلك لرأينا مساجدنا خاوية على عروشها تسكنها عشش الطير وبيوت العنكبوت. لقد اصبح الخطيب غير المؤهل عالة على المجتمع, وما حدث في مصر السنة الماضية من قيام شاب بالهجوم بسكين على خطيب مسجد الحسين بالقاهرة أثناء خطبة الجمعة، مطالبًا إياه بتناول هموم الناس بدلاً من المواعظ المملة الباردة، يثير الكثير من علامات الاستفهام حول خطبة الجمعة، ودور الخطيب تجاه قضايا المجتمع بشكل عام، والشباب بشكل خاص. في كل جمعة اسمع ما لايسرني ويغيظني واقول لقد بلغ السيل الزبا وحان للمجتمع ان يقف في وجه هؤلا الخطباء الذين يطرحون خطابات تبين عن تخبطهم في مسارات الغيبوبة ومحاولة تسميم الافكار وتخدير العقول وعمليات غسيل الدماغ المستمرة التي تستنزف قوى شبابنا الفكرية
وتقذفهم في اعماق الماضي, وكل يوم يمر علينا يعيد تأكيد اننا امة مسكونة بالتاريخ هروبا من مواجهة الحاضر واستشراف المستقبل. وفي خطبة اليوم انصت على مضض واذ بخطيبنا- وفي سياق معين- ينطق بجوهرته المتلألئة التي تنم عن نرجسية دينية,باننا نحن الامة الاسلامية " الذين علمنا الغرب النظافة" وبدا يتباكى على أطلال الاندلس... وبدا خطابه الخنفشاري بالتلعثم وتداخل الافكار عفوا اللخبطة والتطويث. وعلى سيرة الخطاب الخنفشاري فله قصة في ادبنا الفكاهي, فقد كان رجل يفهم في كل شيء كاطباء وشيوخ زماننا والمجتمع لا يرده على اعقابه كمجتمعات زماننا التي تتسم بالسلبية والهروب من الواقع تحت دعوى لقمة العيش وطلب السترة, فقال نبيه ظن انه سيسكت حماقته يا ايها الرجل ما معنى الخنفشار؟ فوقف مليا وهو يبرمج فكرته! آه انها ورقة تنبت باليمن تاكلها الشاة فيعقد الحليب لبنا وفيها يقول الشاعر
لقد عقدت محبتكم بقلبي كما عقد الخنفشار اللبن!
واعود لخطيب اليوم وهو في غمرة حماسه اذ به يفصح عن ازمة خطاب يحرض على العنف وكره الاخر" انا لااكره الغرب ولكن اكره افعالهم "! ازدواجية الكره والحب والرفض والقبول هي المخرج من سوط السلطة وزبانية الكلمة.
ان خطبة الجمعة - اذا تجاوزنا الطرح الدوغماتي الى طرح اصلاحي يبحث عن بدائل لاصلاح خطبة الجمعة والتي هي ظاهرة اجتماعية دينية - تحتاج اولا الى اعادة صياغة في منظومتها الفكرية من خلال اصلاح المناهج الدينية في جامعة الازهر وام القرى.... صياغة في بنية الخطبة وآلية الطرح تضع في الاعتبار الابتعاد عن الجمود على النص والدعوة الى تجديده وتحليل الواقع بعمق ممكن... وثانيا اصلاح الخطيب من حيث اعداده وجاهزيته لتحمل المسؤولية فيما يقول وادراكه لما يدور حوله طارحا قضايا الساعة واقفا الى جانب الجمهور دون ان يبيع نفسه للسلطة الحاكمة,وثالثا اصلاح المستمع او المتلقي الذي احيانا يطيب له مناخ المواعظ الرقيقة والبكاء على الماضي.. من خلال المقاربة في الطرح - متجاوزين التقسيم الثنائي المعهود في فكرنا العربي الذي يقسم المجتمع الى نخبة وجمهور- بحيث يهبط الخطيب الناضج الى المستمع ليصعد به الى سماء الفكر والتامل.
وكلما احضر الجمعة يعاد الى ذهني شخصية المفكر الليبي الصادق النيهوم الذي يعد من اوائل المعاصرين الذين دعوا بجرأة الى اصلاح ما اسماه بنظام الجامع,ففي كتابه "المسلمون في الأسْر.. من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة؟" درس الصادق النيهوم حالة الأسر التي وقع فيها الإسلام في يد هؤلاء الشيوخ حيث حرفوه عن مساره الإنساني والأخلاقي لخدمة أغراض فئوية و تنظيمية, و يؤكد المفكر الليبي الراحل على أن العرب والمسلمين ليس أمامهم الآن للخروج من ظلمات الجهل والتخلف، سوى طريق واحد يستطيع أن يقودهم إلى الخلاص، وهو طريق استعادة نظام "الجامع"، وتطوير خطبة الجمعة من لقاء للوعظ إلى مؤتمر اجتماعي تشارك فيه الأمة، ويعيد إلى المواطن حقه المسلوب في الإشراف على إصدار القوانين، ومراقبة أداء الإدارة، وإيجاد السلطة الجماعية البديلة عن سلطة الدولة، وسلطة رجال الدين في آن واحد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa