الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال مدينة

سعدون محسن ضمد

2008 / 10 / 19
المجتمع المدني


أهم ركيزة في بناء الدولة الحديثة هي وجود مدينة حديثة. وأهم ركائز وجود مثل هذه المدينة هو وجود مجتمع متمدن يتكفل بناءها. والمجتمع لا يكون متمدناً إلا إذا توفرت فيه بعض الصفات منها: انتقاله من معيار القرابة إلى معيار المواطنة في قبوله ورفضه المنضمين إليه، أولاً
وثانياً انتقاله من القانونين العرفي أو الديني، إلى القانون الوضعي. وثالثاً وجود مؤسسة حكومة تخطط للانتقال بمجتمعها من مرحلة ما قبل المدينة إلى ما بعدها.كل هذه المقومات أخذت تتفكك وتنهار تباعاً منذ أحداث 2003 وحتى الآن. حتى تحولت بغداد إلى قرية، بل قرية بمجتمع غير متحضر، لأن الحدود ضاعت بين القرية والمدينة في المجتمعات الحديثة.
لو سألت علماء الاجتماع او علماء الإنسان عن أهم مميزات الانتقال من مرحلة ماقبل التحضر إلى ما بعدها، فسيخبرونك بأن تقسيم العمل بالاستناد للكفاءة لا للقرابة هو الجواب. وفي العراق ومنذ أن بدأت تتشكل مؤسسات الدولة وإلى الآن ونحن نشهد عودة مبتذلة من معيار الكفاءة إلى معيار القرابة، حتى باتت مكاتب الوزراء ووكلاؤهم والمدراء العامون عبارة عن ملتقيات أقرباء لا مؤسسات أكفاء. بل إن الامر وصل إلى مؤسسة البرلمان. خاصَّة أن بين بعض البرلمانيين قرابة من الدرجة الأولى أي هناك الزوج وزوجته والأب وأبناؤه!!!
وعندما سُن الدستور حرصت أهم الأحزاب الممثلة بالبرلمان والمسؤولة عن سنه على توفير مستوى من الهيمنة للقانون العرفي أو الديني على القانون الوضعي، وهذه هي العلامة الثانية من علامات الرجوع بالمجتمع من مرحلة التحضر إلى ما قبلها. أما العلامة الثالثة فهي تخلي مؤسسة الحكومة وبمعظم مفاصلها ـ بشكل غير مقصود أغلب الظن ـ عن دورها في الارتقاء بالمجتمع. خاصَّة من خلال ظاهرة خرق القانون، فالقانون يخرق أكثر ما يخرق من قبل تلك المفاصل. بل إن هذا الخرق يتحول (لفنطازيا) عندما تُنتهك قوانين ضبط السير من قبل شرطة المرور. وقوانين الحفاظ على أمن المجتمع من قبل القوى المسؤولة عن الأمن.. وهكذا.
عملية اغتيال التحضر في مدينة بغداد مستمرة بشكل تصاعدي. ففي وقت سابق (مثلاً) كنّأ نعترض على الجلبة التي تحدثها مواكب حماية المسؤولين وهي تجوب الشوارع بصفاراتها المخيفة وانتهاكاتها لجميع قوانين البلد. واليوم لم نعد نعترض على المواكب، بل على المركبات المفردة التابعة لتلك المواكب وهي تجوب شوارع بغداد خارج إطار الواجب وبنفس العنف والعنجهية. لقد أصبح من حق سائق المسؤول أن يفعل ما يحلو له وسط شوارع بغداد، وهذا دليل على أن مسؤوله صار بالنسبة إليه مثالاً يحتذى على التخلف.. هناك من المسؤولين من سيتذرع بالاختلالات الأمنية ويعتبر أن الغرض من الرعب الذي يبثه موكبه هو حمايته وسط أوضاع أمنية خطيرة. وسنقول له بأن تسنمك للمسؤولية في هذه الأوضاع خيارك الذي اخترته بملء إرادتك، وعليك أن تتحمل تبعاته كاملة، وكان من أهم شروط هذا الخيار هو أن تكون مسؤولاً عن فرض القانون لا عن انتهاكه. وكما أن المثقف الفاعل (كاتباً، إعلامياً، أكاديمياً)، يتحمل تبعات خياره كاملة وسط فضاء خال من أية امتيازات أمنية أو مالية، عليك أن تفعل ذلك، أو أن تتخلى عن المسؤولية لمن يتحمل تبعاتها. خاصَّة وأننا نتحدث عن حدود قصوى من انتهاك القانون. فبالنسبة لانتهاك قوانين السير وصل الأمر حد بث الرعب الحقيقي وسط شوارع بغداد. أما فيما يتعلق بأنواع الخروقات الأخرى فاسأل مفوضيتي النزاهة والانتخابات ومؤسسات الإعلام يخبرونك بالعجب العجاب مما لا يصدقه عقل أي إنسان (مدني).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #المشهد_اللبناني - سيليا خاطر: هذه أبرز الإرشادات لحماية الأ


.. ديلي ميل: تحقيق يكشف تورط خفر السواحل اليوناني بقتل عشرات ال




.. مؤسس نادي كرة قدم للمكفوفين في العراق يروي قصته بعدما فقد بص


.. عراقيون كلدان لاجئون في لبنان.. ما مصيرهم في ظل الظروف المعي




.. لدعم أوكرانيا وإعادة ذويهم.. عائلات الأسرى تتظاهر في كييف