الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوهابية .. وتأصيلها لمسائل التكفير والقتل

عبدالحكيم الفيتوري

2008 / 10 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد تم الاتفاق بين الإمام ابن عبدالوهاب واالأمير بن سعود حول قيام دولة الشراكة بينهما ،في إطار الشرطين المذكورين في ديباجة الاتفاق من طرف ابن سعود ؛الأول:أن لا يرتحل عنهم وأن لا يستبدل بهم غيرهم.والثاني:ان لا يمانع الشيخ في أن يأخذ الحاكم وقت الثمار ما اعتاد على أخذه من أهل الدرعية!! وافق الإمام ابن عبدالوهاب على الشرطين بقوله ،أما عن الشرط الأول:ابسط يدك أبايعك..الدم بالدم،والهدم بالهدم.أما عن الشرط الثاني فقال له: لعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها!

وبهذا الاتفاق بين رجل السيف ورجل القلم ، أو الحلف بين الأمير والإمام ، قامت دولة آل سعود بمشاركة آل الشيخ،وهي بهذا الاتفاق يمكن لنا تصنيف جهود ابن عبدالوهاب ضمن الحركات السياسية الدينية بدون إضفاء القداسة عليها وعلى أقوال وأفعال مؤسيسها ، كذلك بدون تحقيرها وتحقير جهودها في الدعوة إلى التوحيد . ولعل قراءة بنود الاتفاق بروية يكن مدخلا مناسبا لتحليل قضية التكفير والقتل في الفكر الوهابي ، فقد جاء في ديباجة الاتفاق ..ابسط يدك .. أبايعك ..الدم الدم .. الهدم الهدم .. يفتح لك الفتوحات .. فيعوضك من الغنائم . نحاول تحليل هذه الكلمات عبر نقاط ثلاثة ،النقطة الأولى:بيئة الاتفاق.النقطة الثانية:اعتماد ابن عبدالوهاب على فكر ابن تيمية.النقطة الثالثة: تأصيل مسائل تكفير وقتل المناؤين لهذا الأتفاق ..الدم الدم !!

النقطة الأولى: بيئة الاتفاق:

تم الاتفاق بين الشيخ ابن عبدالوهاب المطرود من منطقته(الاحساء)والتي غادرها مضطرا إلى منطقة العيينة ، حيث رجم فيها امرأة جاءته معترفة بذلك،فكتب أمير الأحساء إلى أمير العيينة رسالة يأمره فيها بقتل ابن عبدالوهاب،كذلك كتب علماء المنطقة إلى أمير العيينة يشككونه في دعوته ، فالح أمير العيينة على ابن عبدالوهاب أن يخرج إلى حيث أراد ، فخرج الشيخ من العيينة وتوجه إلى الدرعية مقر إمارة آل سعود !!

وقد تم الألتقاء بين ابن عبدالوهاب ؛الباحث عن سلطة تأويه وقوة تحميه ، مع ابن سعود الباحث كذلك عن قوة شرعية تعضد سلطانه،وتثبت حكمه ،وتجرم الخارج عليه، وتمكنه من تجييش الرعية لمحاربة خصوم سلطاته في المنطقة...وقد كان!! حيث قال الأمير:أبشر ببلاد خير من بلادك،وابشر بالعز والمنعة.فقال الشيخ:وأنا أبشرك بالعز والتمكين،وهذه كلمة لا إله إلا الله،من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد . ثم اشترط الأمير على الشيخ شرطين :1-أن لا يرتحل عنهم وأن لا يستبدل بهم غيرهم. 2-أن لا يمانع الشيخ في أن يأخذ الحاكم وقت الثمار ما عتاد على أخذه من أهل الدرعية . فأجاء جواب الشيخ : أبسط يدك ابايعك .. الدم بالدم ، والهدم بالهدم .... لعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها !! علما بأن ذلك كان قبل بداية دعوته ونشرها في ربوع البلاد !!

لأجل هذا لم يكن عسيرا على ابن عبدالوهاب،بعد أن اعتبر ابن تيمية ولاية المتغلب،وشرعية الانتظام في صفوفه،والقتال تحت رايته،وسحق مخالفيه ؛ أمر جائز شرعا وعقلا وعرفا ، لأنه الواقي من بعبع(الفتنة)وقد قيل(سلطان ظلوم خير من فتنة تدوم)!!ولهذا قال ابناء الشيخ ابن عبدالوهاب:(وصارت ولاية المتغلب ثابتة كما إليه أشرنا، ووقع اتفاق من ينتسب إلى العلم لديكم على هذا ...فلا جرم قد صار العمل على هذا والاتفاق.ثم توفى الله سعودا واضطرب أمر الناس ...واختار أهل الحل والعقد من حمولة آل سعود ، ومن عندهم ومن يليهم ، نصب عبدالرحمن بن فيصل،وذلك صريح في عدم الالتفات منهم إلى ولاية غير آل سعود)بل والتبراء من كل الولايات الأخرى(.. ونبرأ إلى الله من موالاة الشريف ، وأهل نجران جميعا)!!

قد لا نفتقر إلى إيراد الأدلة التي تشير إلى إمكانية هذه الرؤية عند الفكر الوهابي مادامت مصنفات ابن تيمية المعتمدة لدى الفكر الوهابي طافحة بإجماعات ونماذج تؤصل هذه الرؤية في جانبيها الديني والسياسي.ولعله ليس من المناسب استرجاع تلك المفردات والاجماعات التي تم ذكرها في مقالات سابقة،وأعود إلى الاتفاق الذي تم بين ابن عبدالوهاب وابن سعود،وسوف أضرب عن شرح مفردات الاتفاق صفحا لآن المقال لا يحتمل التفصيل .واترك القاري اللبيب في ضوء العلاقة الجدلية بين الدال والمدلول أن يتدبر ويكشف عن شبكة العلاقات بين مفردات الاتفاق في أجوائها المكانية والزمانية ...الدم الدم .. الهدم الهدم ..فتوحات .. وغنائم . دم من ؟ وغنائم من ؟!

ومهما يكن من مستوى إدراك القاري لكشف شبكة علاقات مصطلحات هذا الاتفاق الديني السياسي فإن مصنفات الحركة الوهابية تضعنا أمام روابط واضحة لتلك المفردات بين الدال والمدلول، وتمييز مفاهيم مقاصدها.فقد سئل أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب:من لم تشمله دائرة إمامتكم،ويتسم بسمة دولتكم،هل داره دار كفر وحرب على العموم ؟ فأجابوا :... وأما من بلغته دعوتنا إلى توحيد الله ، والعمل بفرائض الله،وأبى أن يدخل في ذلك،واقام على الشرك بالله،وترك فرائض الإسلام،فهذا نكفره ونقاتله ، ونشن عليه الغارة ، بل بداره ؛ وكل من قاتلناه فقد بلغته دعوتنا ، بل الذي نتحقق ونعتقده:أن أهل اليمن ،وتهامة ،والحرمين ، والشام ، والعراق ، قد بلغتهم دعوتنا .

ولم تكن هذه فتوى عابرة بل أصل أصيل،فهذا حمد بن عتيق أحد كبار علماء الحركة ينكر على من لم يأخذ من أموال أهل الأحساء،حيث قال: بلغني وساءني،وعسى أن يكون كذبا وهو:أنك تنكر على من اشترى من أموال أهل الأحساء التي تؤخذ منهم قهرا،فإن كان صدقا فلا أدري ما عرض لك، والذي عندنا أنه لا ينكر مثل هذا،إلا من يعتقد معتقد أهل الضلال ، القائلين أن من قال لا إله إلا الله لا يكفر... وبذلك عارضوا الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، ومن له مشاركة فيما قرره المحققون،أن البلد إذا ظهر فيها الشرك،وأعلنت فيها المحرمات،وعطلت فيها معالم الدين،أنها تكون بلاد كفر ، تغنم أموال أهلها ، وتستباح دماؤهم ... !!

وليس أهل حائل بمنأى عن مقتضيات هذا الاتفاق السياسديني ،فقال:وجب قتالهم على جميع المسلمين ، لخروجهم عن الطاعة ، حتى يلتزموا ما أمرهم به الإمام من طاعة الله تعالى !!

ومن المعلوم أن أهل اليمن،وتهامة،والحرمين،والشام،والعراق،والأحساء،وحائل فيهم من العلماء ..والعباد ..والعوام .. فهل يجوز فيهم الدم الدم .. والفتوحات ... والغنائم .. وتغنم أموالهم ، وتستباح دماؤهم ؟!! ألا يبرر هذا ذلك التساؤل المشروع حول حقيقة فكر الحركة الوهابية ، هل هو فكر تجديد أم فكر تقليدي حنبلي ؟ وهل هي حركة دينية أم سياسية وظفت الديني ؟ ولماذا أضفي ثوب القداسة على علمائها ومصنفاتها ؟

لأجل ذلك لم يبق أمام المسلم العاقل ، كي ينجو من الاغتيال العقلي إلا أن يوطن نفسه دوما على نزع ثوب القداسة على البشر ومصنفاتهم وافكارهم ، ويلتزم الأدب والاحترام معهم عند قراءة تجاربهم وأفكارهم على اساس أنها إنتاج بشري تدخل في إنتاجه عوامل عدة ؛ سياسية وعرفية ومذهبية ينبغي مراعاتها .

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا