الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان الناقص

سعدون محسن ضمد

2008 / 10 / 24
المجتمع المدني


ليس لدي شك كثير في أن المنطقة مقبلة على حقبة عراقية.. وأن العراقي قد سرق عصا الساحر، ما أن تحول لإنسان مذبوح، وهو يحاول الآن التحكم من خلالها بالمستقبل فالمذبوح لا يمكن خداعه بسهولة، ذلك أنه وصل حدَّ الموت، وللموت حدٌّ كفيل بأن يعلم الإنسان سر الحياة، قيمة العراقي الآن أن الواقعي فيه أخذ يغلب على الخيالي، فبعد أن خذلته كل الآيديولوجيات والشعارات والأفكار المطلقة والفلسفات الشاملة وبعد أن اشتركت كل هذه (المتعاليات) بشكل أو بآخر بعملية سلخه، تجده واقفاً منها على حد الشك، لم يعد يؤمن بخيالها الجامح وشعاراتها الضبابية. هو الآن يكذب فكرة الكمال ويحاول الانطلاق من فكرة النقص. لم ينقذه إنسانه الكامل بجميع تجلياته لذلك كف عن الإيمان بوجوده، وصار أكثر واقعية، انتقل من البحث في سر الربوبية إلى البحث في سر البشرية.. سره هو، لعله ينجح باستثمار هذا السر في بناء عالم أكثر هدوءاً واستقراراً.
في العراق هنالك جموع كبيرة من البشر أخذت تحج لبيت الشك والنقص، البيت البشري الأصيل البيت الذي احتمى به البشر يوم كان يتسلح بعصا بسيطة وهو يجوب الغابات التي تعج بالكواسر والضواري، لم تكن تلك العصا لتنجيه من خوف أو تبلغه مأمناً، لذلك هي لم تستطع أن تقنعه بأي مستوى من مستويات الكمال باهظة الخيال. ومن هنا كان واقفاً على حد البشرية. والعراقي اليوم عاد لنفس تلك النقطة الموغلة بالقدم، عاد خالياً من أبسط شروط الحماية وهو يجوب غابة من نوع آخر ويخشى كواسر وضواري أشد شراسة ووحشية. وهو لذلك ينفض عن أسماله جميع الأكاذيب المطلقة، بعد أن لم تحمه أي منها ولم تتسبب له بغير الذبح... اسأل العراقيين ـ مثلاً ـ عن الانتخابات الآن وستتلقى أجوبة متشابهة: لا أريد، لن أصدق، لا أوافق.. والسبب ببساطة بأنهم انتهوا من الشعارات.
ليست هناك فرصة تعود بالإنسان الى مربع الواقع كفرصة الخوف. للرعب سحر خاص يستطيع بلمح البصر أن يحطم أكبر مغرور ويعود به بشراً فقط وليس أي شيء آخر. هذا الرعب تمكن من العراقي بل وهز كيانه هزّاً عنيفاً، ولذلك هو الآن يمسك بخناقه ويهدده في حال أنه عاد يوماً للتصديق بأوهام الكمال. أوهام الآيديولوجيا بمختلف أشكالها، التي أهدرت دمه واشتركت بذبحه، وصارت اليوم ماثلة بقفص اتهامه.
اللعنة على كل فكرة تحتكر الخلاص، اللعنة على كل مفكر لم يتوقف عند حد النقص. والرحمة كل الرحمة على الجموع الغفيرة من البشر المخدوعين الذي سحقتهم الحروب والمحاكم والمجازر التي انعقدت للدفاع عن هذه الفكرة أو ذلك المفكر. بعد أن يدرك الإنسان بأن كل الأفكار المطلقة فشلت عند محك التطبيق يصبح جديراً بأن يلتفت للنقص ويوقن بأنه حتم لا مفر منه، مصير يجب احترامه والقبول به، بل والإنطلاق منه. نعم ليس بين البشرية والكمال من قرابة، لذلك يجب أن تكون فكرة النقص هي المركز، أن يكون النقص هو الشرف والمعيار. ليس هناك شيء دائم أكثر من عدم الدوام، الذي هو سر الموت وحقيقته، لذلك فقد مات وسيموت كل من يكذب هذه الحقيقة. مهمتنا كبشر أن نقرأ كتاب الزمن والتاريخ والوجود.. ومن خلال رحلتنا طويلة الأمد سننتقل بين صفحات لن تنتهي، وكل من توقف أو سيتوقف عند صفحة ما من صفحات هذا الكتاب فإنه حكم أو سيحكم على نفسه بالجهل.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من


.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز




.. مأساة إنسانية في غزة.. أكثر من 37 ألف قتيل ونصف مليون تُحاصر


.. مسؤول إسرائيلي لـ-أكسيوس-: حماس رفضت مقترح بايدن لتبادل الأس




.. سرايا القدس: لا نعلم إن كانت المعاملة الطيبة مع الأسرى ستستم