الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاقد الشيء .... لايعطيه !

محسن صياح غزال

2004 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تحتدم هذه الأيام نقاشات ومداولات , بل وأصطفافات , بين شدّ وجذب , وثالث بين بين – وهي ظاهرة صحيّة

تبشر بالخير والتفاؤل لم يشهدها العراق في تأريخه – تدور حول دور الدين في الدستور والقانون والحياة العراقية الجديدة . بعيداً عن التعصب والمهاترات ونهج التكفير والتسقيط والألغاء للرأي والموقف الآخر, بل

بالحوار الديموقراطي الحريص على حق الأنسان في الأختيار وحفاظاً على وحدة النسيج الأجتماعي وآدمية الأنسان والأرتقاء ثقافياً وعلمياً وحضارياً بعراقنا وأنساننا  الجديد, لابد من التصدي وأغناء هذا الموضوع

بكل الآراء على أختلافها لمعالجته ووضع الحلول الناجعة للخروج بنتائج علمية رصينة تخدم بناء عراقنا

وتطوره وأزدهاره وأرتقائه .

الدين نصوص ربانية مقدسة ومبجله, وهذه النصوص لم تدعو مطلقاً الى الفرض والأجبار والتسقيط لمن هو غير مسلم أو غير مؤمن . هذه النصوص لم تدعو مطلقاً الى التفرد والشمولية والتعصب في رسم وتنظيم حياة البشر والأوطان , بل تدعو الى التسامح والتعاون والمساواة وتشذيب المجتمع من الأنحرافات والعيوب الأجتماعية, الأخلاقية والروحية .

المحاولات الفاشلة للأسلام السياسي لألغاء قانون 188 لعام 59 ومصادرة مكاسب وحقوق المرأة العراقية, التي

أنتزعتها بنضالاتها وتضحياتها الغزيرة, وأعادتها رهينة الجدران والظلمة وسيف الذكورية, وحرمان الوطن والمجتمع من نصف الأيادي والعقول والأمكانات الماهرة والقادرة على البناء والتعمير والتطوير, وفرض الغطاء والحجاب واللباس على الأنسان , والمرأة خصوصاً , شنّ حرب دموية هستيرية ولاأنسانية ودون تمييز على أماكن ودور ووسائل الترفيه والثقافة كدور السينما والمسرح ومحلات التسجيل والخمور والبارات, ومصادرة

حق الأنسان الطبيعي بحياة هانئة طيبة وسليمة , بتحويل حياته الى عاشوراء دائم وعزاء أبدي من خلال أغراق الشوارع والأزقة وأسطح البنايات والبيوت بمكبرات الصوت التي تصدح ليلآً ونهاراً بالعويل والندب والبكاء , وليس آخرها طقوس الدم الغريبة عن النصوص والشرائع الربانية , كاللطم على الصدور وتمزيق الظهر وطبر الرأس والزحف على البطون وغيرها من المظاهر المرعبة . هذه المظاهر والدعوات والممارسات تجعلنا نتوجس قلقاً وخيفة من تسنّم الأسلام السياسي مقاليد السلطة ومصائر البشر. فالأسلام السياسي – أياً كان دينه

أو مذهبه- لا يمكن الا أن يكون طائفياً متعصباً ومتزمتاً , وأي حزب سياسي ديني يسعى الى الأمساك بزمام الحكم

منفرداً , شيعياً كان أم سنّياً أم وهابياً , سوف يلغي حق الآخرين ويقمع الديموقراطية ويصادر الحريات , ولنا في التجربة الأيرانية خير مثال, حيث ألغت وقمعت وشرّدت  القوى والأحزاب والتيارات التي شاركت معها في الثورة

ضدّ الحكم الشاهنشاهي وقدمت الشهداء والتضحيات , كذلك السعودية ذات الحكم السياسي الشمولي الطائفي السنّي , والتي أيظاً قمعت وألغت وهمّشت الأديان الأخرى والطوائف والأقليات والحركات والتيارات السياسية

والدينية بأشد الوسائل عنفاً ودموية وضراوة , وكان للشيعة النصيب الأوفر من القمع والأبادة والظيم !

لابد من فصل الدين عن الدولة, فالدين لله والوطن للجميع , وأزالة وقلع آثار الفكر الشمولي الفاشي المتسلّط ,

علمانياً كان أم دينياً, ومحاربة التمييز الديني والطائفي والقومي العنصري وفسح المجال واسعاً أمام حركة التغيير ونشاط الفكر والأبداع والخلق , ومنح المرأة كامل حقوقها الطبيعية والأنسانية المتساوية مع الرجل

للنهوض والأرتقاء ببلدنا نحو العمران والتطور والأزدهار. ففصل الدين عن الدولة يعني عدم أحتكار دين أو طائفة أو مذهب للدولة ومؤسساتها ومرافقها وأمكانياتها للدعاية والنشاط والسيطرة وكسب المريدين والأتباع

على حساب القوى والأطراف الأخرى , ويعني حرية ممارسة العقيدة لجميع الأديان والطوائف والقوميات دون

تمييز أو أفضلية , وحق الأنسان في أختيار الدين أو العقيدة التي يؤمن بها . ففي بلدٍ مثل العراق , متعدد القوميات والطوائف والمذاهب والأعراق , يكون من الخطر والمجازفة المحفوفة بالأهوال , سيادة شريعة

واحدة أو دين واحد , طائفة أو حزب واحد , لما له من نتائج مأساوية وكارثية على الوطن والأنسان وما يتولد

عنه من تناحر أجتماعي بين مكونات الطيف العراقي الواسع وما يستتبعه من أزمات ونكبات وكبح لعجلة البناء

والتعمير والأصلاح والتطويروأعادتها الى عهود القمع والأبادة والخراب والهزائم .

ما نطمح اليه وما يجب أن يكون عليه عراقنا , عراق ديموقراطي علماني وتعددي وفيدرالي يحتكم لصناديق

الأقتراع وصوت الشعب, عراق منفتح تسوده روح التسامح والعلاقات الأنسانية الحميمة , تزدهر فيه العقائد

والأفكار والميول والنتاجات والأبداعات , يختفي فيه الخوف والقلق والرعب لدى الأنسان من أشباع رغباته

وطموحاته وميوله , تسامح ديني يشيع الأمن والأطمئنان والأمان لكل أبناء هذا الوطن الغالي , يمارس فيه الفرد بحرية , عقائده وشعائره وطقوسه وعباداته بل وحتى خرافاته وأساطيره دون أكراه أو تهديد أو ترهيب .

العلمانية لاتتدخل في شؤون وخصوصيات الفرد ولا تقمع أو تهدد الدين ولا تلغي أو تقيد القيم والمعتقدات , ربانية كانت أم أنسانية , بل تطور وتنمّي العلوم والأبداع والخلق والبناء عند الأنسان , فما الذي يقدمه لنا الأسلام السياسي ؟ . تمثيل وتجسيد رغبات وطموحات ومفاهيم وشعارات الطائفة التي يمثلها فقط , وتوظيف

الدولة ومؤسساتها وأمكاناتها لخدمة تلك الطائفة ذاتها , الدين أو المذهب أو الحزب ذاته, دعائياً وسلطوياً

ومادياً شمولياً , وبالتالي ألغاء وكبح المواقف والآراء والعناصر والأطراف الأخرى , المخالفة , وممارسة

التسقيط والتنكيل والقمع  والأبادة تجاه تلك التيارات والعناصروالقوى التي تقف عائقاً في طريق ارادة وتفرّد

هذه الطائفة أو الدين أو الحزب المسيطر والمتسلّط . هذه الحقيقة تطبّعَ عليها ومارسها الأسلام السياسي عقوداً

منذ تأسيس الدولة العراقية, وأصبحت قاعدة ونهج أن يحمل الحزب أو الطائفة أو الدين المسيطر المتفرد بالحكم

معه, فرمان الطائفية والعنصرية والمذهبية وسيف الألغاء والتسقيط والأبادة , نهج الترهيب والقسر والأذعان

لمن هم خارج الحكم , فهل يعطينا الأسلام السياسي .... ما يفتقده ؟ ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا