الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحقيقة..

محمد علي ثابت

2008 / 10 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حين كبرتُ وبدأتُ أعقل الأمور، وجدتُ أنه ما من حل عملي أمامي سوى الاستسلام التام لها. صحيح أنني كنتُ أشعر - في البدايات - برغبة جارفة في التحليق بعيداً، عالياً، والتحرر من حدود طاقتها القصوى ومما ستفرضه عليّ من أرق وانشغال محاولاتي لفهم كُنهها وإشباع شهواتها العقلية والحسيّة التي شعرتُ - منذ البداية - أنها لا تخمد أبداً، ولكنني وجدتُ نفسي مضطراً - بفعل قوة ما أو جاذبية ما أجهلها تقريباً بالكامل - للتعايش السلمي معها. كان عليّ أن أضاجعها لليال مستمرة حين ترغبْ وأن أهجرها لليال متقطعة حين ترغبْ؛ أن أداعبها بلُطف حين تطلبْ وأن أقسو بأصابعي وأوردتي عليها حين تطلبْ؛ أن أرفعها للسماء في ليلة كأميرة أحلام عذراء وردية في قصة أثيرة من قصص ما قبل النوم وأن أفرِّغ شحنات غضبي الجامح المتراكمة على مدار ليالٍ في وجهها - وبأمرها المدهش لي - في الليلة التالية.. كان عليّ أن أكون عبداً لنزواتها ولأفكارها الجامحة تارة والشريرة تارة والصعبة التصور على الدوام، ويبدو أنني - لسبب ما أجهله تقريباً بالكامل - قد ارتضيتُ لنفسي لعب دور عبدها المطيع في مسرحيتها المستمر عرضها في كل الليالي ولاسيّما في تلك الباردة التي تبلغ فيها وساوس شيطان الفكر والمعاشرة على الصفحات البيضاء أوجها

وبمرور الوقت، وجدت أنني فعلاً وحقاً فقدتُ أي رغبة في، أو قدرة على، مقاومتها والتصدي لها ولما تفعله بي وتحيكه لي. أصبحتُ لا أسعى حتى لترويضها وتقليم أظافرها الطويلة الجارحة.. صارت أهدافي كلها، أو أغلب الصباحي منها وكل المسائي، مختزلة في سعي متواصل لإرضاء تلك الشهوانية الشريرة التي لا تقنع بالقليل من الإمتاع والمؤانسة والتحيير أبداً ولا تطلب أو تتوقع من عاشقها أن يكون نمطياً رتيباً في طريقته في التعبير عن أوجه وأمارات عشقه المختلفة لها. هنيئاً لي، وحسرة عليّ: فقد صرتُ عبداً لطفلة تافهة لاهية تستمتع بالأسئلة التي لا إجوبة ممكنة أو حاسمة عليها حين تلقيها في وجهي وتحشرها داخل رأسي وتطلب مني التفكير معها، وأحياناً لها، فيها لحين اللقاء الحسيّ التالي؛ عبداً لمراهقة غانية جريئة لا تعرف للوقار أو للنواميس معنى في قاموس ألفاظها الخارج أكثرها؛ عبداً لعجوز تود الاستلذاذ بتَصَبُّب العرق على جبين مواعِدها فيما تبقى لأعضائها من قدرة على الحركة والاستلقاء ولرغباتها من قدرة على مقاومة حتمية الإخماد والإسكات النهائيين. وأصبحتُ كثيراً ما أسائل نفسي، حين تنشغلْ مواعِدتي عنّي: كيف نجحتْ تلك الغانية في إرضائك وإقناعك بهذا الدور الهامشي في مسرحيتها تلك التي لا يمكن إدراجها بأية حال ضمن جنس أدبي بعينه؟ وكيف قبلتَ بالجماعية في علاقة حميمية كتلك؟

وفي إحدى الليالي استجمعت بقايا شجاعتي الأولى في مواجهتها ووجدت نفسي مدفوعاً - بقوة أجهلها تقريباً بالكامل - إلى سؤالها: لماذا عليّ أن أقتربَ منكِ وأتواصل معكِ وأسعى لإرضائكِ على الدوام إلى هذا الحد، الذي هو عن مرتبة عبودية القرون الوسطى ليس ببعيد، رغم قسوتكِ المستمرة عليّ بالأفكار المحيرة المزعجة التي تقض مضجعي وبالأسئلة المفتوحة النهايات التي أكادُ أفشلُ دائماً في الإجابة عنها وبالطلبات والرغبات الجد شاقة التي يتطلب إشباعها منّي كل ذلك الجهد الذي رأيتيني أمارسه معكِ وأمامكٍ منذ لحظات؟ كيف جعلتيني أقبل أن تمارسي النخاسة معي؟! ورغم أنّي استنتجت فيما بعد أنّي لم أطرح السؤال عليها جهراً، او بالأحرى فإن بقايا شجاعتي الأولى لم تكن لتكفي لمكاشفة عويصة مصيرية كتلك وخصوصاً بعد لقاء شاق كذلك، إلا أنها فاجأتني - بينما كانت خيوط الصباح الأولى على وشك التشكل جهة النافذة الصغيرة التي أذكر أنها شهدت أول رسالة ورقيّة مُكَوَّرَة بعثتُ بها لإحدى بنات الجيران -- أقول: إنها فاجأتني، رغم ذلك، هامسة وهي تتحسس الشعر الكثيف على جانبي رأسي: طال العهد بينك وبين رُشدك الأول ولم تزل لا تعرف مَن أنا ولماذا لي حق الوصاية الدائمة على عضوك الكامن الدفين الكامن بين يديّ الآن.. يا لك من مُغَيَّب

وبعد ساعات قليلة، كنت أكَوِّر المزيد من الرسائل الورقية المعنونة إلى بنت الجيران الجدد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ