الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في إعادة تموضع الماركسية في العالم الثالث

سامي العباس

2008 / 10 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


-اقتباس رقم واحد:
يقول كينزا بورو
الروائي الياباني الحائز على جائزة نوبل في رسالة إلى زميله الألماني غونتر غراس:
إن الاحتلال الأمريكي لليابان أنزل الإمبراطور من السماء إلى الأرض...وهذا ربح صافي للسياسة و الديمقراطية .
و أن الدستور الذي اقترحته قيادة الأركان الأمريكية على الطبقة الحاكمة اليابانية, أكثر مناسبة لاحتياجات اليابان الديمقراطية من الدستور الذي باشرت هذه الطبقة صوغه . و إذ اضطرت النخب الحاكمة إلى الرضوخ ( لديمقراطية ما بعد الحرب ) على ما تقوله بعض النخب ساخرة , فإنها لم تضطر و لم يضطرها لا الاحتلال الأمريكي و لا الرأي العام الياباني إلى النظر الفاحص في خلل دخول اليابان الحداثة ( 1 )
اقتباس رقم اثنين :
يلقي الروائي البيروني ماريو فارغاس تبعة الانقلاب العسكري على إيزابيلا بيرون , أرملة الجنرال الشعبوي خوان بيرون , و حكمها المدني و المنتخب باتجاهين :
-العسكريون الانقلابيون
-أصحاب الحرب الشعبية : بيرونيين يساريين , غيفاريين, و ماويين ...
لم يكتم دعاة الكفاح المسلح غاياته : استدراج الرأسمالية الطرفية و التابعة- على قول سمير أمين و أصحابه- إلى الحسر عن وجهها الحقيقي المتستر بحكم أرملة بيرون المدني و البرلماني ... و إيلاء السلطة لأصحابها العسكريين . كان التفجير و الاغتيال و احتجاز الرهائن هو ( شكل الصراع الطبقي ) الموكل إليه مهمة حسر اللثام المدني عن دكتاتورية ( البرجوازية العسكرية )
لقد نحى أنصار الكفاح المسلح في عشرات بلدان العالم الثالث قيمة الحكم المدني و البرلماني و ضماناته القانونية و الشرعية الناقصة و الجزئية ... و سعوا نحو ولادة ديمقراطية شعبية تامة و عامة من صراع حزب الشعب المسلح مع أعلى مراحل الرأسمالية الطرفية ( الدكتاتورية العسكرية ) ( 2)
يضع الروائيان كل من زاويته اليد على خلل وقع و لا زال يقع فيه الفكر السياسي الراديكالي المنتج في معمعان هذه الجدلية الكونية ( جدلية الانتقال إلى نمط الإنتاج الرأسمالي ) من قبل نخب البلدان التي يجري فيها الانتقال إلى الرأسمالية متأخراً .
يبارك هذا النوع من الخلل و يعطيه مشروعيته الميل الواضح والصريح نحو الهيمنة عند المجتمعات التي أنجزت مبكراً عملية التحول إلى الرأسمالية.
ذلك أنه و على مسار التاريخ المعروف للاجتماع البشري, و كما يلاحظ محمد أركون ( 3 ) رافق الميل للهيمنة كل طفرة للمعنى.
ينزلق الفكر السياسي في المجتمعات المتأخرة – و هو يجرب بلورة ممانعة مشروعة لإرادات الهيمنة التي تبديها المجتمعات المتقدمة – باتجاه بلورة ممانعة شاملة لنزعات الهيمنة و لطفرات المعنى المترافقة .
يجري ذلك بطرق مختلفة و بتلفيقات فكرية متنوعة و متفاوتة في درجة تماسك لبناتها المنطقية .
و لا ينفع هذا النوع من الفكر السياسي هربه إلى الأمام , بادعائه إمكانية حرق المراحل و انزلاقه إلى تقويض عملية التحول الرأسمالي , بضرب و إضعاف الحامل الاجتماعي لهذا المشروع ( الطبقة البرجوازية) .
تتموضع اللينينية في لب هذه المحاولات للهروب إلى الأمام التي بدأت قبل قرن من الآن في شروط الانتقال المتأخر لروسيا القيصرية إلى الرأسمالية . و لئن نجحت هذه المحاولة طويلاً في التمويه على حقيقة ما فعلته ( بناء رأسمالية دولة متنكرة بثياب الاشتراكية ) فإنها قد شكلت قاعدة انطلاق لدروب في الفكر السياسي و ضعت تصوراتها موضع التنفيذ : كالماوية و الكاستروية, أو ظلت حبيسة المماحكات الأيديولوجية كالتروتسكية . أو أقحمت مجتمعاتها في دورات عنف مديدة تحت يافطة تثوير الطبقات الشعبية كجماعات التوبامارو , و بادرماينهوف و الألوية الحمراء .... الخ
شّكل النزوع إلى رمي الطفل بقماطه القذر , سياقاً عاماً انخرطت فيه النخب الفكرية- السياسية العالم ثالثية , في مواجهة معضلة فك التشابك بين الطفرة في المعنى التي أنجزتها المجتمعات الغربية بتحولها المبكر إلى الرأسمالية , و بين الميل إلى الهيمنة لدى هذه المجتمعات .
و لعل انبثاق الأصوليات الدينية كحركات نضال ضد الهيمنة الغربية هي الخاتمة الكئيبة لسياق بدأ بالهروب إلى الأمام باشرته النخب الفكرية اليسارية تفادياً لمواجهة معضلة الانتقال المتأخر إلى الرأسمالية , و انتهى بالوثوب إلى الخلف للتمترس وراء الأيديولوجيات الدينية , التي لطالما اشتغلت كبنية فوقية لأنماط إنتاج ما قبل الرأسمالية ( الإقطاعية , و الخراجية )
بين كراهية الهيمنة و هو شعور طبيعي عند من يكون موضوع لها, و بين كراهية ما يحمله المهيمن من طفرة في المعنى: مسافة جرى و يجري طمسها... على هذا التمييز بين جزمة الجنرال الأمريكي ماك آرثر ( الحاكم العسكري لليابان بعد الهزيمة ) و بين الدستور الذي اقترحه على النخبة اليابانية . استطاعت هذه الأخيرة أن تنهض باليابان من بين الأنقاض .
لم يتصرف الأمريكي المنتصر في العراق كما تصرف في اليابان , فلم يفرض على النخب العراقية دستوراً من صياغته "ربما قد تعلم من الدرس الياباني ". و ها هو الدستور العراقي الخارج من محنة التصويت عليه ,نكسة- في الكثير من جوانبه -عن دستور النظام المقبور, نظام صدام حسين.
لقد خرجت قوى الشد الى الماضي من عقالها.. ووضعت على الدستور بصمات حوافرها.. رغم ذلك هناك الكثير من مثقفي اليسار يبالط" الحوار بالحوافر " و يضع المسؤولية على الأمريكان . و ينّزه ركودنا التاريخي عن المسؤولية .
لقد فشلت التنمية و تضخم الفساد و غابت الحرية و تفسخ الاجتماع السياسي إلى مكوناته الأولية بفضل الإمبريالية و الصهيونية ... هذه هي الأغنية التي لا نمل من الترنم بها. يتراكم الغائط في سراويلنا, وإصبعنا كإبرة البوصلة ,ثابتة على الآخر كمصدر للرائحة ..
هوامش:
-1-جريدة الحياة-15-7-1995
-2-جريدة الحياة-15-7-1995
-3-الإسلام,أوربا,الغرب-رهانات المعنى وإرادات الهيمنة-محمد أركون-دار الساقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف