الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الردود النيرةعلى -فتوى- زاوج الصغيرة3

سامر أبوالقاسم

2008 / 11 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقف اليوم على إحدى الزلات العلمية، من منظور العلوم الشرعية ذاتها، وبمقاييس القواعد الأصولية التقليدية، التي تحكمت طيلة هذه القرون في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، وكذا في طرق بيان الأحكام الشرعية بخصوص الوقائع والنوازل والأسئلة المستجدة بتجدد الظروف والأحوال. وتكمن هذه الزلة ـ بالأساس ـ في كيفية التعامل مع السنة النبوية، من حيث اعتبارها تشريعا عاما موجها لكافة الناس، وقانونا واجب الاتباع من طرفهم وملزما لجميع ممارساتهم وتصرفاتهم وسلوكاتهم. وفي هذا السياق ذهب المدعو محمد المغراوي إلى جواز تزويج البنت الصغيرة، وبنى إجازته هذه بالقياس على السنة الفعلية الصادرة عن الرسول في هذا المجال، حيث يقول في بيانه: «وهذا الأمر الذي استقبحته بعض وسائل الإعلام وتناقلته بعض الصحف العلمانية وارد في حديث نبوي شريف في أوثق مصادر الإسلام وأصحها وهو صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم، فعن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين)) البخاري رقم5134 ومسلم رقم 1422. فهل جاء المغراوي بشيء من عنده وهل زاد على ما في الحديث النبوي الصحيح؟» (علامة الاستفهام زيدت من طرفنا، لأنها غير مثبتة في النص الأصلي).

ويتبين من هذا الرد، أن المدعو محمد المغراوي يعتبر صدور هذا الفعل عن الرسول، والثبوت القطعي للحديث المشار إليه، كافيان بشكل ميكانيكي للحكم بجواز تزويج البنت الصغيرة، وفق السن الوارد في الحديث نفسه، دون أن يكلف نفسه عناء إثبات الأدلة الشرعية والعقلية اللازمة للإقناع بعملية القياس على تصرف من تصرفات الرسول، ودون إدراك منه بأن ما صدر عن الرسول من أفعال وأقوال ليس تشريعا ولا قانونا واجبا اتباعه، إلا إذا كان المقصود به التشريع واقتداء الناس به، ولا يعتبر من التشريع العام والقانون الواجب اتباعه في أفعال وأقوال الرسول إلا ما صدر عنه بوصفه رسولا. فهل قام المدعو محمد المغراوي بما يلزم ليثبت أن أمر زواج الرسول بعائشة في تسع سنين هو من قبيل الأفعال المقصود بها التشريع أم هو من قبيل التصرفات ذات التقدير الإنساني غير القابل لأن يصبح قانونا ملزما لعموم الناس؟

من المؤكد، حسب ما أصدره المدعو محمد المغراوي، وحسب ما هو مثبت في موقعه المخصص جزء منه للإفتاء، أنه لم يبذل أي جهد في هذا الاتجاه، سواء خلال عملية بناء "فتواه" أو أثناء صياغته للبيان، وهنا يتبين كم هو سهل على بعض حفظة القرآن والسنة، من أمثال صاحب هذه "الفتوى"، التطاول على الاجتهاد والإفتاء دون امتلاك القدرة على ممارسته منهجيا وعلميا ومعرفيا، إذ يتبين بالملموس أنه لا يكفي أن يكون الشخص حافظا لكي ينصب نفسه مفتيا في القضايا التي تخص الناس في معيشهم اليومي ووازعهم الديني، مثله في ذلك مثل أولئك الذين يكفي أن يعلنوا انتماءهم إلى جماعة من جماعات التيار السياسي الديني لكي ينصبوا أنفسهم فقهاء يفصلون في أمور الحلال والحرام وغيرها.

ومن البديهيات، التي لا يمكن أن يغفلها المشتغل بعلم أصول الفقه، ولو في مراحله التعليمية الأولى، خاصة في باب الأدلة الشرعية، التي تعتبر السنة ثانيتها بعد القرآن وقبل الإجماع والقياس، حسب ما تعارف عليه الجمهور، هو أن الغالب في أفعال وأقوال الرسول هو ما لا يمكن اعتباره تشريعا ولا قانونا واجب الاتباع، على اعتبار أنه إنسان كسائر الناس: «قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي»، فقد يصدر عنه ما لا يمكن عده ولا إحصاؤه من الأفعال والأقوال في اليوم الواحد، وبالتالي ليس من الشرع ولا العقل أن يكون كل هذا الكم من التصرفات من قبيل التشريع.

لذلك، وبمنظور واقعي لا مغالي، وبدون تهافت في مجال التظاهر الشكلي بالتشبث بالدين الإسلامي، يمكننا القول، بكل بساطة، وبعيدا عن منطق التقديس الفارغ، إن ما صدر عن الرسول بمقتضى طبيعته الإنسانية؛ من قيام وقعود ومشي ونوم وأكل وشرب، ليس تشريعا ولا قانونا واجب الاتباع، لأن مثل هذه التصرفات ليس مصدرها الوحي بل إنسانيته، فهو فعل مبني على تقدير إنساني تمليه طبيعة السائد من الثقافة في شكل تقاليد وأعراف ذائعة حسب الشروط والأحوال المتقلبة بتقلب الأمكنة والأزمنة.

وكذلك الشأن بالنسبة إلى ما صدر عنه بمقتضى الخبرة الإنسانية، وتعدد التجارب في الشؤون الحياتية، من اتجار أو زراعة أو تدبير حربي أو وصف دواء لمرض أوما شابه ذلك، فهو ليس تشريعا ولا قانونا واجب الاتباع، لأن القيام بمثل هذه المهام ـ حسب التقدير العقلي الناضج ـ غير صادر عن مستلزمات الرسالة، بل هي صادرة فقط عن خبرته الحياتية وتقديراته الشخصية غير الملزمة، وغير المعصومة من الخطأ.

كما أفرد علماء أصول الفقه مجالا آخر في هذا السياق، حين اعتبروا أن ما صدر عن الرسول ودل الدليل الشرعي على أنه خاص به ولا يمكن أن يتعداه إلى سائر الناس، ودلت الحجة الشرعية على أنه ليس قدوة فيه، فليس تشريعا ولا قانونا واجب الاتباع، لأن مثل هذه الأفعال أو الأقوال لا يمكنها أن تكون معبرة سوى عن صفة ما اختص به الرسول دون غيره من البشر، ودون أن يتخذ صبغة التعميم في الاقتداء به على سائر الناس.

فهل بعد كل الذي ذُكِر من مسلمات في هذا المجال، يمكن للمدعو محمد المغراوي أن يتحفنا بتقديم أدلته لإقناعنا بأن حديث عائشة هو من قبيل التشريع العام، وما ورد به من حيثيات يدخل في إطار القانون الواجب الاتباع، وما احتواه من مضمون هو دليل على جواز تزويج البنت الصغيرة؟

وإذا كان الأمر كذلك، واستطاع المدعو محمد المغراوي أن يبرهن على ما ذهب إليه من جواز تزويج البنت الصغيرة بناء على الوارد في السنة النبوية الفعلية، ألا يمكنه قياسا على ذلك، أن يفتي بجواز التعدد في حدود تسع نساء، كما هو وارد في السنة الفعلية ذاتها؟

يبدو أن رفض التفاعل مع ثقافة حقوق الإنسان بقيمها ومبادئها، لا يمكنه أن يجر إلا إلى مثل هذه المطبات وأكثر، كما يبدو أن التشبث الأعمى بالاعتماد على المنقول من النصوص، دون استعمال للعقل في قراءتها وتحليلها واستخراج الأحكام والقوانين منها، لا يمكنه أن يسقط إلا في مثل هذه الزلات، وما واقع السيبة في مجال الإفتاء إلا دليل على أننا سنعرف ـ لا قدر الله ـ المزيد من الويلات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah