الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ريثما يموت الببَّغاء

سعدون محسن ضمد

2008 / 10 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عَلِّمني كيف اختار ولا تعلمني من اختار، ففارق كبير بين أن تُطعمني الحرية وبين أن تُطعمني للعبودية. وبين أن تخلصني من القيود وبين أن تكون أثقلها على كاهلي
يكمن الفرق بين أن تكون أنت مفكراً أو أن تكون داعياً لحساب جهة ما.
الفكر في واحدة من أسمى غاياته هو فن صناعة العقل. ويوشك المفكر من خلال ذلك أن يمسك بناصية المصير، لكن بعدما يكف عن إرادة التفكير بالنيابة عن الناس، عن اعتبارهم مجموعة مستهلكين لفكره هو أو لفكر ما، يريد الترويج إليه. أي بعد أن يتجاوز عقدة التعالي عليهم، وصولاً لمرحلة الثقة بهم، وبقدرتهم على أن يكونوا أكثر من أتباع. عند ذاك يستطيع أن يمنحهم القدرة لا على تداول الآراء والتفكير بها بل وتجاوزها والتمرد عليها.
يجب على المفكر أن يكون حريصاً على صناعة الأنداد. خاصَّة وأن معادلة العقل التي يجب عليه أن يضطلع بعملية التأسيس لها تعتمد ـ كما هو شأن المعادلات ـ على طرفين، طرفه هو، وطرف المتلقي الذي يجب أن يكون مرفوعاً لنفس درجة المعادلة، (أسَّها بالأحرى). ولا يجوز لمفكر يحترم نفسه أن يقنع بعملية التلقين ويعتبرها علاقة مشرِّفة تضبط أداءه كطرف بمعادلة صنع العقل. بل عليه أن يسمو بخطابه حدَّاً يجعله قادراً على استفزاز مكامن النقد في عقل المتلقي، عليه أيضاً أن يكون شجاعاً لدرجة تمكنه من التركيز على أدوات التمرد وعلى فن صناعة الأنداد بل والأعداء، لا الاتباع فقط.
بدون اعتبار المتلقي طرفاً رئيساً في معادلة التفكير ومن ثم التحرك اتجاه تسليحه بأدوات المعرفة قبل المعرفة نفسها، سيحبس المفكر مجتمعه داخل سجن كبير لا يُسمع فيه إلا صداه؛ إذ التلقين مرض لا ينتج غير مجموعة هائلة من الأتباع المهووسين بترديد الأفكار كما هي. ويبدو لي أن مثل هذه الغربة هي التي دفعت عبد الله أوجلان ـ مثلاً ـ لأن يقول مخاطباً اتباعه: لقد صنعتم مني ثرثاراً كبيراً.
الثقافة التي تسمي الإبداع بدعة وتلاحق الفكر المتمرد، ثقافة تلقينية لم تحظ بفرصة لتتعلم على يد مفكر مثل أرسطو، الذي كان مشغولاً بفن التفكير لا بالأفكار نفسها، كان يريد أن يضع ضوابط للعقل ولا يشغل نفسه بعد ذلك بالذي يمكن أن تنتجه هذه الضوابط. كان أرسطو إنساناً لهذه الدرجة، أقصد لدرجة حرمته من كثرة الأتباع، حرمته من ميزة التأليه، حرمته من أن يكون نبياً، فقط لأنه حاور متلقيه شاركهم ولم يلقنهم فقط.. علمهم كيف يكونون أنداداً أيضاً لا مجرد أتباع. وهذا ما نحن بحاجة إليه الآن، نحن بحاجة ماسَّة لمجموعة معلمين يعلمون الناس كيفية التفكير، لا ملقنين فقط يحبسونهم داخل نمط محدد من الأفكار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو