الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلاً إنسانيا للمسألة الكردية العراقية

جورج كتن

2004 / 2 / 26
القضية الكردية


الصديق ميشيل كيلو نحترمه ونتابع كتاباته ونتفق معه في كثير من تحليلاته السياسية، لكننا لا نتفق معه فيما تضمنه مقاله في"المستقبل" - 19/2 - بعنوان "أخطاء عبثية"، حول المسألة الكردية في العراق، فهو ينطلق من فرضية أن بعض القيادات الكردية العراقية تتمسك بقيام دولة كردية في شمال العراق، أو فيدرالية تقود لدولة مستقلة، رغم أن القيادات والاحزاب الرئيسية والمجلس المنتخب والحكومة الكردية لم تتخل عن شعار الفيدرالية ضمن عراق موحد، المطروح منذ أوائل التسعينات، ليس كمرحلة بل كخيار دائم. ووجود أقلية هامشية تدعو لدولة كردية، كجزء من ألوان الطيف السياسي العراقي العربي والكردي، التي ظهرت جميعها بعد انهيار النظام البائد، التي نتفق أو لا نتفق معها، لكننا لا نبني تحليلنا على أنها تمثل الغالبية.
أما قول الكاتب أن من الصعب إقامة فيدرالية لأن الأطراف الإقليمية تعارضها بقوة وستتدخل عسكرياً لمنعها، فهو أمر معروف في المجال الإعلامي، لكنه في المجال العملي لم نر أن هذه الأطراف الإقليمية استطاعت أن تفعل شيئاً لمنع الحرب على العراق رغم معارضتها الشديدة لها، كما أنها سبق أن وقفت عاجزة عن فعل شيء إزاء الأمر الواقع لقيام إقليم كردستان العراق خلال اثني عشر عاماً الماضية في المنطقة الآمنة المحمية دولياً من بطش النظام المركزي، فلماذا ستتمكن الآن من إظهار مقدرتها، رغم أن دورها الاقليمي قد تقلص وهي تسعى "لتنفد بريشها".
أما أميركا فمصلحتها الآن حسب المقال، منع الفيدرالية الكردية، بعد أن كانت متهمة عشية الحرب من التيار القومي واليساري والإسلامي بأنها تسعى لعراق مقسم لدويلات أو سايكس بيكو جديدة، بضعة أشهر فقط تفصل بين الموقفين المتناقضين، فأيهما هو الأصح؟ أما خوف أميركا من أن الفيدرالية ستفجر حرباً أهلية كما يقرر الكاتب، فلما لا يكون التحليل معكوساً: إن أميركا تفضل الفيدرالية لأن رفضها سيؤدي لحرب أهلية، وهو أمر أكثر توقعاً، إذ أن الأكراد تعودوا الثورة بعد أي تغيير مفصلي في النظام العراقي منذ أوائل القرن، وميليشياتهم لا زالت تحمل أسلحتها، ولن يقبلوا نكث الأحزاب العراقية بوعودها بالموافقة على الفيدرالية. ومن جهة أخرى إذا كان السبيل للفيدرالية كما يرى الكاتب يمر عبر الحرب الأهلية، فلماذا ينصح الأكراد بالتنازل عنها لمنع الحرب، لماذا لا ينصح العراقيين العرب بقبول الفيدرالية لقطع الطريق على الحرب الأهلية، فالفيدرالية يمكن أن تصبح الحل الأفضل للسلام والتآخي والمصالحة بين الشعبين العربي والكردي في عراق ديمقراطي موحد..
لا يقول لنا الكاتب بشكل واضح فيما إذا كان مع هذه الفيدرالية في ظروف أخرى مختلفة، ولو أننا نميل إلى فهم الفقرة الأخيرة من مقاله إلى أنه أقرب لرفض الحل الفيدرالي في العراق في ظل أي ظرف كان، الذي "يضعف الديمقراطية كحركة وهدف" و"يؤدي للتعصب القومي"، ولينصح أكراد العراق باستنكار مطلب الفيدرالية العبثي لئلا يخسروا ما تعترف به مختلف الأطراف- أي أطراف؟- من حقوق ديمقراطية وثقافية، ومن حق المواطنة.
وهو حل برأينا يتجاهل أن الحقوق القومية هي أيضاً ما توفره الديمقراطية للشعوب المضطهدة، فأي شعب لن يكون حراً إن كان يضطهد شعباً آخر، ولا أظن أنه يمكن نسيان الاضطهاد البشع الذي تعرض له الشعب الكردي في العراق خلال العهود المختلفة وخاصة العهد الصدامي الذي مارس تحت غطاء الفكر القومي العربي، سياسة شوفينية دموية اعتمدت التذويب والتعريب والتهجير القسري والإبادة الجماعية وتدمير البلدات.. لذلك ليس من البساطة بمكان توجيه تهمة التعصب القومي للضحايا عندما يطالبون بحقوقهم القومية في إطار الديمقراطية والعراق الموحد، ولا يمكن أن نكون ديمقراطيين إذا تنكرنا لحقوق القوميات الأخرى المتعايشة معنا، وهذا درس تعلمته السودان أما الجزائر والعراق فعلى طريق تعلمه.
ولا نرى أن على أكراد العراق استنكار الفيدرالية لئلا يلحق ذلك أضراراً بأكراد المنطقة الذين يريدون حقوقهم كمواطنين في دولهم، فمنذ زمن بعيد اقتنع الأكراد بحل مشكلاتهم في البلد الذي يتواجدون فيه بشكل مستقل ومنفصل عن أشقائهم في البلدان الأخرى، ويشبه ذلك الأشقاء العرب الذين اقتنعوا أن الكيانية القطرية العربية أصبحت واقعاً غير قابل للتغيير، وإن مشاكلهم تحل ضمن بلدانهم. حتى أنه بات لأكراد في بلد مصالح متناقضة مع أكراد في بلد أخرى، وأقرب مثال على ذلك الصراع بين الحركة الكردية في العراق وحزب العمال الكردي في تركيا. لذلك لا يمكن تعميم حلاً واحداً متشابهاً للمسألة الكردية في بلدان التواجد الكردي فلكل بلد ظروفه والحلول التي تلائمه.
كما لا يمكن مطالبة أكراد العراق باستنكار الفيدرالية في عراق موحد، لكي لا تلحق الشبهات بأكراد الدول الأخرى من حيث تعزيز الموقف المعادي لهم الذي يتهمهم بالانفصالية، فلو كانت الأمور تقاس بالشبهات لكان العاملون من أجل الديمقراطية أول من يستنكر الديمقراطية لكي لا يشتبه بأنهم يعملون لمصلحة القوى الخارجية حسب التهمة الجاهزة الموجهة لهم من أنظمتهم الاستبدادية.
الحل الفيدرالي حق محلي خاص بأكراد العراق، فهم من يسألون عن شكل العلاقة التي يريدون أن تكون لهم ضمن العراق الموحد، فليس من المنطقي سؤال عرب العراق إن كانوا يقبلون أو يرفضون استمرار تذويب الشخصية القومية الكردية، والمثال على ذلك اتفاق السلام السوداني الأخير الذي يتضمن استفتاءاً محلياً خاصاً للجنوب على أي شكل من العلاقة يريدها مع السودان. لقد قدم الأكراد مئات آلاف الضحايا من أجل الحل الفيدرالي في عراق موحد، ليصبح مقبولاً من الطرف العراقي العربي، ولا نظن أن العراقيين بحاجة لمزيد من أنهار الدماء بين الشعبين لإثبات حق الأقلية الكردية العراقية في تقرير مصيرها، فما يحتاجونه أكثر التعايش والمصالحة الوطنية وتكاتف الجهود لمواجهة فلول النظام البائد ومنظمات الإرهاب الأصولي الدولي وبناء نظام ديمقراطي تعددي، ليصبح إنهاء الاحتلال أمراً ممكناً.
*كاتب فلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة اعتقالات إسرائيلية خلال اقتحام بلدة برقة شمال غربي نابل


.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين




.. مبادرة شبابية لتخفيف الحر على النازحين في الشمال السوري


.. رغم النزوح والا?عاقة.. فلسطيني في غزة يعلم الأطفال النازحين




.. ألمانيا.. تشديد في سياسة الهجرة وإجراءات لتنفير المهاجرين!