الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرهان علي الوقت الضائع

بشير زعبيه

2008 / 11 / 9
المجتمع المدني


ما الجدوى ؟
سؤال كبير غالباً ما يقتحكم السياق المرتب لعناصر فكرة ما ، اعتقدت لوهله بأنها تصلح أن تكون موضوع زاوية ما في مجلة او صحيفة ما فيفسد السياق فوراً وتفقد الفكرة تماسك عناصرها . بل إن الحضور الذهني الذي ولدها سرعان ما يتحول الي حالة من التشتت ثم الضيق والتوتر ، تنتهي بقرار يكون غالباً ايضاً نتاج هكذا حالات : لن اكتب ..
يقول صديق انك لا تريد ان تكون كلاعبي الكرة أولئك الذين اكتشفوا في نهاية المباراة انهم كانوا يلعبون من دون جمهور , لذلك سيكون قرار لن "أكتب" نتيجة لطبيعة السؤال في مغزاه المحبط المخرب .
أحيانا يكون سؤال الجدوى حالة تحد تستجيب لها في مواجهة نادرة فتقرر انك ستكتب لأنك تريد ان تكتب . او لان فكرة الذهاب الي الجبل لتقولها هناك لا تروق لك ولأنك ايضاً لا تملك الرغبة او القناعة . وربما حتي الشجاعة في ان تقرب فوهة مسدس نحو احد صدغيك وتطلق في قمة تمكن اليأس بك بك وفقدانك طاقة الاحتمال ..
إلا أن السؤال نفسه عند اصحاب المبررات الكبيرة يحمل روح التحريض . إما لانهم يحاولون اقناع الاخرين قبل اقناع انفسهم بانهم يكتبون للجماهير واما لان بعضهم اعتقد في لحظة ما تحت تاثير ظرف ذاتي ما بأن للكتابة مفعول السحر وان الكاتب هو نبي عصره يوحى إليه فيكتب فيصنع اتباعاً بل الكتابة عند المغالين من هؤلاء قد تقوم مقام الخبز يلوذ بها الجائع ايام الشدائد ..
يستشهد صديق يعلن في جرأة دائماً أن الشاعر لابد أن يكون في مصاف الالهة وبغير ذلك لا تكون للشعر مهمة او سلطة , يستشهد هذا الصديق بقصة منتفاة من ذكريات احدي نساء مدينة لينينغراد عن حصار النازيين للمدينة , تقول السيدة استناداً الي رواية الصديق "لقد كان الحصار قاسياً لكن الشعر ساعدنا كثيراً كي نبقي علي قيد الحياة " ..ومع ذلك ، فإنا اشك في ان يصمد الشاعر نفسه في اول امتحان جوع .. ربما يحلم الشاعر هنا ويدافع بذلك عن أوهامه التي من دونها لن تكون للشعر مهمة لكن اصحاب الاحلام الكبيرة عادة ما يكونون اول المصابين بالخيبات الكبيرة في لحظة المواجهة مع اليومي بكل عريه وفظاعته وسيكون من المكابرة عندها تجنب الاستسلام للسؤال الداهم : ما الجدوي ؟!
يكتب الشاعر او القاص او الروائي او صاحب الفكرة شاهراً مبرر او وهم الكتابة للجماهير . متعمداً الا يسأل نفسه أي جماهير هذه ..؟ انه ينطق لفظ الجماهير كمصطلح هلامي نراه مستهلكاً في خطب الزعماء والبيانات وعناوين الصحف الرسمية اما الجماهير التي يمكن مشاهدتها علي الارض ولمسها والتحادث معها ورصد حركتها الجماهير الجماهير وأنا اتحدث عن منطقتنا العربية – فإن الاعتقاد بوجود علاقة لها بما يكتب هو احد جوانب الوهم الذي يدافع عنه الكاتب اما لانه من باب الخروج عن المنطق بل ومن السخرية الادعاء بأن القراءة قد تشد اهتمام تلك الجماهير في دوامة اليومي وعذاب ركضها اليومي من أجل الخبز وضمان العودة الي فراش امن عند المساء باستثناء قراءة التسعيرة المجنحة والفواتير الملحة وعلامات الطرق السالكة وتعليمات الحكومة المشددة ابداً , واما لان الفارق الرقمي فاضح الي ابعد من التعجب ، حينما يطبع من النسخ لاي كاتب شعراً كان ام قصة ام رواية ام كتاباً الاف تعد علي اصابع اليد الواحدة في منطقة يقترب تعدادها السكاني من الثلاثمائة مليون نسمة , ومع ذلك ايضاً لن تنجو نسبة مهمة من تلك النسخ في الاحصاء العام من مصير الانتظار الطويل لقارئ لم يأت . .وبعيداً عن البحث التقليدي في الاسباب المسؤولة عن خلق هذه الحالة وعن السؤال المكرر الي حد الازعاج " في من تكمن المشكلة في النص ام في القاريء المفترض ؟" فإن المحصلة المؤلمة هي ان الجماهير قد ادارت ظهرها للقراءة وان قيل انه قد انتهي زمن الجموع الذين تحركهم قصيده وأسقط هنا علي القصة والرواية والكتابة بما يقارب التعميم , اذ لا مفر أمام الكاتب من الاعتراف بهذه الحقيقة ، وله ان يكابر فيما بعد ويستحضر المبررات , او فليقتله الفالج والكمد أمام مشهد الجماهير التي ادارت له الظهر وهي تنساق مسحوره نحو ملاعب كرة القدم , وليمت مرة اخرى وهو يرى تذاكر الدخول الي تلك الملاعب تباع في السوق السوداء باسعار فلكية بينما يحكم علي كتابه تحت ماخذ الغلاء بالبقاء الابدي في رفوف المكتبات تحت طائله الغبار والنسيان وليمت كما يشاء حين يقارن تلك الملاليم التي دخلت جيبه مقابل ما أنتجته عصارة ذهنه وخلاصة عقله والوقت الذي أنفقه طوال عمره الابداعي بتلك المبالغ التي يحصدها لاعب في أقل من نصف عمره وفي موسم كروي واحد ,أوعندما يرى الكرة تسخر لها الاقمار الاصطناعية وتنقل علي جميع القنوات التلفزيونية وتحتشد الطوابير من اجلها متحمله كافة صنوف المناخ ، حتي الروح تهون في سبيلها , فهل يفكر قمره الصناعي ان ينقل مرة مسرحية واحدة ليشاهدها العرب اجمعين ؟ وهل عادل الذين قرأوا ديوانا او قصة او قصيدة او كتاباً ما خلال سنوات عدد الجمهور الذي يحضر مباراة واحدة في كرة القدم ؟
واذ سيفشل الكاتب في سرقة جمهور الكرة . فإن هذه الكرة ستسرقه لينضم الي جمهورها ، ويجد نفسه ضمن الملايين المشدوهة امام الشاشات يتابع هذا التنطط العجيب لتلك الساحرة وستنسيه حسرته علي خسارة فريقه المفضل مثلاً حزنه علي حالة الكتابة ومصير الكتاب , حينئذ سيتخلص من هاجس السؤال الشاق ما الجدوى ؟! لانه سيكون قد تخلص من اسبابه .
انه عصر الكرة . ربما لان كل شئ فيه قابل للركل .. أو أن عناصر المعادلة التي باتت تتحكم فيه هي ملعب ولاعبون وملعوب بهم .. أو أن كل ما فيه اصبح فرجة .. مخالفات متكررة .. حارس غافل وهدف مؤجل .. خصم متسلل لا يراه المراقب .. وراية مرفوعة لا تثير اهتمام احد تسديد مفقود ضد الخصم وجمهور ينتظر نتيجة غامضة فيما الوقت يوشك علي الانتهاء ولم يبق الا الرهان علي الوقت الضائع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3


.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona




.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس


.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف




.. لحظة اعتقال الشرطة أحد طلاب جامعة ييل الأمريكية المتضامنين م