الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل الفلسفة وضد مغتصبيها

عزيز الهلالي

2008 / 11 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سأل أحد طلبة شعبة علم الاجتماع الأستاذ عبد الصمد ديالمي قائلا: " هل هناك قراءة ماركسية للظاهرة الحمدوشية؟ ". فأجابه الأستاذ: " بل هناك قراءة حمدوشية للماركسية".
وسياق هذه الحكاية أن الحمدوشية كظاهرة تطبع قطاعاتنا الوزارية وتطبع معها ممارسات، الأمر يتعلق بما يسمى ب" المنهجية الاستعجاليه" التي تسابق الزمن والمسافات، فالمذكرة رقم 60 ومعها "دليل تحضير وإجراء الدخول المدرسي 2008- 2009 " صفحة 12 ، يشيران إلى نظرية" المواد المتقاربة" قصد سد الخصاص، وبموجب هذا الإبداع أضحت مادة الفلسفة حقل معرفي غير محروس قابل للإجهاز على خصوصيته من خارج التخصص. وبسبب هذا التسيب الاستعجالي فالحديث عن تعلمات التلميذ تبقى دون الإدراك الحقيقي لأبعاد الدرس الفلسفي، من حيث مجاله الإشكالي، وملاءمته المنهجية، وأفقه الانفتاحي...لينصهر التلميذ في صور نمطية من خارج التخصص يستقبل معلبات "معرفية" ملخصة تقتل فيه العشق الافتراضي للنص الفلسفي وحرقة أسئلته.
وهذا الإجهاز على الفلسفة بمعوال " المواد المتقاربة" إنما يعكس حالة الاستنفار للقائمين على الحقل التعليمي ببلادنا، قصد تعبئة مواردهم المندمجة المعرفية والمهارتية والسلوكية، لتحقيق كفاية القتل المنشودة للدرس الفلسفي. أما وأن القتل صاحبه تشويه للجسد/ النص الفلسفي كلحظة سادية، فإن الأمر مجرد استعادة تاريخية للاشعور الجماعي المناوئ للفلسفة. ألم تحرق مخطوطات ابن رشد أمام أعينه؟!!
وإذا كنا نتحدث عن إرادة القتل للفلسفة فلقد تعددت الآليات، منها استحداث داخل الفضاء الجامعي شعب للرفع من منسوب الصراع الاديولوجي وتأثيث فضاءاته بنعوثات تغذي نظرية الحقد على الفلسفة ومحبيها ك :الزنادقة والملاحدة والعلمانيين...وهي تهم ساهمت بقدر كبير في الاعتداءات الجسدية المفضية أحيانا إلى الموت المادي. لكن، إرادة المقاومة كانت تنتعش من سياقها العام سياق حاملي الفكر التنويري كالخطيبي والجابري وحسين مروة والطيب التزيني والعروي...وهذا الزخم كان يقابله إصرار الطالب الجديد على التسجيل في شعبة الفلسفة كاختيار نضالي. فالسياق التاريخي عموما كانت تتجاذبه لحظة سياسية أمنية تستهدف كرامة وحرية الإنسان. ولحظة التمرد على كل الأصفاد المكبلة للتفكير العاشق للترحال ونشدان التأصيل العقلاني. والمرحلة التي نتحدث عنها(السبعينات والتمنينات) عرفت انتعاشا قويا للخطاب الفلسفي، فالكتاب المدرسي المقرر لأقسام الباكالوريا " نحن والتراث" لمحمد عابد الجابري ساهم بشكل كبير في إذكاء روح النقاش بين صفوف التلاميذ وهو نقاش كان يقوي الانتصار للمدارس المادية تتوج بالمعانقة المبكرة للاختيار السياسي اليساري.
ما هي وضعية الفلسفة في سياق ما يعرف بمنظومة الإصلاح؟
لقد لجأت بعض النيابات الإقليمية على الصعيد الوطني إلى إلغاء أو تقليص عدد ساعات الفلسفة من الجذع المشترك، وهو إجراء ينقصه العمق الاستراتيجي في التفكير، لكونه يحمل آليات الدمار لكل القيم الجمالية والأخلاقية والمعرفية والتربوية...التي تزخر بها تاريخ الفلسفة. وبما أن القطاع التعليمي فضاء منتج للنخب و الفاعلين...نتصور على المدى القريب مدى قتامة المشهد الاجتماعي والسياسي ...خصوصا وأن التأسيس لضرب كل الأركان الفاعلة والحية في المجتمع وقيمه، مفعولاتها تتمظهر في كل المناحي وعبر كل المستويات من التفكير والفعل، وطبيعي أن يغذي هذا الاختلال في نظام الأشياء الحديث عن مفاهيم مثل الكفاءة، التأهيل، الحكامة الجيدة، التدبير العقلاني...للحصول على منسوب متوازن في درجة اليأس الاجتماعي .
إن إنتاج لوحة سريالية تحمل توقيع " المواد المتقاربة" أنتجت معها سكيزوفرينيا رهيبة، من مظاهرها أن بعض حاملي الشهادات العليا في موضوع " المضمضة" أو "شروط النكاح" أو " زواج القاصرات"...يتسلمون تعيينات، وهم في حالة ذهول، لتدريس الفلسفة. ومنهم من هو في سباق محموم لتدريسها، مهرولا نحو تغيير الإطار. ماذا حدث ألم يكن خصما للتفكير الفلسفي ومحبيه، ألم يعاد الفلسفة إيديولوجيا، ألم يستهدف روادها ومفكريها في إطار ردود متهافتة، ألم يستهدف قيمها الديمقراطية والحداثية؟!!! ثم فوق هذا وذاك، هل باتت الفلسفة حقلا لتخريب أسسها ومضامينها ؟؟!!
إن غياب العمق الاستراتيجي في التفكير يجعل تدبير الأزمة مرحليا دون تقدير مخاطر كبرى اجتماعيا. ولعل التوظيف الماكر للمفاهيم مثل سد الخصاص... إنما هو للتكيف والملاءمة مع وضع يصر القائمين على صناعته، وهو مسلك لا يختلف عن التوظيفات النظرية لمفاهيم كبرى كالكفايات...
إن التراجع في مستوى حركة الإبداع للنص الفلسفي ، والإجهاز على مادة الفلسفة إنما هو نسق منظم لتدمير كل القيم التاريخية التي تشكل قوام الحداثة المأمولة كعقلانية ابن رشد. وإذا كانت نبوءة (جيل دولوز) الفيلسوف الفرنسي ترى أن أمريكا اللاتينية كمحتضن مستقبلي للفكر الفلسفي فلأن مقاومة جماعية تبلورت من أجل الديمقراطية والفكر التنويري، ساهمت في حماية الانبعاث والمسار الفلسفي.
إن الدفاع عن المكتسبات العقلانية يجب أن يقدح زند شرارتها النخب المعنية قبل أن تتحول إلى دينامية اجتماعية تأخذ شكلا منظما. فالجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة معنية بخلق آليات دفاعية لتحصين مجالها العقلاني. كان من الطبيعي أن يحتضن المغرب الفكر الفلسفي كدورة تاريخية تمد جسور التواصل بين الأمس واليوم، من زاوية النظر إلى الحركة الفلسفية التي شهدتها بلادنا على يد رواد وضعوا اللمسات الأولى لتأسيس مدارس للفكر الفلسفي . إلا أن حركة الهدم للحقول المعرفية والفلسفية والسياسية... تشتغل بإستراتيجية حمدوشية، وهي مقاربة تدمج معها - للأسف- حتى حراس الممانعة.
وبمثل ما افتتحنا به هذه المقالة سنختمها على إيقاع حكاية تأتي في سياق توالد مفاهيم كتعبيرات عن منظومة أزمة الإصلاح للحقل التعليمي، كسد الخصاص، الضم ، إعادة الانتشار، ترشيد الفائض...وفي هذا الباب، سأل أحد المدرسين عن المقصود بالإزاحة؟ فكان الجواب:" في بداية كل موسم دراسي يتم وضع تنظيم تربوي جديد يحافظ على أقدمية المدرس في التباري على الفرعيات حسب الأفضلية داخل الوحدة المدرسية، وتتم عملية الإزاحة كسلسلة قد تشمل مجموعة من المدرسين وفق مذكرة الإطار". ويبدو أن هذا التوضيح خلق تشويشا للسائل، مما دفعه إلى أن يستوضح من جديد قائلا: " وإذا كانت العملية تخص فقط مدرسين اثنين وليست سلسلة، ماذا نسمي ذلك ؟" أجابه أحد الظرفاء: " تلك العملية تسمى( تـنـقـيـزة )". ويبدو أن الجمع بين الحكايتين لاستنكاه دلالتهما، فإن أبعادهما ترمي إلى أن المقاربة السليمة لإصلاح منظومة التعليم ببلادنا، يجب تبدأ بممارسة تـنـقـيـزة كنقد وتجاوز للعقلية الحمدوشية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة