الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المسؤول عن ضعف المجتمع المدني في تونس

الهادي خليفي

2008 / 11 / 9
المجتمع المدني


رغم اعلان الجمهورية و اختيار المجلس القومي التاسيسي للديمقراطية طريقة للحكم و وضع دستور في 1جوان 1959 و تعهده الدائم بالتعديلات ورغم اصدار رزمة من القوانين المتممة له فان ذلك لم يكن كافيا لتحقيق تقييد فعلي للحاكم في تونس ولم يضمن عدم جنوحه نحو ممارسة الاستبداد ولن يكون في ظل ضعف المجتمع المدني وغياب استقلاله و السؤال الذي يطرح و يلح عند اثارة هذا الموضوع هو من المسؤول عن ضعف المجتمع المدني في هذا البلد؟
نظرا لكثرة و اختلاف تعاريف مفهوم المجتمع المدني ونظرا لخصوصية المقال المحكوم بضيق المساحة و المحتوى فان الاجابة عن السؤال السابق ستتجه للبحث مباشرة في الاسباب الرئيسية التي تقف وراء اتسام المجتمع المدني في تونس باستمرار ضعفه وعدم تطوره رغم مرور اكثر من نصف قرن على تحقيق استقلال البلاد.
بالرغم من ان المجتمع المدني هو نتاج الافراد فمؤسساته من احزاب وجمعيات اهلية ونواد وروابط مهنية ومنظمات وطنية ...فهو في غير قطيعة تامة مع المجتمع السياسي الذي يمكن اختزاله في الدولة اذ الاخيرة تتدخل عبر التشريع في وضع تصور لما سيكون عليه المجتمع المدني كما ان الاخير وعن طريق مشاركة افراده في الاستحقاقات المختلفة يوفر قيادات وكفاءات لتسيير المجتمع السياسي ويتطلب تطور كلا المجتمعين وجود مواطنين لا يمكن التلاعب بارادتهم ومثقفين يصححون الاخطاء في مسار أي من المجتمعين السياسي وخاصة المدني لضمان تحرره واستقلاله ..وفي العموم يمكن تلخيص ضعف المجتمع المدني في تونس ثلاثة اسباب رئيسية:
اولا : ظاهرة هيمنة السلطة السياسية عليه وتطويع مكوناته اذ زمنا قليلا بعد الاستقلال وحين قامت الدولة الناشئة اعلنت احتكارها عملية تحقيق التنمية ورفعها التحدي لتخليص المجتمع من التخلف والامية والفقر وادعت ان مثل هذا التحدي يستوجب بالضرورة توحيد مختلف الطاقات والجهود ودمج فعاليات ومكونات المجتمع من اجل انجازه وعدم تشتيت الجهود فكان ذلك نواة لبدء القضاء على وجود ثقافة التعدد والقبول بالتنوع في التركيبة الاجتماعية واحلال الفكر الواحد بدلا عنها فكر احتكره حزب واحد يحتكره بدوره رجل واحد هو" الزعيم "..وبقدر ما كان الشعب ينتظر مع مضي العقود بعد الاستقلال تحقيق الوعود بالتنمية والقضاء على التخلف والعودة الى الانفتاح السياسي والخيار الديمقراطي الذي نص عليه الدستور الضامن لسيادة الشعب كان الحاكم يتجه اتجاها معاكسا تماما لهذه الرغبات ويضع التشريعات التي تزيد التضييق على الحريات العامة وتصادر الحقوق وتقلص من نفوذ السلطتين التشريعية والقضائية وتوسع في نفس الان سلطته التنفيذية حتى انتهى به الامر الى اعلان نفسه رئيسا مدى الحياة في دولة تتبنى النظام الجمهوري نظاما سياسيا للحكم ولان السلطة ظلت بعد ابعاده داخل نفس المنظومة فقد واصلت التحكم بنفس الطريقة وهي تسير بخطى حثيثة الى الوراء نحو الرئاسة الابدية ...ومن مظاهر اضعاف الدولة للمجتمع المدني في تونس اشتراطها في التشريع ضرورة الحصول على الترخيص المسبق في حال انشاء الجمعيات او الاحزاب وهما عموده الفقري واعطاء وزير الداخلية حقا مطلقا في منح او رفض الترخيص المطلوب وتدخلها غير المباشر عن طريق عناصر موالية لتعطيل الجمعيات المستقلة و شطر الاحزاب من الداخل بطرق اصبحت مكشوفة لدى الداني والقاصي يضاف الى ما تقدم دور السلطة المباشر في التضييق على حريتّي التعبير والتجمع وهما السلاح الذي عن طريقه يمكن للمجتمع المدني ان يؤثر في قرارات الحاكم او يظهر معارضته لها
ثانيا:ظاهرة غياب المواطن بما هو فرد عارف لحقوقه وملتزم بواجباته كما نصت عليها القوانين وبما هو وعي بالمواطنة وهي تلك العلاقة التي تجعل من كل مواطن مشاركا لغيره في الوطن مساكنة وفعلا غايتهما الارتقاء به واعلائه بين الاوطان ..ان غياب الاحساس بالمواطنة يعود في جانب كبير منه الى فعل السلطة اذ هي المسؤولة عن تفعيل هذا الشعور وترسيخه عن طريق اقرار حضوره في مختلف مستويات النظام التربوي والتعاطي بمصداقية معه لتعيده الى معناه الحقيقي فكيف للتونسي ان يشعر بمواطنته وهو يرى ا ن اخر ينتخب بدلا عنه و يخطط لمستقبل البلد عوضه ولا يدعوه الا للمناشدة او التصفيق او..وكيف لهذا التونسي ان يشعر بمواطنته وهو يعامل بمنطق من ليس معنا فهو ضدنا وان المخالف في الراي سيان والخائن للوطن ..
ثالثا:ظاهرة غياب المثقف وهو في نظري اهم من السببين المتقدمين في الحاق الاذى بالمجتمع المدني وابقائه في ما هو عليه من ضعف وتبعية والمقصود بالمثقف بكل تاكيد هو ليس صاحب المستوى التعليمي الجامعي او واسع المعارف متعددها والا لكان هناك فائضا وليس نقصا لهذا المثقف ولكن المقصود به هو ذاك المواطن الرافض لاي شكل من اشكال الاعتداء على ما اقرته له النواميس الطبيعية والمواثيق الدولية والنصوص الوطنية من حقوق وحريات عامة وانزالها منزلة القداسة وعدم قبوله باي مساس بها وذلك مهما كان المبرر او الداعي له ..ان هذا المواطن المثقف هو الذي يشكل نواة المجتمع المدني وحوله تبنى مؤسساته لتكون ذات فعل وتترك اثارا وهو الذي لا يقبل باي شكل ان تتحول جمعية خيرية او علمية او رياضية "يمنع عليها ممارسة العمل السياسي"سلعة في بازار حزب حاكم يفرض عليها سرا ان تناشد التجديد لرئيس مضى على حكمه في دولة جمهورية 20عاما ليتبجح جهارا باستقلاليتها ..ان هذا المثقف هو الذي مسؤوليته ان يحارب الفساد ولا يخشى في ذلك ان يسجن او يقتل حتى فالشمعة قدرها ان تشتعل ليستضيء الاخرون ..ان هذا المثقف هو الذي يعلو صوته احتجاجا اذ يرى ان محاميا او ممثلا كوميديا او صحافيا او طالبا يسجن لانه عبر عن رايه ورفض ان يفكر الاخر بدلا عنه ..ان هذا المثقف هو الذي يرفض الانخراط في احزاب تدفع به الى مستنقع سياسي قائم على النفاق الذي ما بعده نفاق حين يرى ان مرشحه لانتخابات الرئاسة فيها يمتدح منافسا له ويدعو للتصويت له ؟؟ ..ان هذا المثقف هو ليس الذي في مقابل وعود ومناصب يتنكر للقيم والمبادئ ..وهو ليس الذي يرهبه عون امن او عمدة اذ يخرجان عن مهامهما و يتحولان الى حزبيين متعصبين ..وهو ليس الذي يقبل او يرضى بواقع تستبدل فيه حرية التعبير بضرورة "التبندير"
في الختام لا بد من القول بان المجتمع المدني في البلدان المتقدمة يمثل متراسا وخندقا للدفاع عن الديمقراطية فكم من حكومة اسقطتها مكوناته عن طريق المسيرات والتظاهرات او عن طريق كشف تلاعباتها المالية او فساد افرادها عن طريق الاعلام الحر والمستقل بينما هو لازال يتلمس الطريق في تونس لاثبات ذاته محاولا وان ببطء شديد التخلص من تغوّل الدولة ووصايتها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب للمطالبة


.. ميقاتي: الحديث عن رشوة أوروبية للبنان من أجل إبقاء النازحين




.. بايدن: نحن لسنا دولة استبدادية ومع حق التظاهر السلمي وضد الف


.. جامعة أميركية تلغي كلمة لمندوبة واشنطن في الأمم المتحدة بضغو




.. ترمب يتهم الديمقرطيين بمحاولة السماح للمهاجرين لترجيح كفة با