الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنت الخصم

سعدون محسن ضمد

2008 / 11 / 12
المجتمع المدني


((اعترف رئيس هيئة النزاهة بأن الهيئة لا تزال غير محصنة سياسياً، وتتعرض لسلسلة من الضغوط من قبل أحزاب وقوى وتنظيمات سياسية توفر لمرتكبي جرائم الفساد الغطاء المطلوب الأمر الذي يعرقل عملها في مكافحة الفساد)).. هذا التصريح نقلته وكالة آكي الإيطالية للأنباء عن القاضي رحيم العكيلي في 30-10-2008. وعندما قرأت الخبر أول وهلة اعتبرت الوكالة مخطئة وهي تبدأه بكلمة (اعترف). فلو ترك لي تحرير الخبر لبدأته بكلمة اشتكى. باعتبار أن رئيس هيئة النزاهة لم يرتكب جرماً ليعترف به، بل هو يشتكي من ضغطٍ يتعرض له. الهيئة مشلولة بسبب تأثير الأحزاب عليها، وهو يشتكي من هذا التأثير.
أنا شخصياً كنت أنتظر مثل هذا التصريح من سيادة القاضي. بل كنت انتظر منه أن يسمي الأحزاب التي تحمي الفاسدين. كنت أنتظر منه أن يكشف للناس الجذر الحقيقي للأزمة، الذي هو تعامل الأحزاب الماسكة بالسلطة مع الفساد باعتباره استثماراً ناجحاً. الحقيقة ببساطة أن الفساد الذي تشتكي منه جميع القوى السياسية هو دجاجتها التي تبيض ذهباً. وهل هناك أحمق يمتلك مثل هذه الدجاجة ويكون مستعداً لذبحها، أو بيعها أو مجرد التخلي عنها دون أن يكون مكرهاً على ذلك؟ بالتأكيد لا. فما هو الحل؟ هل نشتكي من الفاسد أم نلقي به وراء القضبان؟ خاصَّة أن قضية الشكوى تطرح مفارقة مثيرة للسخرية هي: إلى من يفترض بنا أن نشتكي من الفساد؟ ليس أمامنا طبعاً إلا المؤسسات الأهم في الدولة، سلطاتها الثلاث، (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، لكنها مؤسسات مسيطر عليها من قبل نفس الأحزاب المتهمة بالفساد.. وهنا مكمن السخرية.. فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.
عند هذه النقطة من تحليل الموضوع يبدو أننا مطالبون بإعادة النظر بحكمنا الذي أصدرناه على الوكالة التي نقلت الخبر.. فقد تكون قاصدة باستخدامها لكلمة (اعترف). بمعنى أنها التفتت للمفارقة التي ينطوي عليها موقف النزاهة وهي تشتكي من حماية الأحزاب السياسية للفاسدين، كأن وكالة الأنباء تقول: ما الجديد بالموضوع يا هيئة النزاهة؟ وهل يمكن أن يمسك الفساد بخناق بلد دون أن يكون مدعوماً من قبل المسؤولين؟ بالتالي أليس هذا هو التحدي الذي يفترض بالجهات المسؤولة عن مكافحة الفساد أنها قبلت بالتصدي له؟ حسناً، فهي إذن تعترف من خلال هذا التصريح بفشلها بإتمام المهمة. التصريح إذن اعتراف بالهزيمة لا بجريمة.
لكن هل يمكن لهيئة وليدة مثل هيئة النزاهة أن تواجه جبهة مكونة من أغلب مؤسسات الدولة؟ هل يمكن لها أن تواجه المال والسلاح والتشريع والتنفيذ؟ وبالتالي هل نكون منصفين ونحن نطالب قاضيا ً واحدا ً أن ينتصر على جميع مفاصل الدولة؟ الجواب نعم سنكون منصفين إذا تذكرنا موضوع التحدي. لأننا إن قبلنا باعتذار هيئة النزاهة فسنقبل بعدها بأعذار جميع مسؤولي الدولة (الفاشلين). فليس هناك مهمة في العراق اليوم لا تواجه تحدياً صعباً. لكن في الحقيقة كل أعذارهم غير مقبولة، لأن المسؤول الذي يقبل بالمهمة مردد بين أمرين، الأول أنه لا يعي خطورة المسؤولية الملقاة على عاتقه، وهذا لا يستحق المنصب، والثاني يعي جيداً ثقل المسؤولية ويدعي القدرة على حلها ثم يعجز. بالتأكيد ليس من السهل عليَّ أن أكتب عن هيئة النزاهة، فرئيسها رجل يحظى باحترام وثقة الكثير من الأوساط، وبالأخص الوسط القانوني الذي انطلق منه، وهو جدير بالاحترام والثقة. لكن القضية تتعلق بالأدوار، فبالنهاية أنا إعلامي وهو رئيس الهيئة المسؤولة عن مكافحة الفساد. وعلى كل منّا أن يواجه التحدي الذي قبل به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تدمر مقر الأونروا في جباليا شمالي قطاع غزة


.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإطلاق سراح ا




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة


.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين




.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت