الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى اغتيال بن عيسى

رشيد طلحة

2008 / 11 / 13
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


صباح فاتح مارس 1993 ، بينما كنت متوجا إلى كلية الحقوق بظهر المهراز بفاس للاطلاع على آخر تطورات الوضع المتشنج بالساحة الجامعية، فاجأنني أحد الرفاق بخبر كان من الصعب علي تقبله لأول وهلة و هو استشهاد المناضل القاعدي أيت الجيد محمد المعروف في الأوساط الطلابية ببنعيسى.

ففي عشية يوم 25 فبراير 1993 و بينما كنا نخوض مقاطعة عن الدراسة لمدة يومين احتجاجا على الأوضاع المتردية في كلية الحقوق و سعيا منا لتحصين بعض المكتسبات التي حققناها بعد صراعات طويلة مع الإدارة و تنديدا منا بالانزالات التي ما لبثت القوى الظلامية الرجعية و التي لا تمت للجامعة بصلة تقوم بها من فينة لأخرى لتشيع جوا من الخوف و الذعر داخل الأوساط الطلابية، اعترضت مجموعة من الإسلاميين المنتمين لجماعة " العدل و الإحسان" مدججة بالهراوات و الخناجر لسيارة أجرة كانت تقيل بنعيسى و رفيقه الخمار إلى حي القدس حيث يقطنان لتخرجهما بعنف و تعلن فيهما تنفيذ فتوى القتل التي أصدرها أحد زعمائهم كتتويج لمسلسل التصفية الجسدية للمناضلين القاعديين و الذي بدأت أطواره في سنة 1989 بدعوى محاربة الإلحاد في الجامعة المغربية.

في الشارع العام و على مرأى و مسمع القوى المخزنية التي كانت تعسكر بالساحة الجامعية و الطرق المؤدية للحي الجامعي، و بطريقة و همجية الإنسان البدائي، أسقط أفراد العصابة الشهيد أرضا ليضرب رأسه بقوة مع الرصيف و في مراكز حساسة من رأسه لتحدث به كسورا بليغة و.لتدخله في غيبوبة دامت أربعة أيام و لم تتدخل قوى الأمن إلا بعد انتهاء أطوار الجريمة لتنكشف مرة أخرى المؤامرة الدنيئة و ليتأكد صدق ما كنا ندعيه من وجود تحالف موضوعي بين النظام المخزني و العصابات الفاشية لقمع رموز الحركة الطلابية.

لقد نجا رفيقنا الخمار و بأعجوبة من محاولة الاغتيال هذه، غير أن الضربات التي و جهت له خلفت في جسده آثارا ظل يعاني منها لمدة طويلة.

ما زاد في حرقتنا و غضبنا هو قيام الأمن المخزني بتهريب جثة الشهيد و بغاية في السرية إلى وجهة لم نعلمها إلا فيما بعد، حيث توجهنا في حشد جماهيري كبير من الطلبة و هيئات المجتمعين المدني و الحقوقي إلى مستشفى الغساني لنطالب بحقنا في استلام و تشييع جثمان الشهيد باعتباره شهيد كل الطلبة ، و رغم تعرضنا لتهديد مباشر من قوى الأمن التي كانت مستعدة لتستغل أي ارتباك في صفوفنا لتشن قمعها المعهود فقد أبينا إلا أن نبقى مصرين على طلبنا ليجبر بعض ضباط الأمن على الاعتراف بنقل جثة الشهيد ليلا إلى قرية " تزكي إدا وبلول" بإقليم طاطا جنوب المغرب لدفنها سرا و ذلك رغم أن عائلته كانت تقيم في مدينة فاس.

ولم لا، فالشهيد بن عيسى بمصداقيته النضالية أرعب النظام حيا فاعتقله و أذاقه مرارة السجون، و أرعبه ميتا فنفى جثته بعيدا عن رفاقه.

سعيا منا لضبط أعصابنا و تفادي أية مواجهة مع فيالق قوات التدخل السريع فقد ارتأينا أن نتراجع للساحة الجامعية في مظاهرة حاشدة شارك فيها آلاف الطلاب بشعارات نعاهد فيها الشهيد بالسير على دربه لشق قيد الوطن الأسير، وقد ملئت سماء فاس بزغاريد انطلقت من سطوح أحياء القصدير أطلقتها نساء الطبقة الكادحة القاطنة بحي الليدو المجاور للحي الجامعي لتعبر عن مدى ارتباط هموم الجماهير الشعبية بهموم الجماهير الطلابية و لتؤكد مدى التلاحم بين الجامعة و الشارع.

في قلب الساحة الجامعية أقمنا حفل تأبين رمزي للشهيد ألقى فيها ممثلي الفصائل التاريخية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب و الهيات الإنسانية كلمة وداع للشهيد و نددت فيه بالجريمة الوحشية التي ارتكبت في حق أحد اشرف المناضلين مذكرة الرأي العام الوطني و الدولي بجرائم الجماعات المتاسلمة في حق كل من عمر بن جلون و معطي بوملي ...

تم إعلان 10 مارس 1993 يوم حداد وطني حيث عبرت من خلاله الجماهير الطلابية، في كال المواقع الجامعية، عن إدانتها الجماعية لأسلوب الإرهاب الذي تنهجه العصابات الظلامية في حق المناضلين الشرفاء مؤكدة تشبثها بالهوية التقدمية و الكفاحية لاوطم.

لقد ظل النظام المخزني صامتا عن هذه الجريمة البشعة لسنوات طويلة، و بدل متابعة الجناة و مسيريهم و تقديمهم للمحاكمة عبر أكثر من مرة عن دعمه الخفي لهذه القوى الظلامية مادامت تكفيه عناء ملاحقة المناضلين التقدميين، و ما دامت ستلهي الجماهير الطلابية عن معاركهم الحقيقية و تقحمهم في معارك هامشية و ما دامت ستضعف الفكر التقدمي داخل الجامعة المغربية و هو ما نجحت فيه فعلا مستغلة الانشقاقات داخل ا و ط م و اعتقال أغلبية طلائعه.

كان علينا أن ننتظر أربعة عشر سنة حتى يتم فتح ملف القضية و يقدم أحد المتورطين في الجريمة لتتم محاكمته ابتدائيا بعشر سنوات و يتم تخفيض هذا الحكم من طرف محكمة الاستئناف لسنتين فقط و تحويل التهمة من "القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد" إلى "المشاجرة المفضية إلى الوفاة" !!!

من يعرف بن عيسى، لا يمكن أن يتصور أنه دخل في مواجهة مع هذه العصابات لانه و ببساطة انسان مسالم و رزين و ضد العنف كما أن نحالة جسمه لا تسمح له بتاتا بمواجهة جحافل مدججة بكل أنواع السلاح الأبيض.

لقد سعى النظام الى طي هذا الملف بهذه السرعة بما يرضي مخططاته في اطار ما أسماه "الانصاف و المصالحة" غاضا النظر عن مباركته السابقة لهذه الجريمة.

هكذا تم اغتيال الشهيد مرتين، مرة عندما قتلته القوى الظلامية و مرة عندما لم ينصف القضاء عائلته و رفاقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال