الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية....ورسائل

علي ماضي

2008 / 11 / 13
المجتمع المدني


موضوع الأقليات يحتل مساحة واسعة من اهتمام الدول العلمانية المتحضرة على مستوى الحكومات والأفراد(المجتمع) ، فهذه الفئات تدرك تماما ان شعور الأقلية بالاضطهاد سيقابله التكتل كرد فعل غريزي نتيجة للشعور بالخوف ، ولعجز هذه الأقلية على مواجهة الأكثرية فهي قد تميل إلى سلوك طرق غير مباشرة للدفاع عن الذات،وخصوصا في المجتمعات الغير ديمقراطية مثل:
• كالحيلة والمكر والخبث كما اتهمت الأقلية اليهودية في أوربا ،حتى قبل الحرب العالمية الثانية.
• الخضوع التملق لأصحاب القرار والازدواجية في الشخصية .
• الانعزال والانغلاق على الذات كما حصل مع الصابئة المندائية وباقي الديانات الأخرى في العراق .
وقد يصل الأمر إلى العنف كما حصل في فرنسا في أحداث العنف التي قامت بها الجالية الأفريقية في فرنسا نهاية العام المنصرم،ومن حسن حظ هذه الجالية أنها تعيش في بلد ديمقراطي ،حيث استطاعت استغلال مساحة الديمقراطية للتعبير عما يجول في خاطرها من إحساس بالظلم والاضطهاد،وان كانت طريقة التعبير مشوهة وغير حضارية.
كل ما ذكرناه يعد نوعا من أنواع التشوهات في الشخصية،ولا يخفى على احد فالمجتمعات المتحضرة تسعى جاهدة من اجل ان تجنب أفرادها مثل هذه التشوهات ،وأقول أفرادها لان مفهوم الهوية القومية بدا يتلاشى ليحل محله الهوية الثقافية ،لذا أصبح الحصول على جنسية الدول المتحضرة أمرا سهلا]،والفوز بمنصب رئيسها ليس مستحيلا كما حصل مع اوباما الذي فاز بمنصب رئيس الولايات المتحدة التي أثبتت (انها دولة عظمى في كل شيء حتى في أخلاقياتها)**[ ،فما أن تتأكد الجهات ذات العلاقة من كونك تدين بثقافة أفرادها حتى تمنحك جنستها لتصبح مواطن دون اي تمييز في الحقوق او الواجبات.
يذكر الكاتب الفرنسي هنري بينا في كتابه ما هي العلمانية؟ الحادثة التالية( في سنة 1995 هزت ألمانيا ((المنازعة حول الصلبان)) .ففي 10 آب 1995 قضت محكمة كارلسرويه Karlsruhe بعدم دستورية القانون في مقاطعة بافاريا القاضي بإلزام المدارس العامة بتعليق الصليب في كل قاعة صف. هذا الحكم أثار حفيظة الفاتيكان ، دفع هلموت كول إلى القول : ان المسيحية تدخل في بناء الثقافة الألمانية وان نزع الصليب كان بنظره غير مقبول ،في حين أبدت الأوساط العلمانية غضبها من الوسم الديني المفروض على أمكنة غايتها استقبال كافة الأولاد ،واعتبرت تصريح كول خلط بين الدين والثقافة ،وأكدت ان تعليق الصليب سيتسبب بوقوع العنف على الذين لهم خيارات روحية مختلفة ،كشعورهم بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية)*. وهذا يعني ان الأوساط العلمانية صنفت إحساس الآخر بأنه مواطن من الدرجة الثانية نوع من أنواع العنف. وأثبتت انها وصلت من الرقي ما يجعل فكرة الإنسان السوبر(الكوني) التي نادي بها نيتشه قريبة المنال .
هذه القضية تدفعني إلى أن أوجه الرسائل التالية:
الرسالة الأولى
إلى أولئك الذين قاموا بأعمال عنف ضد مسيحيي العراق في الآونة الأخيرة ،أين تضعون أنفسكم (في أي درك من الانحطاط و التسافل) أمام هذه المقاييس المتحضرة التي أصبح العالم يدين بها الآن .
الرسالة الثانية
إلى أولئك الذين يثيرون بين الحين والآخر موضوع محاربة الغرب للإسلام من خلال منع ارتداء الحجاب في ألاماكن الرسمية ،فالحكم الذي أصدرته محكمة كارلسرويه، دليل لا لبس فيه على إن المجتمع الغربي ليس ضد الإسلام كدين وإنما ضد رفع الرمز الديني في الأماكن التي يفترض ان يتواجد فيها الجميع دون تميز او تحيز لدين او عرق او طائفة،وعلى انه مجتمع يناضل ليحافظ على مكتسبات الأجداد المتمثلة بالبيئة العلمانية التي دفع ما يكفي من دماء أبناءه ليجسدها على ارض الواقع.
الرسالة الثالثة
بتاريخ 26/6/2008 عرض تلفزيون العراقية حديثا لرئيس الوزراء نوري المالكي تحدث فيه بشيء من التحليل مع مجموعة من المدراء العامين حول أسباب تولي صدام الحكم ،وأسباب استمراره ،مؤكدا ان السبب يكمن في المجتمع العراقي ذاته، مستشهدا بالحديث القائل(كيفما تكونوا يولى عليكم)،وبغض النظر عن صحة هذا التحليل من خطأه،فلسنا في هذا المقال بصدد مناقشة ذلك ،ولكنني أرى أن من الحكمة تجريد الخطاب الرسمي لشخص رئيس الوزراء(أو أي مسؤول اخر) من النبرة الدينية، على اعتبار انه لم يعد يمثل طائفته او قوميته وانما يمثل الشعب العراقي بجميع اطيافه واثنياته ،كما ان ذلك وبحسب مقياس القوانين المتحضرة يعد نوع من انواع العنف ،ضد الاخر الذي لا يدين بدين الاسلام .
ويثير مخاوفهم ايضا فما ذا لو فعلت الآيات والأحاديث الأخرى فعلها في شخص رئيس الوزراء الحالي او الذي يليه ،كنص(إن الدين عند الله الإسلام) وقرر ان يتقرب الى الله تعالى بإدخال باقي الديانات عنوة في الإسلام؟ضاربا بعرض الحائط الدستور وما فيه ومن وضعه ،مرددا قول الشاعر
ألا ليت الذي بيني وبينك عامر وما بيني وبين العالمين خراب.
أنا شخصيا اشعر بالخوف والاضطهاد حين تراودني فكرة ان إقليما دينيا سيقام في الجنوب،على الرغم من انني انتمي لنفس الطائفة ،فكيف بالأقليات وهي تعيش تحت ظل دستور دين الدولة فيه غير دينهم؟
كيف بأعضاء البرلمان من غير المسلمين وهم يعملون تحت قبة برلمان يفتتح جلساته بتلاوة من كتاب هم لا يؤمنون بقدسيته ؟ ألا يرسخ هذا الشعور على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ؟ومثل هذا الشعور ألا يقلل من قدرتهم على المطالبة بحقوق الأقليات التي ينتمون إليها؟
الرسالة الثالثة
إلى القائمين بإعداد ما يسمى بمشروع هوية الأحوال المدنية الذكية المزمع إصدارها أتمنى أن تكون هذه البطاقة خالية من الإضافات والملحقات العنصرية كالدين والقومية ،فهذه الأوصاف شهادة لا تقبل النقض على تطرفنا الديني والقومي فما حاجتنا بها إن لم تكن الغاية منها التميز على أساس الدين أو العرق؟
آن الأوان أن نخطط ونخطو لنرقى بعقلية، ونفسية هذا المجتمع لنصل به إلى مستوى من الرقي والرقة ، إلى مصاف المجتمعات المتحضرة التي تحس بالآخر إلى درجة تكون معها مستعدة للتضحية بما يسمى بهويتها الدنية من اجل أن لا بشعر الآخر بأنه مواطن من الدرجة الثانية أو تشعر هي ذاتها (المجتمعات) بأنها تمارس نوعا من العنف الاجتماعي ضد الآخر .

*ما هي العلمانية ؟ هنري بينا ترجمة د. ريم منصور الأطرش ص189
** تعليق للسيد مثال الالوسي عشية فوز اوباما رئاسة الولايات المتحدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري


.. عائلات الأسرى تقول إن على إسرائيل أن تختار إما عملية رفح أو




.. بعد توقف القتال.. سلطات أم درمان تشرع بترتيبات عودة النازحين


.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما




.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب