الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطة الأقبية

حسام السراي

2008 / 11 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقدّم لنا الإشكال الطائفيّ في العراق دليلا ملموسا على نزعة تفسير الأحكام السماوية والنصوص المنزّلة وفقا لأهواء ومصالح شخصية معينة ، لينبثق بسبب هذا ، وبدلا عن الدين الواحد ، دين "لادني " وثانٍ " أصولي إلغائي"وآخر يتبع أهواء هذا الزعيم أو ذاك الواعظ المطبّق على مفاتيح الآخرة ، بما يصوّره لمحيطه وكأنه بوابة الوصول الى الجنان الموعودة . هذه العناوين الجديدة التي لها أتباع ومريدون، وضعها اناس- تجاوزوا على الدين - بتنصيبهم أنفسهم قيّمين عليها ، فلم يتركوا امر العبادة لخيارات الإنسان وما يؤمن به ، بل راحوا يلاحقون الفرد لشرائه الطماطم مع الخيار في سلة واحدة محرّمين ذلك عليه!.
ان أي كلام عن ضرورة تحديث الفكر الدينيّ ، لهو سير في منطقة ملغمة يشهد لها تأريخ من التصفيات والتكفير لأولئك المجدّدين ، بفعل الخلط المتعجّل بين مفهومي التحديث والتغريب ( النقل الفكريّ عن الغرب) ، وتحوّل الإصلاح وتشذيب الخطاب الدينيّ من بواعث التطرف ، الى رهاب يهدّد الدين ومافيه من ثوابت تنظم الحياة ، على لسان أولئك القابضين على روح الدين .
واذا ما أشرنا بصريح العبارة ، فإن طرح هكذا موضوع فيه كثير من المحذورات ، يجرى استيعابه على انه تعدٍ سافر ، يفصح عن تساؤل مربك ٍ: هل إن المقصود تجديد الفكر الدينيّ أم إنه تجديد لمضمون الدين ذاته ؟، تدخل وقتها القيم والاحكام في الصَدَفـَة المنيعة لهؤلاء الحماة في بحر من تأويلاتهم، مخافة التحديث والتقدّم ، بداعي الحفاظ على الهويّة الأشمل، التي صارت متراسا للسيطرة على الحياة والمجتمع ككل .
ان الهويّة التي يراد للعراق أن يمتلكها ، في ضوء الحديث عن الدين ،لاشك في وجوب اعتمادها المواءمة بين الخطاب الدينيّ العقلانيّ وقيم التمدن واحترام انسانية الانسان ،بما يلزم التمييز بين مفهومي الدين والفكر وما بينهما من مسافة للتجديد، فالأوّل ثابت فوقاني والثاني متحرك يتغير بفعل عملية استنتاج وقراءات لرؤى تتعلق بمراعاة الزمان الذي تطبق فيه تلك التعاليم، دون النظر الى موضوعة التجديد بعينها على انها محاولة لفضح الأخطاء فقط ، بل احياء للمترّسخ الساكن وعصرنة للمفاهيم والأنساق الراكدة .
ويظل هاجس الخوف من محاكاة التراث الدينيّ حيا في أدمغتنا ، بترّددنا من نقده واستنهاض ما فيه من مثل عليا لايمكننا التغاضي عنها ونسيانها ، وهذا لن يجرى بلا مراجعة نقدية ، يسهم فيها بدرجة اساس جمع من المتنوّرين ورجال الدين الذين يريدون لأمتهم الخير ، وليس أولئك الباحثين عن منافع وغايات لن تعود علينا إلا بمزيد من أشكال الاستعباد والهيمنة ، وليس غريبا حين تصبح هذه الجماعات دكتاتوريات ترفع شعار تطبيق الحكم الإلهيّ على الأرض، بإيغالها في ظلم البشر ونسيان حقوقهم واحتياجاتهم .
ولهول ما حل بالعراق ، لابد لنا أن نعيد تنقيبنا عن الأسباب التي تردى بسببها العراق، هل هي نتاج طائفية البعض من أبنائه وقتلهم وتشريدهم الآلاف ؟، أم ان رجال الدين لم يفلحوا في تمكين التسامح والعدل من السيادة في المجتمع؟، بإفتائهم بالقتل وأخذ القصاص وما الى ذلك من إغفالٍ لمصائر الأبرياء ؟، أم ان هناك مشكلة أكبر تخص قناعاتنا المتقابلة بشأن الطوائف وما يتطلب من إذعان لأفراد ومنظومات مختلفة ؟، بدل واحدية الدين نفسه .
وبالرجوع الى إمكانية ان يجرؤ المثقف على الخوض في "تجديد الفكر الدينيّ "، فهو موضوع حساس جدّا ، يضعه على كف عفريت ، من إزهاق لروحه ، بفهم المتشدّدين لتلك المحاولة على انها سعي للاستحواذ على ريادة المجتمع وقيادته وعلى منهج تفكيره.أتراه مستحيلا أن يمتلك جرأته وهو الممارس لدوره الانتقادي بتجرّد!، في وقت لايستبعد فيه أي مثقف إحتمالات إمحائه من الوجود ، فسلطته التي يتقوّى بها ، سلطة كلام وكتابة ، معوله كلماته ، ورأسماله إطروحاته التي ينوي نشرها بين الناس ، لاسلطة الخطابات المنبرية سريعة الانتشار، التي تكسب مجدها من الهتافات وأزيز الرصاص وصدى الرقاب المحزوزة ، لدى مجموعات ،غطاؤها الدين، وشغلها الشاغل بثّ الكراهية واتهام مساجلها بالتبديع والإلحاد بحجة مخالفة أصول وتعاليم الدين .
ولننتبه الى مايقوله مفكر وكاتب مرموق كـ"ريجيس دوبريه" ،بإن المثقفين .... يشكلون مجموعات لاتحسن سوى ممارسة نخبويتها ونرجسيتها " . لتأتي هذه المقولة بإيضاح ما يحتاجه المثقف ، قبل شروعه بأي فعل ، عبر محاكمة واثقة لممارساته ودوره ،واشتراط وجود المشروع الذي يثير ويحرّك مجاميع المثقفين المتناثرين ، واطلاقه واعدا بلغة مدركة للواقع ولتغيرات العالم .إن انعدام سبل بلوغ ما أشير اليه، سيبقي المثقف بين فكيّ تزمت المتدينين وردودهم المفزعة وافتقار المثقفين لقوى ضغط حقيقية . الأمر الذي سيصبح تشخيصا لحدود صراع بين الدعاة والهامشيين المنسافين، الفاعلية التنويرية والعزلة الفكرية ، مغادرة القصور الذهنيّ والسبات في الصناديق المقفلة : العقول المتحجرة .
كم هو الفرق كبير بين دعاة لاتتعدى حدود نصحهم أقبيتهم ، ممن تنقضي أيامهم بتلك الابتهالات التي تتوسل الرحمة والغفران للبشرية ، وآخرين منبريين يجاهرون بذبح من لا يرونه على ملتهم ، يتوعدون في الغروب والشروق ، أجسادا جديدة، آمالا متبقية، أشلاء نستها الكلاب لتجذبهم رائحتها وهي مضمخة بدماء الغدر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا