الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلسلة فلسفة القيم 3 من هو صاحب القيم ؟ اللة أم الإنسان .......؟

سيد القمنى

2008 / 11 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


للقارئ أن يتساءل هنا : هل كتب وزارة الأوقاف المصرية حول القيم الإسلامية موجهة للمسلمين وحدهم و بشكل خاص ؟ أم هي موجهة إلى كل الدنيا باعتبار القيم الإسلامية و الإسلام لكل الدنيا ؟ و إذا كان ذلك هو الغرض فهل يقصد فقهاؤنا طرح قيماً بديلة لما تعارفت عليه البشرية و اعتادته الدنيا منذ زمن أفلاطون ؟ و هل معني ذلك أن مشايخنا يرون وجود تعارض بين ما لديهم من قيم دينية إسلامية و بين القيم الإنسانية ، و يريدون بذلك إقناع أهل الغرب بما يجب عليهم الاخذ به كي يتقدموا و يسعدوا ؟ أم أنهم يطرحون كلامهم علينا نحن المسلمين حتى نحذر القيم الإنسانية ، حفاظاً علينا من الإنحدار من مستوى العالم الثالث إلى مستوى العالم الأول ؟ و إذا كان الخطاب لأهل الغرب ، فكيف سنقنع هؤلاء الأوغاد بالأخذ عنا و هم يرون أحوالنا في حضيض الأمم و هو ما لا يدفع أو يشجع أحداً للأخذ عنا .
كلنا يعلم أن أوروبا قد أقامت جزءاً من نهضتها عما أخذته نقلاً عنا منذ الزمن المعروف مدرسياً بزمن الرشدية اللاتينية نسبة لابن رشد ، لكنها نقلت ما ترجمه العرب عن اليونان موطن الحضارة القيم ، و كان هذا النقل عن قناعة منهم و بحسن بصيرة و عظيم فهم ، ولم يحتسبوة غزواً ثقافيا، و مثل هؤلاء لن ينقلون عنا اليوم ما تعافه البشرية و يزدريه العالم .
كلنا أيضاً يعلم أن الحركة العلمية العربية كانت معظمها ترجمات عن حضارات سابقة لا علاقة لها بالسماء و أديانها ، فهل كان هذا العصر الذي نزهو به يتعرض لغزو ثقافي ، و هل كان علماء الزمن العباسي و هم ينقلون عن الوثنيين يونان أو رومان أو مصريين أو هنود على خطأ ، و كان الصواب أن ينقلوا عن السلف وحدهم كما يفعل و يطلب مشايخنا اليوم ؟ الحقيقية الناصعة هي أنه عندما انفتح المسلمون على غيرهم و نقلوا علومهم و تجاربهم رغم وثنية هذا الغير ، كان ذلك هو عصرنا الزاهر ، و حفظ به العباسيون للدنيا كلها أسس التحضر و التقدم بما حفظوه لنا من علوم الحضارات الوثنية القديمة .
و بين ثنايا فقههم يلقي مشايخنا بالقول تسليماً من أنفسهم لأنفسهم بقدسية ما يقولون ، دون أن تستند تلك الأقوال إلى سند من منطق أو واقع ، و ذلك مثل قول الدكتور الصاوى أحمد الصاوي فى كتابة القيم الدينية وثقافة العولمة الصادر عن وزارة الأوقاف : " إن عقول العلماء و المفكرين و الفلاسفة الذين يضعون أسس هذه القيم الوضعية ، عاجزة مهما قويت عن الإحاطة بجميع مصالح المجتمع البشري " .
و المنطق البسيط يقول لنا أنه إذا كانت عقول فلاسفة الدنيا قاصرة عن الإحاطة بمصالح المجتمع ، فلا ريب في المقابل أن تكون عقول فلاسفتنا أكثر عجزاً ، و أن تكون عقول عوامنا أعجز و أعجز ، و ينطبق ذات الشئ على الفقهاء و أيضاً على الأنبياء بصفتهم بشراً، وبالطبع على د صاوى ولاتفهم بعدها لماذا دبج كتابة هذا . و هكذا تكون مصالح المجتمع المحور الذي تدور حوله قضية القيم ، غير مستوعبة ، فكيف إذاً يمكن إيجاد قيم لهذا المجهول الغير محاط به .
فالغير محاط به غير مستوعب غير مفهوم ، مجهول ، فكيف يمكن إيجاد قيمته بينما لم يستطع ذلك العلماء و المفكرون و الفلاسفة من خيرة المجتمع البشري الإحاطة بة ؟ إن ما لا يمكن الإحاطة به يلقي في القمامة لأنه شئ لا يمكن التعامل معه ، سيكون مثل العنقاء و القنطروس و الخل الوفي و أبو رجل مسلوخة ، لا يمكن التعامل معها لأنه لا يمكن الإحاطة بها حتى يمكن وضع قواعد سليمة للتعامل معها . و بعد أن يؤكد أن تلك المصالح المجتمعية غير مستوعبة حتى يضع لها الغرب القيم ، يفاجئنا الدكتور صاوي بتوصيف و شروح بطول كتابة لتلك المصالح المجتمعية و قيمها الدينية الإسلامية ، فأنكر على الجميع هذا الإستيعاب ، و أصبح هو المستوعب الوحيد و الراعي الرسمي للقيم ، و أخذ يوصف و يشرح هذا اللامستوعب ، فكان كمن يصف لنا العفريت وكيف يأكل و كيف ينام و كيف يقضي حاجته ؟ !!
إنهم وهم يسفهون أي شئ غربي إنساني ، يسقطون في مزالق مفهومية شديدة البساطة و الصغر ، فأحال الدكتور موضوعه كله ( القيم ) إلى وهم غير قابل للإدراك و من ثم غير موجود .
ضمن ذلك الكلام الذي يلقي في الهواء إلقاء ، قول سيادته " إن الخصائص التي تتميز بها القيم الدينية على القيم الوضعية هي التي أدت لوقوف الأغلبية في جانب القيم الدينية و التمرد على القيم الوضعية / ص 38 " .
يقود الشيخ هنا حركة تمرد تخلق صراعاً بين القيم الإنسانية ( يسميها مادية أو وضعية ) و بين القيم الدينية ، في حين أصحاب الأديان من أنبياء لم يخبرونا صراحة ولا ضمناً بوجود قيم دينية ، و هو ما سنقيم عليه الدليل في هذه الدراسات على التوالي .
أما الملقى في الهواء فهو الذي يستدعي التساؤل : من هم هؤلاء الأغلبية الرافضة للقيم الإنسانية و يفضلون عليها قيمهم الدينية أو المحلية ؟ هذا مع ما هو معلوم و مسلم به أنه لو وجدت قيماً دينية فستنحاز لدينها و طائفتها ، فهي إن وجدت ستكون قيماً ضد التماسك الاجتماعي و السلام الوطنى و الإنساني ، لأنها ستكون طائفية عنصرية تختص بجماعة من المجتمع دون بقية الجماعات ، وبأتباع دينها دون الإنسانية جمعاء ، بينما الإنسانية كلها قد تواضعت على قيم عامة يقبلها جميع الفرقاء بالتصويت في الأمم المتحدة ، فهي ترفض مثلاً ترويع الأمنين ، و ترفض الإكراه في الدين ، و ترفض التكفير ، و تدعم بلا حدود إطلاق حرية العبادة و التدين . . . إلخ .
إن ما يزعمه صاحب هذا القلم هو أنه لا يوجد شئ إسمه القيم الدينية ، و لم يأت بها قرآن و لا أنبأنا بها رسول و لا صحابي ، و أن حديث فقهاء زماننا عن القيم الدينية هو تأثر بالقيم الأخلاقية الأكسيولوجية الفلسفية المعلومة ، فقاموا كعادتهم ينسبون كل تفوق إلى الإسلام ، و أدعوا ملكيتنا كمسلمين للقيم . علماً أن فلسفةالقيم الأكسيولوجية أسبق من الإسلام بألف عام ، و قيم المصريين الأخلاقية أسبق من الإسلام بخمسة آلاف عام ، و قيم الرافدين التي تجلت في قوانين تحميها و تحرص عليها منذ حامورابي لأكثر من ألفي عام ، و كلها كانت خبرات و معارف مكتسبة تمكن الإنسان عبر السنين من أن يستخلص منها ما له قيمة نافعة ليفرزه و يجنبه عن ما له قيمة ضارة ، سواء كانت القيمة مادية موضوعية تتعلق بتقييم الأشياء أو قيماً سلوكية أخلاقية ، فالقيم معرفة مكتسبة و ليست قواعد دينية .
و لأن القيم دينية فلابد من ربطها بالإيمان لذلك يقول الصاوي أنه قد " نادى الحكماء بالعودة إلى الإيمان الذي يمثل طوق النجاة و استعادة الأمن و الأمل و الثقة و التفاؤل و العدل و المساواة / ص 39 " .
و علي هذا الكلام يترتب اعتراض ثم تساءلات ، و الاعتراض هو على القول بأن الإيمان بالله قيمة من القيم الأخلاقية ، لأن الإيمان بالله اعتقاد ، لذلك تجد ملحدين ويعملون وفق مكارم الأخلاق ونبالة الإنسان فقط لكونة إنسانا، و تجد أدياناً عديدة تؤمن كل منها بالله على طريقتها وتتضمن شروراً مستطيرة، و بالمقارنة ستجد فروقاً واسعة بين هذه الأرباب حتى تكاد كل ثقافة تختص بإله له صفات بذاتها .
أما الإنسان فلا يوجد إلا و يصنع لنفسه قيماً ، لذلك فلكل البشر قيم ، في حين ليس لدي كل البشر آلهة متماثلة .
إذن الإيمان بالله عقيدة قد توجد و قد لا توجد ، لكن لا يمكن أن يوجد مجتمع دون قيم تحكمه ، سواء كان مجتمعاً مؤمناً أو مجتمعاً ملحداً أو وثنياً . لأننا لو قلنا أن الإيمان باللة قيمة تميز المؤمن عن غير المؤمن فالمعنى أن اللة أصبح لوحة مكتوب عليها بأحبار ومطابع الغرب الكافر ، مثلة مثل السيارة عندما أشتريها أقوم بتقدير قيمتها ، أوالمعزة عندما أشتريها أضع لها قيمة ، وهو ملا يليق بالذات العلية ، بينما اللة غير متفق علية مابين بلد وآخر ومجتمع وآخر ، فلكل ثقافة ربها بمواصفات خاصة تجعلة بعيدا جدا عن الآلهة الأخرى فى الثقافات الأخرى ، ولم يحدث أن اتفقت الأديان على مواصفات الإلة ، ولم يحدث إجماع على إلة من بينها . بل أن هناك من لايؤمن بأى إلة وهم كثر خاصة فى بلاد الغرب المتقدم .
أما القيم فمتفق عليها فلا يوجد إنسان بدون قيم منحطة أوحسنة وبدونها يكون حجرا غير حى ، لكن بإمكان الإنسان أن يكون إنسانا بالمعنى الإيجابى للقيم الإنسانية ولا يكون مؤمنا بأى إلة ، لأن الإيمان بإلة هوعقيدة وليس قيمة .وعلية فالقول أن الإيمان قيمة إيجابية يقابلها الإلحاد كقيمة سلبية هو قول غير سليم بأى معنى من المعانى ، لأن الإيمان مسألة قلبية لايمكن قياس كميتة بالكيلو متر أو الكيلو جرام . ومن ثم لايمكن تثمينة لتصنيفة على سلم القيم إيجابا أو سابا ، فالقيمة كما تخبرنا الدكتورة فوزية دياب تقتضى الاختيار والإيثار الذى يقوم على الترجيح والتفضيل ، وللتبسيط أضرب مثال بمن يذهب للشراء يحمل قيمة تختلف عن القيمة التى يحملها عندما يذهب للزواج وعن القيمة التى يحملها عندما يذهب للسياحة ، وعند الشراء سيختلف حكم القيمة مابين شراء الطعام ومابين شراء لوحة فنية أو تحفة أثرية ، سلم القيمة سيختلف فى حالة واحدة هى الشراء فكيف يمكن تركيب الإيمان على سلم القيم ، إما إيمان وإما إلحاد ولاوسط بينهما لأن الإيمان فى النهاية غير قابل للقياس .
ولا تفهم سر انزعاج فقهائنا المحدثين من وجود الملاحدة فى المجتمع رغم أن وجودهم ضرورة لتثبيت الإيمان ، حتى قال الصاوى أن من لايؤمن باللة ليس إنسانا . بينما وجودهم بيننا يعود على المؤمنين بالنفع العظيم ، لأن المسلم متوسط التقوى قليل الورع يجد نفسة عاجزا عن أن يكون مثل عمر أو أبو بكر أو الشيخ قرضاوى أو الشاب عمر خالد ، فيصاب فى إيمانة بالنقص مما قد يغوية بالمزيد من عدم التقوى والورع مادام لايستطيع أن يكون مسلما حفيقيا ، بينما عندما يرى الملحدين أمام عينية فإنة يقيس نفسة علية فيجد أنة بإيمانة المتواضع من أهل الجنة ، وأن جهنم لن تسعى وراءة لتصطادة وأمامها هؤلاء المناكيد . ولاشك أنة سيطمئن بالة ويهدأ ويشعر بالسعادة لا بالخوف ، ولن يفكر فى التطرف والتشدد لأنة سيرى نفسة فى قائمة المحبوبين من اللة والفائزين يوم يحشرون . ويخرج بذلك من دائرة التشدد لدائرة الإيمان السمح ، ولن يكون مضطرا للسعى المستمر للحصول على درجة أعلى فلا يجد سوى رتبة الشهيد التى سترفع أسهمة فوق كل هؤلاء المؤمنين الكبار . أن وجود حرية الكفر هو ضرورة يعلمها اللة لذلك أقرها فى قرآنة .
أما التساؤلات التى يستدعيها هذا الكتاب فهي : " هل هذه الدعوة موجهة لنا نحن المسلمين ؟ أم هي موجهة إلى الغرب الكافر ؟ إن كانت موجهة إلينا فهو ما يعني أن فقهاء زماننا يروننا قد أصبحنا خارج دائرة الإيمان لذلك يدعوننا للعودة إليه ، و هو ما يعني أنهم يعتبروننا قد كفرنا بعد إيمان و بحاجة للعودة إلى هذا الإيمان ؟ و بالطبع لا حل لعودتنا إلى حظيرة الإيمان خرافاً مطيعة إلا بتمكين فقهائنا من السلطنة ليعيدوننا إلى الإيمان ؟ !
أما إذا كانت هذه الدعوة موجهة إلى غيرنا حيث الغرب العاري المنحل ، فلماذا البكاء على حال الكفرة الطاغوتيين ؟ أم تراه يرهن رقي الغرب باتباعنا و اقتناعه بقيمنا و تسليم قياده لكهنتنا ، و إلا لا يمكن وصفه بالرقي و التحضر الذي صنعه لنفسه بيديه ؟
إن للأديان بمختلف ألوانها و مشاربها قدسية عظيمة لدي أتباعها . و القواعد الدينية هي فروض و أوامر و نواهي ، بينما القيم تقوم أصلاً على المفاضلة و التمييز بين أكثر من اختيار ، و تترتب على سلم قيمي يفاضل و يمايز و يفرز و يجنب بين قيمة و أخرى ، اما القواعد الدينية فهي فروض مفروضة فرضاً على أتباعها بحيث لا يمكن مناقشتها عقلياً بعكس القيم الإنسانية القابل للأخذ و الرد و المناقشة و المفاضلة و الممايزة .
و بين تلك الأديان يحرص المسلمون على التأكد من سبق الإسلام لكل علم و معرفة حدثت أو لم تحدث بعد ، و ضمن ذلك ما تفعله هنا وزارة الأوقاف بكتبها عن القيم . علماً أن ربط القيم الإنسانية بالقواعد الدينية ، و جعل هذه القواعد قيماً أو مصدراً للقيم ، فإنه لابد أن يؤدي بالضرورة إلى جمود القيم جمود القواعد الدينية .
أما ما يهولنك فعلاً أن نكون في قعر العالم و مؤخرته و تتلبسنا قناعة بأننا الأميز و الأكفأ و الأقدر على إسعاد الآخرين ، كما لو كانت حياتنا في بلادنا الكئيبة المتخلفة المعتوهة هي نموذج السعادة ، و نرى من واجبنا فرض قيمنا الدينية على الإنسانية كي تحصل على ما حصلنا عليه من نعيم و رفاهية و رخاء و تقدم ، اعتماداً على اعتقاد أن الإله الخاص بنا قد أعطانا وعداً بذلك . و دون أن يمتلك أتباع هذا الإله أى مقومات تؤهلهم لإمتلاك سيادة العالمين . و واقع الأرض و الأحداث بعيداً عن التوهمات المريضة ينطق بحال كالعدم ، فنحن نعيش بالمنتج التكنولوجي لهذا العالم و بإعانات من هذا العالم في كل مجالات حياتنا من الألف إلي الياء ، و يبذل العالم جهداً مشكوراً مأجوراً لإخراجنا مما نحن فيه من أسن و عفن و عطب ، بينما سادتنا المشايخ يحرضون على العداء لهذا العالم العاري الماجن ( لماذا لا يرون في هذا العالم سوى الأفخاذ العارية ؟ !! هل العيب في الفخذ العاري وسط منجزات كبرى هائلة أم في العين التي لا ترى سوى الأفخاذ ؟ ! ) ، و يشحنون المسلمين بكراهية المتقدمين ، حتى نظل بجهلنا رهينة عند مشايخنا و عند السلطان .
و لازال لنا مع القيم حديث يطول ، لمحاولة هدم و بناء ، بنقد ما نعتبره أو نظنه قيماً إسلامية ، و هي ليست كذلك حقاً ، نفتح الباب نحو تأسيس ثقافة للقيم متصالحة مع زماننا و مع العالم ، كتأسيس لابد منه ، تمهيداً لأى إصلاح منتظر









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيدة انتصار السيسى تهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بحلو


.. تكبيرات العيد في الجامع الازهر في اكبر مائدة إفطار




.. شاهد: في مشهد مهيب.. الحجاج المسلمون يجتمعون على عرفة لأداء


.. 41-An-Nisa




.. 42-An-Nisa