الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَن هم ٱلذين يَعلُونَ فى ٱلأرض ولا يُمسَخُونَ؟

سمير إبراهيم خليل حسن

2008 / 11 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بيّن كتاب ٱللّه ٱلقرءان أنّ ٱلفاعل فى قوّة وعلوّ أىّ شعب فى ٱلأرض وفى عيشه فى رَغَدٍ هو فىٰۤ إرادة أفراده ٱلأحرار وفى تواثقهم على ٱجتماعهم فى عيش مشترك لا يُسمح فيه لسلطة فرد ولا فئة أو طبقة أن تستخفّ بهم كشعب وكأفراد. ولآ أن تتحكم بٱكتسابهم ٱلعلمىّ وٱلمعرفىّ. ولا بما يدفعون لخزينة مجتمعهم من مكوس (ضرآئب). ولآ أن تمنع عنهم ٱلمشاركة بتحديد سبيل إنفاقها لما يدفعون.
كذلك بيّن ٱلقرءان أنّ ٱلفاعل فى ضعف وخفض ومسخ أىّ شعب فى ٱلأرض وفى عيشه فى ضَنكٍ هو فى نقص إرادة أفراده وفى قبولهم بعيش قطيعٍ لا ميثاق له. وفى طاعتهم لسلطة راعٍ تستخفّ بهم وتُكرههم على دفع ما تشآء من مكوس. ولا تشاركهم بتحديد سبيل إنفاقها لما تأخذ منهم.
ويظهر توجّه ٱلشعب (نحو ٱلعلوّ وٱلقوّة وٱلعيش فى رَغَدٍ أو نحو ٱلخفض وٱلمسخ وٱلعيش فى ضَنكٍ) بٱلنظر إلى ما يكتسبه أفراده من منهاج تعليم. فبذلك ٱلمنهاج ينشأ أسلوب تفكيرهم وبه تتكون إرادة ٱلفرد منهم أو تُمحى. وبذات ٱلمنهاح تتكوّن مواقفهم وسلوكهم وأسلوب تكوين سلطتهم وأسلوبها فى جمع مال خزينتها وفىۤ أنفاقها له.
لقد بيّن ٱلقرءان أنّ على ٱلفرد أن يكون حرّا ومسئولا عمّا يكتسب فلا يقفُ ما ليس له به علم (كلّ نفس بما كسبت رهينة. لا تقفُ ما ليس لك به علم. لآ إكراه فى ٱلدين. لست عليهم بمصيطر. لست عليهم بوكيل).
وبيّن له أنّه سيكون عبدًا وجزءًا من جمعٍ لا حرية ولا مسئولية له عمّا يكتسب وعمّا يتبع ويطي من منهاج تعليم مغلق فلا يقوى على شىء لأنّه ضآلّ عن ٱلحقِّ يتبع قطيعًا ويطيع مثله.
فإن ٱختار ٱلشعب وسلطته منهاج تعليم مفتوح لأولادهم لآ إكراه فيه بما يكتسبون تقوى شخصية ٱلفرد منهم وتكبر ٱستطاعته وإرادته فلا يخضع من دون علم ويقوى بعلمه وعمله ويعيش فى علوٍّ ورَغَدٍ.
ومن كان عيشه فى رَغَدٍ يجتمع ٱلمال ويكثر فى خزنة مجتمعه. وبفعل علمه وإرادته وحريته يشارك سلطته فى تحديد سبيل إنفاقه.
وإن ٱختار ٱلشعب وسلطته منهاج تعليم محدّد ومغلق لأولادهم يُكرهونهم فيما يكتسبون تُمسخ شخصيّة ٱلفرد منهم وتتدنّى ٱستطاعته وتُمحىۤ إرادته. فيخضع من دون علم ولآ إرادة ويضعف علمه وعمله ويعيش فى ضَنكٍ وذلٍّ.
ومن كان عيشه ضَنكًا لا يجتمع إلا ٱلقليل من ٱلمال فى خزنة مجتمعه. ولا يفكر فى مشاركة سلطته فى تحديد سبيل إنفاقه.
وبفعل ٱختيار ٱلشعب وسلطته لمنهاج تعليم يكره عليه ٱلأولاد تقسو قلوب أهل ٱلسلطة وتتحجّر. فتسيئ إلى جميع شعبها وتخضعه لأوامرها بقسوة تذلّه وتهينه. فلا تترك له فرصة ليشاركها فى تحديد فئات ٱلشعب ٱلتى عليها دفع ٱلمكوس. ولا فى تحديد ٱلفئات ٱلتى تُعفى منها. فتجعل ما تطلبه من مكوس على جميع فئات شعبها. وتكره ٱلفئات ٱلمحدد دخلها فى تحصيل ٱلمكوس منها. فتقطع عليها سبيل ٱلتطور ٱلمعرفىّ وٱلعلمىّ بفعل إفقارها ٱلجارى بجمع ٱلمكوس منها. بذلك تزيد من جهل شعبها وتزيد من فقره وضعفه فيمسخ قردة ينخفض فى ٱلأرض ويعيش فى ضنكٍ ذليلا مهانا.
هذا ٱلأسلوب ٱلقاسى يصنعه منهاج ٱلتعليم ٱلمغلق. وهو ما يجعل ٱلشعب جاهلا فقيرا يكثر فيه عدد ٱلعاطلين عن ٱلعمل. وهو ما يجعل واردات ٱلمكوس تنخفض فتعجز ٱلسلطة عن ٱلقيام بأىِّ عمل ينفعها وينفع شعبها. وتكون هذه ٱلسلطة بمنهاجها ٱلمغلق قد وضعت نفسها ومعها شعبها فى وجهة واحدة هى ٱلجهل وٱلضعف وٱلخفض فتُلعن مع شعبها عن ٱلسباق مع ٱلشعوب ٱلأخرى إلى مواقع ٱلقوّة وٱلعلوّ فى ٱلأرض.
أما ٱلشعب وسلطته ٱلذين يكون منهاج تعليمهم مفتوح فتكون قلوب أهل ٱلسلطة بما يأمرون مفتوحة على حوار مع ٱلشعب. وبٱلحوار يقوم ٱلأمر فيُحسنون فى توزيع ٱلمكوس ويجعلونها على جميع ما يباع فى ٱلأسواق للإستهلاك غير ٱلمعرفىّ وٱلعلمىّ (ٱلقيمة ٱلمضافة) سوآء ءكان ما يباع فى ٱلأسواق مستوردا أم صناعة محليّة. وأمر هؤلآء لا يأخذ من فئات ٱلشعب ذات ٱلدخل ٱلمحدود مكوسًا. ولا يأخذ من ذوى ٱلدخل ٱلمفتوح إلا خُمُس ما يغنمون (20٪ من الأرباح الصافية) كما حدده ٱللّه فى ٱلغنيمة:
"وٱعلمُوۤا أَنَّما غَنِمتُم مِّن شىءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلقربى وٱليتَٰمَىٰ وٱلمسَٰكِينِ وٱبنِ ٱلسَّبيلِ" 41 ٱلأنفال.
وينفق هؤلآء ما يؤخذ من ٱلغنيمة فى ٱلوجوه ٱلتالية:
1- ٱللّهُ هو نور ٱلسّمٰوٰتِ وٱلأرض. وينفق ما يخصص له من ٱلخُمُس على ٱلجامعات وٱلبحوث ٱلعلمية ٱلتى توسع قدرة ٱلنور وٱلكشف لما هو مجهول من ٱلحقِّ على ٱلسلطة وشعبها.
2- ٱلرّسُول هو حامل ٱلرّسالة وناشرها بين ٱلناس من دون أجر. وما فى ٱلرسالة هو معلومات ترفع من علم ٱلناس ومن هدايتهم. وينفق ما يخصص للرسول على نشر كلّ ما يزيد ويرفع من علم ٱلشعب وإرادته ويطور معرفته وخبرته فى عيشه وتطوره وفى صناعة سلطته.
3- ذِى ٱلقربى هم ٱلشعوب وٱلسلطات ٱلتى تسلك ذات ٱلسبيل وتحتاج لعون فىٰۤ إكمال سلوكها. وينفق ما يخصص لذى ٱلقربى كمساعدات لهذه ٱلشعوب مع تحديد لوجهة إنفاقها ومراقبتها.
4- ٱليُتم يحدث للطفل بموت والده. وما يخصص لليتَٰمىٰ ينفق على مؤسسات ترعى شؤون ٱليتم من جميع وجوهه.
5- ٱلمساكين هم ٱلساكنون عن ٱلعمل بفعل عطل فى ٱلجسم أو فى ٱلنفس. وما يخصص للمساكين ينفق على مؤسسات ترعى شؤون ٱلمقعدين بسبب علّة فى ٱلجسم أو بسبب مرض فى ٱلنفس يُقعد عن ٱلعمل.
6- ٱبن ٱلسبيل هو ٱلذى ٱتخذ من ٱلحركة فى ٱلأرض سبيلا لنفسه يرحل فيها من مكان إلىۤ أخر مستكشفًا كٱبن بطوطة وماجلان وكريستوف كولومبوس وأمثالهم.
أما ما يُجمع من مكوس على ما يباع فى ٱلأسواق (ٱلقيمة ٱلمضافة) فينفق فىٰۤ إقامة ٱلصلوٰة (بنآء جميع وسآئل ٱلرصد وٱلمتابعة) وٱلمنشئات ٱلعلمية وبيوت ٱلتعليم وٱلمشافى ووسآئل أمن ٱلشعب وعيشه فى رَغَدٍ وفى تأمين قوتّه وعلوّه فى ٱلأرض وفى نفاذه فىٰۤ أقطار ٱلسّمٰوٰتِ وٱلأرض.
هذه ٱلسلطة وهذا ٱلشعب يتعاظم علمهم وتتعاظم قوّتهم ويكثر مالهم ويعلون فى ٱلأرض ويعيشون فى رَغَدٍ. ويكون لهؤلآء ٱسم بنىٰۤ إسرٰۤءيل ٱلمفضلين على ٱلعالمين فى كتاب ٱللّه ٱلقرءان.
إلآ أنّ ٱلعلوّ فى ٱلأرض وٱلتفضيل على ٱلعالمين يؤسس عليهم مسئولية تتعلق بإصلاح مآ أفسدوه فى ٱلأرض بفعل ٱلسباق على موقع ٱلقوّة وٱلعلوّ وٱلعيش فى رَغَدٍ. وهو ما بيّنه ٱللّه فى كتابه للذين يفضلهم على ٱلعالمين:
"وقضينآ إلىٰ بَنِىۤ إسرٰۤءِيلَ فى ٱلكتَٰبِ لَتُفسِدُنَّ فى ٱلأرضِ مَرَّتَينِ ولَتَعلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا" 4 ٱلإسرآء.
فعليهم بهذا ٱلعلوّ مسئولية إصلاح ٱلفساد فى ٱلأرض (تلوّث ٱلبيئة) ومسئوليّة ٱلعودة عن أعمال ٱلسيِّئات.
وحتى يكون لهم علوّ لا خسران له عليهم أن يهتدوا بوصيّة ٱلأب إبراهيم وٱلأب يعقوب:
"ووصَّى بهاۤ إبرٰهيمُ بنيهِ ويعقوبُ يٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّه ٱصطفى لَكُمُ ٱلدّينَ فلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأنتُم مُسلِمونَ" 132 ٱلبقرة.
وبٱتباع بنىٰۤ إبراهيم وبنى يعقوب للوصيّة يهتدون بٱلقرءان وفيه ٱلهداية ٱلأقوم. وبها يستبدلون ٱسم بنىٰۤ إسرٰۤءيل بٱسم "ٱلمسلمين" فيعملون علىۤ إصلاح ما فسد فى ٱلأرض ويحتفظون بعلوّهم:
"إنَّ هٰذا ٱلقرءَانَ يَهدِى للَّتى هِىَ أَقوَمُ ويُبَشِّرُ ٱلمُؤمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبِيرًا" 9 ٱلإسرآء.
وبعمل ٱلإصلاح يستحق "ٱلمسلمون" أجرًا فى ٱلحياة ٱلدنيا فيبقى علوّهم فيها من دون خسران له ولهم أجرًا مؤجلا إلى ٱلحياة ٱلأخرة.
أمآ إن لم يهتدِ بنوٰۤ إسرٰۤءيل بٱلتى هى أقوم فيكون لعلوّهم أثره على ٱلأرض ٱلصالحة فيفسدون فيها ولا يصلحون فتحدث طآمّة كبرى تتبّر ما علو تتبيرًا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah